وزيرة خارجية بريتوريا تُصرّح بأن إفريقيا تضم 54 دولة و ترسم معالم لتعاون بلادها اقتصاديا مع الرباط…. !!؟
بـقـلـم:بن بطوش
يحتاج تفكيك الترابطات الدولية في السياسة والدبلوماسية و الاقتصاد إلى الكثير من الحذر و الانتباه للتفاصيل الدقيقة؛ ذلك أن الصراعات التي أعقبت مرحلة الوباء بين الفرنسيين و البريطانيين على بسط النفوذ ببحر المانش، و الحرب الروسية الأوكرانية و هجمات الحوثيين على البواخر في بحر العرب، منح الرباط هدايا ثمينة، و مكنها من التموقع دوليا كركن تلجأ إليه دول العالم الأول لإنقاذ نفسها من الأزمات.
هذه المقدمة ليست أُحجية، بل توصيف دقيق لما يُحدثه المغرب من تغيير يقلب عمق شمال إفريقيا و يُحرّف التوازنات في البحر الأبيض المتوسط، و يُجيبنا على بعض الأسئلة التي يطرحها المتحاورون في غرف النقاش و صالونات الحوار السياسي، عن السبب الذي يجعل دولة مثل إيطاليا تحصل على الغاز الجزائري بشكل شبه مجاني و ترفض الدفاع عن قضيتنا الصحراوية و تقرر الإحتفاظ بالحياد في هذا الملف، و السبب الذي يجعل ألمانيا – رغم استفادتها هي الأخرى من الثروات الجزائرية- تنقلب على قصر المرادية و تنحاز للرباط بخصوص الصحراء الغربية، من خلال دعمها لمخطط “الحكم الذاتي” دون أن تخشى قطع الجزائر لإمدادات محولاتها الطاقية… و يفسر أيضا السبب الذي يجعل إسبانيا تُفضل الرباط على الجزائر، و تتخلى عن ملايير الدولارات التي كانت تجنيها من الاقتصاد الجزائري لقاء تجديد علاقاتها مع الرباط، و هي الأسباب نفسها التي جعلت نيجيريا تركن إلى الحياد السلبي بعد سنوات من الدعم…،
و اليوم تلك التفاصيل تفجعنا كرأي عام صحراوي بعدما جعلت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، التي هي أهم دولة تدعم الشعب الصحراوي، تقول أمام المنتظم الدولي و أمام عدسات وسائل الإعلام، بأنها تعتقد بأن إفريقيا تضم 54 دولة مختلفة، و في هذه العبارة تنكر لوجود جمهوريتنا الصحراوية، بل و تطنب خلال كلامها في مدح الرباط و الإمكانيات الاقتصادية المتطورة التي تتوفر عليها …، فهل هذا نفاق من بريتوريا؟…. أم هو بداية تحول في الموقف من قضيتنا؟ أم ثمة مستجدات تتشكل منها المرحلة الجديدة، وجب فهمها و تقبل مخرجاتها و التعايش مع وضعها… !!
المصالح… !!، هي الهرمونات التي تعبث بمزاج و قرارات و انفعالات السياسيين…، و في بداية هذا المقال تحدثنا عن صراع بحر الشمال (المانش)، و هو صراع تاريخي بين باريس و لندن، و بعد خروج البريطانيين من الاتحاد العجوز، أصبحت فرنسا أكثر عدوانية في التعامل مع الحكومة البريطانية التي فقدت مصادر الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، و أصبحت فرنسا تُهددها بقطع خطوط إمداد الكهرباء و تضغط على لندن، لمنح البحّارة الفرنسيين رخص الصيد بالقرب من جزيرة جيرسي البريطانية…، هذا الوضع جعل بريطانيا تبحث عن حلول دائمة لمشاكل الطاقة، فوجدت أخيرا مخرجا لأزمتها و للحد من الابتزاز الفرنسي، في مشروع الربط القاري مع المغرب، الذي سيوفر لبريطانيا حل مركب من مستويين؛ الأول أنه سيوفر لها طاقة بأسعار معقولة و هذا سيخفض فاتورة الطاقة البريطانية، و الثاني أنها طاقة نظيفة بصفر انبعاث كربوني، و بالتالي ستتجنب بريطانيا الاصطدام بالمؤسسات التشريعية و الحقوقية في البلاد…
لكن وسط كل هذه المعطيات هناك أسئلة وجب طرحها: ما علاقة جنوب إفريقيا بالموضوع… !!؟ و لماذا صرحت وزيرة خارجية بريتوريا أن إفريقيا تضم 54 دولة؟!!! … و ما أسرار لقائها بالمبعوث الأممي “دي ميستورا”؟…. للإجابة عن كل هذا وجب التذكير بأنه قبيل شهر رمضان الأبرك، كنا قد نشرنا على هذ الموقع الحر مقالا سردنا فيه أسباب زيارة “دي ميستورا” إلى دولة جنوب إفريقيا، و عقده لقاءا مع وزيرة الخارجية لبريتوريا، و لم يتم تسريب أية تفاصيل بخصوص هذه الزيارة لا من طرف الخارجية الجنوب إفريقية و لا من طرف الأمم المتحدة، و أن ما تحصلنا عليه حينها كان من مصادرنا الصحراوية داخل “المينورصو” و الصحافة الأمريكية…، حيث كنا قد كتبنا في مقالنا بأن بريتوريا تستثمر في القضية الصحراوية أو ما بقي منها لابتزاز الرباط و الحصول على امتيازات اقتصادية، و أن اللقاء مع المبعوث الأممي كان مجرد مناورة لإخراج الرباط من الركن الآمن، و بدء المفاوضات معها من طرف جنوب إفريقيا حتى تتحصل على جزء من الكعكة الاقتصادية التي انفردت بها الرباط، و التي يبدو أنها كعكة تُسيل لُعاب الشركات الجنوب إفريقية.
فالإعلام البريطاني بعد توقيع الاتفاق المبدئي لربط بريطانيا طاقيا بحقول الكهرباء في المغرب، انطلاقا من سواحل إقليم گليميم، كان قد أعلن بأن ثمة شركات متعددة الجنسيات تريد الفوز بهذه الصفقة ضمنها شركات جنوب إفريقية، لكن الرباط قررت منحها لشركة X-LINKS البريطانية، و أقصت الشركات الجنوب إفريقية التي دخلت المنافسة، بل الأكثر من هذا، فالمغرب سيطر على السوق الداخلية البريطانية التي كانت حكرا على الشركات الجنوب إفريقية، و أصبح الممون الرسمي للسوق البريطانية، و الأخطر أن الرباط مارست التضييق على الشركات الجنوب إفريقية حتى في العمق الإفريقي، و تشن على بريتوريا حربا اقتصادية صامتة، لا يسمع فيها لغو و غير مباح فيها الصراخ من الوجع…، و الأكثر أن الاستثمارات البريطانية التي كانت تُوجهها لندن إلى جنوب إفريقيا أصبحت جميعها تتوجه إلى الاقتصاد المغربي، و أصبحت عدة مؤسسات بريطانية و إماراتية تنقل أنشطتها من بريتوريا إلى الدار البيضاء و طنجة.
و حسب المعطيات التي تتوفر على منصات الإعلام الأمريكي، فإن وزيرة الخارجية الجنوب إفريقية بعدما تأكدت من عدم جدوى ورقة “دي ميستورا”، قامت بتوجيه وفد اقتصادي إلى الرباط يحمل ملفات مشاريع مشتركة و لطلب نقل التكنولوجيا في مجالات مختلفة، و هي الخطوة التي ذكرتنا بما قامت به الحكومة المصرية خلال نهاية السنة الماضية، حينما عرضت على الرباط نقل تكنولوجيا تصنيع السيارات و أجزاء الطائرات و الرقائق الإلكترونية، مقابل أن تتحول مصر إلى مناول للبضائع المغربية في الشرق الأوسط، و هي الصفقة التي اعتبرتها السلطات المغربية غير عادلة.
و في لقاء للسفيرة الجنوب إفريقية خلال حلولها ضيفة على مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” الأمريكية، و أمام وفد مغربي يقوده سفير الرباط في أمريكا، قالت الوزيرة الجنوب إفريقية – دون تردد- أن بيرتوريا تريد الاستفادة من التجربة المغربية في صناعة السيارات و أن هناك مفاوضات بهذا الخصوص، و استرسلت في كلامها، أن إفريقيا 54 دولة،… و الوزيرة تعرف أن الرباط حين تفاوض دولة ما، فإنها تضع ملف الصحراء الغربية كمدخل لأي نقاش، و كنظارة تقرأ بها شروط الاتفاقيات، بمعنى أن موقف الوزيرة فيه تملق للرباط، و تريد به دولة جنوب إفريقيا إبلاغ الرباط أن بريتوريا على إستعدادا لتقديم تنازلات من أجل الحصول على الامتيازات الاقتصادية، و كذلك في سبيل توقّف الرباط عن استهدافها للشركات الجنوب إفريقية في العمقين الإفريقي و الأوروبي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة