بـقـلـم : بن بطوش
يقول الزاهد “جلال الدين الرومي”: سألته كيف لقلبي المتناهي في الصغر أن يتسع لكل هذا الألم…؟، فأجابني: أنظر إلى عينيك كم هي صغيرة و لكنها ترى الكون…، و نحن على هذا المنبر الحر بعدما بهتت كل أراجيف البيت الأصفر و بعدما نفذت كل وصفات عطارة قصر المرادية، و بعدما استهلك الشعب الصحراوي المظلوم كل مخزون الصبر الذي كان يدخره للشدائد، خلال مغامرات الأخ القائد “إبراهيم غالي”…، ها نحن نواجه حدثا وجعه أكبر من حجم قلوب الشعب الصحراوي، و أشد بطشا علينا و لا قدرة لنا على تحمله بأقلامنا و وعينا، لذلك سنجاهد في هذا المقال لنضع قراءة له في السياق المناسب، رغم أن عقولنا أثقلها الحزن و شوهت مشاعرنا المآسي و أفسدتها كثرة الجنائز…، فما عادت قلوبنا تصلح للفرح…
و المحزن أكثر أن النشطاء و الإعلاميين و الخبراء و المتتبعين و الدبلوماسيين و السياسيين و حتى من تعثرت عينه بخبر الموقف الإسرائيلي، داخل الجزائر و خارجها، حزن لقصر المرادية و تعاطف مع النظام الجزائري و تأسف للرئيس “تبون” و قائد الجيش “شنقريحة”، و كأن “الاعتراف” لا يعني الشعب الصحراوي و لا القضية الصحراوية و لا القيادة و لا “هنتاتة” الشهيد الحافظ…عطفا على التغييرات الجنونية التي تصيب هذا العالم و تقلب أعاليه أسافله
فمن منطلق هذه التغيرات، يمكننا الحكم أن النظام الجزائري الحليف و البيت الأصفر بالرابوني في زمن المحركات النفاثة لا زالا يشتغلان بمنطق المحرك البخاري، و أن الوعي الصحراوي و الجزائري الرسمي يرفض تقبل الفكرة و الإيمان بالواقع، لدرجة أن النظام الجزائري دفع برئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، “سعيدة نقزة”، إلى التعليق على أحداث فرنسا و ردة فعل النظام الفرنسي تجاه المهاجرين الجزائريين بالقول: “أقول للشباب ابقوا في بلدكم لأن أوروبا في أزمة وليست الجزائر”… تخيل أيها القارئ الكريم أن المواطن الجزائري الذي يمضي يومه يتجول بين الطوابير، و ينهي يومه يطارد صهاريج الماء في الشوارع عله يظفر ببعض الليترات، بسبب انقطاع الماء عن سبع ولايات جزائرية سكانها مهددون بالعطش، نتيجة جفاف السدود و البحيرات و المياه الجوفية، تريد مسؤولة جزائرية أن تقنعه بعدم الهجرة في زمن الانفتاح الإعلامي المطلق و الانبهار الاجتماعي بالتطور الحضاري لأوروبا، و كأنها تقول له بأن جحيم الجزائر أفضل بكثير من الإلدورادو الأوروبي.
في الحقيقة نحتاج إلى الكثير من الشجاعة الأدبية كي نعترف بأن الجزائر أبعد ما تكون حتى عن جيرانها و يستحيل مقارنتها بأوروبا، و إذا كان قصر المرادية يتصرف في سياسته الخارجية كفيل هائج وسط معرض للزجاج، فإن الرباط تتحرك بخفة السحرة أو راقصي الباليه، ذلك أنها و بأقل جهد و دون تنازلات و بتناغم مطلق مع خططها، أرغمت دولة بحجم إسرائيل و وزنها الدولي على الاعتراف لها بسلطتها على الصحراء الغربية و توثيقه دوليا، لدرجة أن هذا “الاعتراف” وصفه الخبراء بالضربة القاضية، و قالوا أن ما فعلته إسرائيل بالقضية الصحراوية لم تفعله حتى أمريكا، و أن الاعتراف الإسرائيلي بالسيادة المزعومة للرباط على الصحراء الغربية هو طعنة في مقتل لكل مخططات و مصالح الحليف الجزائري…، و علينا كصحراويين أن نمتلك الشجاعة الأدبية كي نضع أصابعنا على الجزء المتعفن في مشروع استقلال وطننا، و علينا أن نمتلك الشجاعة الأدبية لنتهم الحليف الجزائري هذه المرة بالتسبب في الكارثة التي تعادل في نظرنا الصحفي كارثة “تشيرنوبيل”، لأنها نكبة أكبر بكثير من كل التوقعات، و سنرى إن كنا سنستطيع تحمل هذه الصدمة و هذا الوقع، رغم أن المؤشرات تدل على أن القضية الصحراوية انحرف مسارها بشكل مخيف، و أنها تتجه بسرعة صوب الجدار.
ثمة من سيقول بأن الاعتراف الإسرائيل لا وزن له و لا تأثير له على القضية الصحراوية بالأمم المتحدة، و أن الاعتراف الأمريكي حدث قبله و إن تسبب لنا في مشاكل عظيمة، إلا أن القضية لا تزال في الأمم المتحدة بين مد و جزر…، هنا أُجيب أصحاب هذا الرأي بأن الاعتراف الأمريكي جعل القضية الصحراوية تدخل مرحلة العزل الطبي، و أصبح لا أحد يستطيع أو يتجرأ على دعم القضية الصحراوية، لأن واشنطن تدعم الرباط بكل ثقلها حتى عسكريا، و الدليل أنه بعد الاعتراف الأمريكي جاء الاعتراف الإسباني الذي تلاه الاعتراف الألماني فالبرتغالي ثم الهولندي فالصربي و جرى تعزيزه بالشراكة المعمقة بين الرباط و إيطاليا،التي كانت مطالبة بتوضيح موقفها إذا ما كانت تضع كل بيضها في السلة الجزائرية – الروسية، أم أنها تناورهم فقط و تفضل السلة المغربية – الأمريكية – الإسرائيلية؟
نبدأ الآن في تحليل الحدث كي نضعه في السياق الصحيح، و حتى لا يدفعنا الحزن إلى كتابة مرثية لا تصلح للقراءة الاستراتيجية،لأن ما حدث – و دون و ضع لمساحيق التجميل- هو نتيجة منطقية لأخطاء دبلوماسية ارتكبها الحليف الجزائري، الذي ذهب إلى روسيا كي يعادي مصالح البيت الأبيض و اقتصاد أمريكا و رموز قوتها (الدولار) و يجاهر بهذا العداء، بحيث لم يتوقف الرئيس الجزائري و هو يركض في حقول الألغام عند تفجير الخلاف مع أعظم قوة في العالم، بل مباشرة بعد ذلك أرسل وزير خارجيته إلى طهران و وقع هناك اتفاقيات ذات عمق استراتيجي تشمل تجديد اتفاق الدعم المالي الجزائري للبرامج العسكرية الإيرانية، بغرض تطوير المُسيِّرات و دعم “حزب الله” و تسهيل حصوله على الذخائر…، و أيضا دعم إيران سياسيا في معركتها المائية ضد أفغانستان، و هذا ما رأت فيها إسرائيل مجاهرة لها بالعداء، رغم أن إسرائيل كانت تحاول ما أمكن أن تتفادى خلافات علنية مع الجزائر لأنها تعتبر قصر المرادية صديق سري، و لم تعلق على دعم الجزائر لجنين بـ 30 مليون دولار، و لم تهتم لبيان الجزائر، و لم ترد على تصريحات المسؤولين الجزائريين في وسائل الإعلام.
التنازلات الجزائرية لم تقنع إيران التي تواصلت سريا مع الرباط لعرض التطبيع الشامل للعلاقات بين البلدين، و وقف العداء، و الأخطر هو ما جاء في الإعلام الإسرائيلي، أن إيران عرضت على الرباط التحالف مقابل الاعتراف بسلطة الرباط على الصحراء الغربية، مستغلة تلكؤ إسرائيل التي اشترطت في البداية على الرباط الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، قبل أن تتراجع بعد تهديد الرباط بنسف التطبيع معها، و وضعت تل أبيب بعدها شرطا أقل حدة تمثل في عقد “قمة نقب” جديدة في الصحراء الغربية، لكن الرباط لم تتفاعل مع الشرط و كأنها كانت تنتظر العثرة الجزائرية، ليقدم “تبون” الهدية الذهبية للرباط و يرسل أسوء وزير خارجية في الكون إلى إيران، و هناك حصل ما حصل، و رصدت الأجهزة السرية الإسرائيلية تحركا إيرانيا ملفتا بهدف إحياء العلاقات مع المغرب، لكن إسرائيل استنفرت كل شيء و سعت إلى إرضاء الرباط و الاعتراف بسلطة المغرب على الصحراء الغربية.
خطورة هذا الاعتراف نجدها في تفاصيل الرسالة التي بعث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” إلى ملك المغرب، و التي قال فيها “أن موقف بلاده هذا سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة”، و أضاف : “سيتم إخبار الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية بهذا القرار”، و ختم الرسالة بأن “إسرائيل تدرس، إيجابيا، فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة وذلك في إطار تكريس قرار الدولة”…، مما يعني أننا كنا نمني النفس أن نظفر بسحب إسبانيا أو المانيا أو البرتغال أو أمريكا أو أي بلد … اعترافه للرباط، و الآن نتفاجأ بدولة من حجم إسرائيل انضافت إليهم، و الكل يعلم قوتها و يعلم تأثيرها في أوروبا و أمريكا، لدرجة أن الخبراء يقولون بأن المرحلة القادمة هي اعتراف بريطانيا، لأن اللوبي اليهودي – الإسرائيلي هو المتحكم في القرارات السيادية للندن.
و نضيف أن هذا القرار يكفي لقلب الوضع في مجلس الأمن و في أوروبا، لأنه يضع فرنسا في حرج كبير، فهي تماطل الرباط و ترفض اتخاذ موقف مشابه، و تكتفي بالمواقف الرمادية، و التي نتمنى نحن كشعب صحراوي أن لا يتحقق الاعتراف الفرنسي، خصوصا و أن الرباط باتت على مرمى إمتلاك النصاب القانوني داخل الأمم المتحدة لإغلاق الملف، و هي اليوم تمتلك النصاب داخل الإتحاد الإفريقي و الدليل ما حصل لرئيس الاتحادية الكروية الجزائرية…، صدقوني وضع قضيتنا الوطنية في أسوأ حال منذ بداية النزاع، و على القيادة الصحراوية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية؛ لأن المثل يقول : “ماحك جلدك مثل ظفرك”… فالنظام الجزائري الحالي قد يضحي بشعبنا و بقضيته إذا ما سُدَّت في وجهه كل الأبواب.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة