“ماكرون” يتغنى بالعلاقات التاريخية مع الرباط داخل قبة البرلمان المغربي و وزير خارجيته يعلن افتتاح تمثيلية دبلوماسية في مدينة العيون المحتلة
بـقـلـم : بن بطوش
في رواية “الفقراء”، يقول”دوستويفسكي”، كبير الأدباء الروس: “إن قلبي ليتمزق تمزقا متى تذكرت أن عيني لا تملك من الدموع ما يكفي للبكاء إلى آخر أيام حياتي”… و كأني به يصف حال الشعب الصحراوي الموجوع، و الذي لا يوجد وصف لحاله غير أنه شعب منكوب و موجوع و لا يملك غير التأمل و متابعة الأخبار على الهواتف و شاشات التلفزيون…، ذلك أن ما قاله الرئيس الفرنسي “ماكرون” على قناة “ ميدي1 ” الإخبارية، إحدى الأذرع الإعلامية لدولة الاحتلال المغربي، مفزع جدا، لأنه أصبح يعتبر نفسه – شخصيا – معنيٌ بالدفاع عن مقترح الحكم الذاتي ، و قال أنه سيترافع في أوروبا و في الأمم المتحدة و سيقوم بكل ما يستطيع لإقناع العالم بهذا المقترح المغربي، و نحن نعلم جميعا أنه يستطيع الكثير و أن فرنسا هي القوة التي تقود الإتحاد الأوروبي اليوم.
فبعد خطاب “ماكرون” في البرلمان، و بمجرد أن أعلنت الخارجية الفرنسية أنه جرى تعديل الخرائط الرسمية للجمهورية الفرنسية، إلى خرائط تدمج الصحراء الغربية في النفوذ الترابي للمغرب، أعلنت الحكومة في دولة إيرلندا أنها تلقت من البرلمان الإيرلندي طلبا رسميا يقول فيه نواب الأمة الإيرلندية، أنهم يطالبون حكومة بلدهم كي تعلن اعترافها بسلطة الرباط على الصحراء الغربية، عملا بخيارات الدول العظمى كأمريكا و فرنسا و ألمانيا و إسبانيا…، مع العلم أن دولة إيرلندا تقع في أقصى شمال أوروبا و غير معنية بسياسة الإتحاد الأوروبي الذي تقوده فرنسا، لكنها ترى في الاعتراف الفرنسي رأيا و موقفا و قرارا سياسيا و دبلوماسيا أوروبيا يجب إتباعه؛ لأن باريس الأقرب إلى دول شمال إفريقيا من كل القوى الأخرى، و هي المستعمر الذي فكك المنطقة و صنع حدودها السياسية الحالية، و هي الدولة الأكثر فهما للصراع و مالكة أرشيفه الحقيقي.
و لأن فرنسا الخبيثة لا يمكن أن تُفوِّت فرصة كهذه كي تقهر قلب النظام الجزائري، فقد تناقل عدد من المواطنين الجزائريين الذين يرغبون في الهجرة إلى فرنسا، أنهم أثناء دخولهم القنصلية الفرنسية في وهران، اصطدموا بخارطة للقارة الإفريقية جديدة تظهر فيها فقط 54 دولة، و أن الخط الفاصل الذي تعوّد الجزائريون على رؤيته بين الصحراء الغربية و المغرب قد اختفى، و هذا موجع جدا، لأن اللاجئين الصحراويين حين يسعون للحصول على التأشيرة، فإنهم يمرون من نفس القنصلية و سيكونون أمام اختبار الصمود النفسي و هم يسعون للحصول على تأشيرة الوطن الذي يفعل كل شيء ليحرمهم من حلم وطنهم المستقل… أي شعور أقسى و أمر و أنكى من هذا الشعور، بأن تدخل قنصلية بلاد ترفض الاعتراف بأن لك وطن و لو من باب رؤيته على خارطة و تستثمر لتحرمك منه، و أنت راغب في زيارة ذلك البلد و حلمك أن تحصل على التأشيرات للدخول إلى ترابها؟؟؟؟؟.
هنا يحدث الخلل، و هنا نعاتب على الحليف سياسته العدائية التي دمرت كل الروابط مع الدول الأوروبية و خصوصا دولة مثل فرنسا، و هذا العداء يغذيه غباء مركّب لدى الطغمة الحاكمة يتداخل فيه الجهل بدوارات التاريخ و أساليب إدارة الدولة و فقر في الحنكة الدبلوماسية، و لذلك فنظام المحتل المغربي يدعم بقاء “تبون” في رئاسة الجزائر؛ لأن سياسة هذا الأخير و من يفكرون معه تخدم بطريقة غير مباشرة توجهات الرباط، و هذا هو السبب الذي جعل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أثناء وقوفه بالبرلمان المغربي يضغط على الجراح التاريخية، لأنه يدرك جيدا بأن الشخصية الجزائرية تعاني من عقدة التاريخ، و لا يمكن أن يخفى على أحد ما تمثله فرنسا للجزائر و الجزائريين، و من لا يعرف عمق العلاقة الوجدانية و الروحانية و العاطفية بين باريس و الشعب الجزائري، عليه أن يقرأ تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، بعدما ضاق الجزائريون ذرعا بالسلطة العثمانية و حكم البايات الذي أذاقهم مرارة الظلم و الاستعباد…، فكان الاحتلال الفرنسي عند دخوله الجزائر سنة 1830 بمثابة طوق النجاة و المُخلِّص للشعب الجزائري من بطش العثمانيين رغم أن بعض الكُتّاب – حتى لا نقول عنهم مؤرخين- يسعون بمنطق ديني إلى تلميع صورة الرجل العثماني إبان حكمة للجزائر.
لهذا فتدوينة المعلق الرياضي “حفيظ دراجي” التي قال فيها بأن تاريخ الجزائر أقدم من تاريخ أجداد “ماكرون” تؤكد أن دروس التاريخ محرجة و موجعة، و أن الرئيس الفرنسي داس “العصب الحائر” للجزائريين، و هكذا أرادها الرئيس الفرنسي، حين تحدث عن العلاقات بين باريس و الرباط و قال أنها تعود إلى القرنين الـ 15 و الـ16، و كأنه يقول للجزائريين أن فرنسا أساءت فهم الروابط التاريخية مع الرباط، و أنها استخدمت القضية الصحراوية بشكل خاطئ و بالغت في إرضاء قصر المرادية و أضرت بمصالح باريس…، و كان خطاب “ماكرون” يحمل عبارات التأسف على تأخر فرنسا في التقارب مع الرباط، و هذه ليست قراءة أو تحليل، بل واقع السياسة الفرنسية المعمول بها في العلاقات الدولية، بحيث لم يسبق لنا في تاريخ الخطابات الرئاسة الفرنسية أن سمعنا قائدا فرنسيا يتأسف على سياسة باريس بهذا الشكل، اتجاه بلد سبق احتلاله؛ إذ يقول أحد المحللين على قناة “راديو Monte Carlo” أن فرنسا عجزت عن اختراق الروابط الصلبة التي تربط العرش العلوي بالشعب المغربي، و أنها لم تفهم تلك الكيمياء التي ينصهران فيها دون وجود أيونات للتنافر، و هي الكيمياء التي تصنع سياسة الرباط و تدفعها إلى التحدي.
الخطاب المتأسف لـ “ماكرون” حتى لا نقول المعتذر…، و المعادلة التي فرضتها الرباط لإصلاح علاقاتها مع باريس و المعروفة في عالم الدبلوماسية بالصفقة الشاملة التي شرطها الإعتراف الفرنسي بسيادة الرباط على الصحراء الغربية…، جعل الحليف الجزائري يفهم أن ثمة متغيرات جوهرية و أن الرباط بدأت تبتعد عن دول شمال إفريقيا، و أنه حاليا من الصعب، إن لم نقل يستحيل سلبها متر واحد من تراب الصحراء الغربية، و نقول هذا الكلام بالأمانة الصحفية حتى لا ننشر الوهم و نغالط العقول…، فما كان من قصر المرادية غير أن الرئيس “تبون” خلال جولته الشرق أوسطية بدءا من مصر، التقى حسب معهد institut Géopolitique Horizons بوفد من دولة مؤثرة يرجح أنها السعودية أو الولايات المتحدة الأمريكية، و طلب منهم الوساطة في ملف الخلاف مع الرباط، و قدم لهم حزمة اقتراحات بينها شروط و تنازلات من أجل تجاوز مرحلة القطيعة و الاحتباس العسكري بين البلدين و وقف التصعيد، لكن حسب نفس المعهد فمن المتوقع أن ترفض الرباط شروط الجزائر… إلا إذا كان هناك تنازل على حساب قضيتنا الصحراوية، و هذا أمر مستبعد جدا.
هذا التطور يحدث بعد زيارة “ماكرون” إلى الرباط و بعد خطابه في البرلمان، و بعد حصول الرباط على إنفاق استثماري فرنسي يبلغ 25 مليار دولار، في وقت يعاني فيه العالم من ضعف السيولة و صعوبة تعبئة الرأسمال الاستثماري…، بما يعني أن الحليف الجزائري أصبح يخشى من قوة التحالفات التي تحصلت عليها الرباط، و أن حتى خطط قصر المرادية غالبا ما تصادف عقبات و فشل معقدة نتيجة الاختيارات الخاطئة للدبلوماسية الجزائرية كان آخرها الاصطفاف وراء إيران و المجاهرة بهذا الدعم أمام الأمم المتحدة التي يسيطر عليها المعسكر الغربي المناهض لطهران.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمكنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك