بـقـلـم : بن بطوش
في ظل جنون الأحداث و تطوراتها الرهيبة، يبدو أن أعظم ما يمكن للمرء فعله، أن يحافظ على عقله و اتزانه و رزانته؛ فلا فائدة من محاولة الفهم المطلق…، لكن ثمة بضع قواعد وجب الإيمان بها، من ضمنها ما قاله المفكر الألماني “ألبيرت كناب” بأن “القوة لو كانت بالكثرة لسيطرت الأرانب على الغابة”…، و ما فعله الجيش الإسرائيلي ليلة الجمعة 13 يونيو 2025 بإيران يؤكد هذا الكلام، لأن الدولة العبرية بتعداد سكانها الذي بالكاد لا يتجاوز الـ 9 ملايين، جعلت الدولة الصفوية تائهة ليلة كاملة و هي تحاول فهم ما حل بها، حتى كتبت إحدى الصحف الإيرانية أن ما وقع في طهران أشبه بيوم القيامة.
قبل الخوض في تفاصيل هذا التطور الخطير للأحداث بالشرق الأوسط الذي يوصف في جميع الديانات بـ “المنطقة الآمنة” (zone save)، لكنه في الأصل المكان الأكثر اضطرابا عبر جميع الأزمنة…، وجبت مني بعض الملاحظات؛ أولها كيف أن للعرب أن يخشوا إيران التي اغتالت إسرائيل قادتها بين أحضان “بشار الأسد”، و قتلت أمريكا كبير مخططيها و رجل سياستها الخارجية و قائد حرسها الثوري،”قاسم سليمان”، و عادت إسرائيل لتقتل كبار القادة من الحرس الثوري ببيروت حين إجتمعوا بـ “حسن نصر الله”، و نفذت عمليات تفجير أجهزة “البيجر” عن بعد، و اليوم تقتل من جديد “حسن سلامي”، قائد الحرس الثوري، و معه قائد الجيش الإيراني “محمد حسين باقري” و “غلام علي رشيد”، قائد ما يعرف بـ “خاتم الأنبياء” و هو مقر قيادة الطوارئ وسط العاصمة طهران، رفقة أزيد من 20 عالم نووي، ثم تعلن قيادة الجيش الإسرائيلي أن العمليات نفذت بـ200 طائرة، و أن جميعها عادت سالمة إلى قواعدها في إسرائيل…!!، و بعدها تنشر صورة لمقتل كبير علماء إيران، حيث يظهر الصاروخ و قد اخترق جدار الشقة داخل عمارة مباشرة ليصيب غرفة النوم، دون أن تتأثر باقي العمارة من القصف، فيبدو القصف و كأنه شهاب صناعي اخترق حلوة العيد.
ما وقع يمنحنا اليقين بأن دول الخليج ضعيفة إستعلاماتيا، و لو أن إسرائيل كانت تعلم بوجود قدرات عسكرية لدى إيران تهدد وجود هذا الكيان، لما تجرأت على ضرب المفاعل السري، و لما اغتالت القادة العسكريين، و ما كانت لتتورط في اغتيال كبار علماء الدولة الصفوية و نخبها، لكن ما تمكنت إسرائيل من جمعه عبر توغلها داخل إيران لدرجة تحديد الغرف التي تنام بها الأهداف ليلة التنفيذ، و أن معرفتها التقنية بعيوب نظامها الدفاعي المكون من الـ S-400 الروسي الصنع، جعلها تنفد الضربة العسكرية دون خوف و بأريحية شديدة، و كأن الطيارين كانوا في رحلة تدريبية ليلية.
ما تفكر فيه أيها القارئ الكريم هو ما أنا بصدد الحديث عنه، ذلك أن القدرات العسكرية الجزائرية، و التي تشبه حد التناظر ما تتوفر عليه إيران على المستوى الدفاعي، فكلاهما يشترى الأنظمة و الرادارات من موسكو، و كلاهما يتفاخر بامتلاكه لمنظومة الـ S-400 و رادار الإنذار المبكر العنكبوتي RESONANCE-NE، و حين قلنا على هذا الموقع الحر في مقالاتنا السابقة، بأن الجيش الجزائري يعيش حالة من الاضطراب، دون ان يجد لها حلا، بسبب تعطل أنظمته الدفاعية كلما هم الجيش المغربي بتنفيذ تمرين عسكري مع شركائه الغربيين، فنحن هنا نشير إلى أن الرباط تمتلك سرا عسكريا يتفوق على الدفاعات الروسية الصنع، و هو نفس السر العسكري الذي تمتلكه إسرائيل و استخدمته لإخماد الدفاعات الإيرانية و سمح بوصول المقاتلات الإسرائيلية إلى قلب طهران.
خلال التمرين الأخير للجيش الجزائري، و الذي سمي بتمرين “صمود 2025″، تم الكشف عن منظومة الـ S-400 و قيل في الإعلام الجزائري أنه تم اختبارها بنجاح، و تم نشر صورة للمنظومة على القنوات الرسمية، حيث ظهرت خمس بطاريات مصطفة إلى جانب بعضها، مما دفع الخبراء في منصة “الدفاع العربي المشترك” للتعليق على رصهم بتلك الطريقة خلال التجريب بأنه غباء عسكري، و خطأ تكتيكي، و يُظهر ضعفا في فهم أسلوب عمل البطاريات الخمسة، و تجميعها بتلك الطريقة يجعلها بدون فعالية و مجرد عربات تحمل صواريخ دفاعية، و أن تقاربها من بعضها قد يسبب خللا في الاستجابة التسلسلية، و قد تقع حوادث خطيرة، لأن إطلاق الصواريخ يحتاج إلى مساحة لتفريغ اللهيب و موجة الانفجار.
نعود إلى الحرب التي توشك أن تندلع بين إيران و إسرائيل لنكمل ملاحظاتنا من هذه الضربة الإسرائيلية، حيث بدأ الحديث على أن الأموال التي جمعها الرئيس الأمريكي “ترامب” من دول الخليج، لم تكن صكوك حماية و لا جزية أمريكية…، بل كانت تكاليف حرب تحصل عليها “ترامب” قبل التورط فيها، حتى لا يُكرر الأمريكيون ما حصل في الحرب على العراق، و ما حصل في الحرب على أفغانستان…، و نتائج تلك الحروب إلى يومنا لا تزال تلقي بضلالها على الاقتصاد الأمريكي، لأن “ترامب” عندما وضع شروطه في مفاوضاته مع الإيرانيين كان يعلم أن إيران لن تقبل بتلك الشروط، و التي من ضمنها أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم في مفاعل بالأراضي السعودية و تحت إشراف الأمريكيين، و أن لا تتجاوز التخصيب الكمية التي تحتاجها التوربينات لتوليد الطاقة.
لكن إيران رفضت المقترح جملة و تفصيلا، و حسب الإعلام الأمريكي فإن القيادة الإيرانية أبلغت الأمريكيين بأنها ستمتلك السلاح النووي في تحد غير مسبوق لإدارة “ترامب”، و كان هذا الأخير قد أعطى مهلة تنتهي يوم الخميس 12 يونيو 2025، كحد أخير للقبول بوقف التخصيب، و في المقابل كانت إسرائيل تستعد لحجب الثقة عن “نتنياهو” و تقديمه للمحاكمة،… لكن و قبل انتهاء المهلة، و بالضبط يوم الثلاثاء 10 يونيو 2025، أعلنت أمريكا سحب رعاياها من الخليج بدءا من العراق، و قال الإعلام أنه مجرد مناورة للضغط على إيران، لكن جريدة “الواشنطن بوست” كتبت بأن المناورة الأمريكية للضغط على طهران، تكون بزيادة أعداد الجيش أو تحريك الأساطيل أو إضافة حاملة طائرات ببحر العرب، و ليس بسحب الرعايا ألأمريكيين و توقعت ضربة وشيكة، في غضون أسابيع، لكنها كانت لديها بعض الشكوك بسبب تسرب محتوى مكالمة بين الرئيس الأمريكي “ترامب” و الرئيس الإسرائيلي “نتنياهو” إلى الإعلام، تم خلالها توجيه تحذير إلى الرئيس الإسرائيلي حتى لا يتهور و يقدم على مغامرة عسكرية دون موافقة أمريكا…، لكن المفاجئة أن الجيش الإسرائيلي، تحرك بعد ساعة واحدة من انتهاء المهلة الأمريكية…، و حسب قانون الطوارئ في إسرائيل فإن إجراءات حجب الثقة عن “نتنياهو” قد تم تجميدها.
الآن كل ما علينا فعله كأمة تبحث عن الدروس و العبر و التجارب…، و تعشق الأغاني القومجية و تستحضر عويل الندابات عند الهزائم…، هو أن نطفئ الأنوار و نشعل التلفاز و نبحث عن قناة “الجزيرة” و نبدأ في التدوين…، فنحن على موعد مع نكبة جديدة لكنها هذه المرة لن تسجل في تاريخ العرب، لأنه حان وقت الفُرس…، ستدور أحداثها بأرض فارس، و أظننا سنعيش زمن دفع فاتورة غزة لدى الطرفين… !!
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك