بـقـلـم : حـسـام الـصـحـراء
في إحدى المشاهد من الفيلم المصري “كازابلانكا”، لمخرجه “بيتر ميمي” ، قال “عمرو عبد الجليل”، الذي كان يلعب دور “عُرَابي”، و هو نازل من الدرج خلال احتفاله، جملة في غاية الإبداع و هو يعتز بما أحدثه من ضرر لأصدقائه حيث قال: “دعونا ننسى أخطاء الماضي، و نعمل أخطاء جديدة”،… و أنا أتابع المشهد و كأني بالأخ القائد “إبراهيم غالي” يعلو منصة الخطابة و يصيح في المؤتمرين: “لقد جئتكم بأخطاء لم يسبقني إليها أحد من القادة الصحراويين”، ذلك أن في عصره رأينا في قضيتنا العجب العجاب، و ضاق صدرنا من الأخبار التي لم تتوقف عن استهدافنا، و أتوقع أن الأجيال اللاحقة ستجد في صحيفة الأخ القائد داخل كتب التاريخ، بأن عصره كان كارثي الحصاد على الشعب الصحراوي، فتحت خلاله القنصليات بالمدن المحتلة و سحبت الدول اعترافها بجمهوريتنا، و انقلب الإتحاد الإفريقي على الصداقة التي أوجدها من سبقوه، و انهزمنا في معارك دبلوماسية كبيرة، و إنهزمنا في معركة الكركرات التي لم تتجاوز 15 دقيقة، فقدنا فيها المعبر و ماء وجوهنا.
في عصره دخلنا الحرب و أعلن جيشنا الأقصاف، و بعد أكثر من 90 بيان عسكري، لم نحدث خدشا في الجدار، وقدمت أمريكا الصحراء الغربية على طبق من ذهب للرباط و … كل هذا و لم تنتهي قصص أخطاء الأخ القائد.، لكن ما سربه موقع “أنباء انفو” الموريتاني نقلا عن ما أسماه مصادر رفيعة من داخل بيت الحكم لنظام “ولد الغزواني”، لا يمكن تصنيفه ضمن إطار المفاجئة أو الخبر القنبلة أو الانقلاب في موقف دولة موريتانيا، لأن نواكشوط لم تعد تستطيع تحمل سلوكيات القيادة الصحراوية، و لم تعد تستسيغ توريط قيادتنا للنظام الموريتاني في تفاصيل الخلاف بين الجزائر و المغرب من جهة و بين الرابوني و الرباط من جهة أخرى، و تحاول موريتانيا أن تكون دولة متوازنة و ذات قطبية في منطقة شمال إفريقيا، خصوصا و أنها نجحت إلى حد كبير في أن تفرض نفسها كدولة مهمة في منطقة الساحل و الصحراء، و تُجري حاليا إصلاحات شاملة لإنجاح الإنتقالين الديمقراطي و الاقتصادي في البلاد في انتظار طرح خطط للتحول الاجتماعي الشامل.
هنا نشرك المقالات السابقة التي أفردناها حول دولة موريتانيا و نظامها، و ما جاء سابقا في تحاليلنا بأن الإضرار بمائدة المواطن الموريتاني ستكون له انعكاسات سلبية على العلاقات بين موريتانيا و الدولة الصحراوية، و قلنا أن القيادة حين أرسلت كتيبة المحتجين إلى المعبر الملعون فهي لم تستهدف الاقتصاد المغربي فقط، بل أصابت معها مصالح دول كبيرة جدا، و قلنا على أن الدولة الصحراوية مجبرة على التعامل مع دولة موريتانيا باحترام شديد و عدم فرض الأمر الواقع على شعبها و نظامها، لكن البيت الأصفر كان مصرا على إهانة نظام “ولد الغزواني” و إحراجه، خصوصا عندما أرسل مقاتلين تسللوا عبر التراب الموريتاني لاستهداف معبر الكركرات بقذائف بدائية، و أرادت قيادتنا بذلك الإيحاء بأن موريتانيا خرجت عن الحياد و أنها متورطة و متواطئة مع النظام الصحراوي و الجزائري ضد الرباط.
بعد هذه المواقف يتبين أن التسريب الذي نشرته وسائل الإعلام الموريتانية حول نية إعلان نظام “ولد الغزواني” سحب الاعتراف بالدولة الصحراوية، و إغلاق تمثيليتها في نواكشوط، و تجميد كل العلاقات الدبلوماسية معها، خطورته ليست في القرار بذاته و لا في قيمة الدولة الموريتانية، بل بالاتجاه العام للقضية و المنحى البياني الذي يمكن الحصول عليه إذا ما نحن وضعنا المعطيات التي جمعناها منذ بداية تكالب الأزمات على الشعب الصحراوي، داخل مبيان بدأ بالأزمة البترولية التي أصابت الدبلوماسية الجزائرية و الصحراوية بنوع من عدم الفعالية رغم الزيارات المكوكية و الجلسات الطويلة مع التكتلات العالمية، وصولا إلى مشاركة كبار دول العالم في مشاريع بمدن الصحراء الغربية لدعم و تقوية اقتصاد دولة الاحتلال بها..، سنكتشف بعد رسم المنحى أننا نتجه نحو الهاوية السحيقة.
فالقرار الموريتاني – في حال وقوعه لا قدر الله- يظل سيادي و لا يمكن انتقاده، و مثلما صفقنا لقرار نواكشوط زمن “ولد عبد العزيز” حين أغلق سفارة إسرائيل و دكها بالجرافات، فعلى القيادة أن تتقبل القرار أو أن تحاول الحيلولة دون حدوثه، لأن الوضع الجيوسياسي بالمنطقة قد يفرض على موريتانيا خيارات مزعجة للشعب الصحراوي دون أن تراعي الروابط، و موريتانيا محكومة بعدد من المواثيق و لن نقول أن المحتل المغربي ضغط على نواكشوط لسحب الاعتراف، و لكن هناك أطراف أجنبية تعمل لصالح المحتل، خصوصا و أن الرئيس السابق “محمد ولد عبدالعزيز” سبق وأن صرح خلال لقاء صحفي مع الكاتب و الصحفي الفلسطيني “عبد الباري عطوان” خلال أبريل من سنة 2019، أن الدول الكبرى ترفض بشكل قاطع أن تظهر أي دولة تفصل بين المغرب و موريتانيا، و تعارض قيام أي دولة جديدة في المنطقة.
الذي نخشاه كرأي عام صحراوي أن تتراجع الاعترافات بالدولة الصحراوية إلى أن تنحصر في دولتين (جنوب إفريقيا و الجزائر)، لأن ما يقع حتى اليوم من تأثيرات سلبية على ملف الصراع مع المحتل، لا يمكن أن نعزيه لإرادة الكيانات الكبرى التي تحكم و تتحكم في مصير العالم، و تحدد توجهات الأمم، و أشير هنا إلى أمريكا و بريطانيا و فرنسا…، بل إلى أخطاء قيادتنا التي تسمع مثل هذه المعطيات و لا تلتقط إشاراتها، و تستمر في ارتكاب نفس الأخطاء التي يمكن وصفها بالبدائية و الغبية، إذ لا تقوم بتحيين سياسات البيت الأصفر لتتأقلم مع المعطيات الدولية.
على ما يبدو فإن “ولد الغزواني” بات مقتنعا اليوم أن تواجد سفارة الجمهورية الصحراوية في نواكشوط مجرد وزن زائد، يبطئ تقاربه مع الرباط، و هناك من الرأي العام الموريتاني من يرى في ملف القضية الصحراوية ورقة استثمارية بيد نواكشوط يمكنها استخدامها مع الطرفين المغربي و الجزائري، غير أن الواقع يثبت بأن الطرف الجزائري يصعب أن تستخدم معه هذه الورقة بسبب الوضع الاقتصادي، و أيضا بسبب عودة الحراك الذي سيجعل النظام الجزائري في الشهور القادمة أمام محك حقيقي يتعلق بالحريات و تلبية الوعود، أي أن النظام الجزائري مضطر في الشهور القادمة لخفض جناحه أمام رياح الحراك التي اقتلعت نظام “بوتفليقة”.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك