بـقـلـم :بن بطوش
بينما كنت أصيغ السطور الأولى لهذا المقال، كانت سنة 2023 تلفظ أنفاسها الأخيرة و توشك أن تغادرنا بحلوها و مرها، بسلامها و حروبها بأوجاعها و أفراحها…، سنة انتهت و تمدنا إلى عام جديد نتحسس لحظاته الأولى بتوجس و كلنا أمل أن يأخذنا هذا العام بذراعيه فيضمنا ضمة تنسينا كل ما انفرط من عقد العام المنتهي، و أنت أيها القارئ الكريم صاحب الرفقة الطبية و الأثر الجميل، تتلقى هذا المقال و قد أشرقت شمس عام جديد، فلك الشكر على سعة صدرك لصراحتنا و لك الشكر على وعيك الذي مشيت به بيننا و عشت به معنا، لك الشكر على ذوقك الصحفي و الأدبي و صمودك في زمن الرداءة، و لك الشكر على ثقتك في خطنا.
لكن “الماما أفريكا” أرادت أن يكون لها أسلوبها التشويقي الخاص و هي تختتم فصول سنة موجعة، و على طريقة الإثارة في أفلام التشويق، قرر الرئيس المؤقت لدولة مالي أن ينسحب من اتفاق الجزائر الذي وقع سنة 2015، و يخلط أوراق هذا الجزء المضطرب من العالم، و يزيد من عزلة النظام الجزائري و تأزيم وضعه إقليميا و دوليا، و يرفع درجات الخوف لدى المراقبين الدوليين، بعدما اتهم العقيد “أسمي غويتا” قصر المرادية بأنه يلعب بأسلوب جريء و غير أخلاقي، خصوصا بعد نشر الإعلام الفرنسي لتصريحات الشيخ “دياكو محمد” الذي قال أنه تعرض للخداع من طرف الجزائريين، و أنه ليس خائنا لوطنه، بل تم الاتصال به ستة مرات من طرف الجزائريين، و أخبروه أنه الوحيد الذي لم يلتحق بالاجتماع، و أن جميع الأطراف مجتمعة داخل الجزائر و تتفاوض، حين وصل الشيخ إلى الجزائر…، لم يجد أحد سوى بعض القيادات العسكرية التي رافقته إلى مكان حيث اختلوا به، و أبلغوه أهدافهم.
أزمة الجزائر مع جيرانها و أصدقائها لم تتوقف، حيث أعلن المشير “حفتر” في ليبيا أنه حشد أكبر تجمع عسكري ليبي عبر التاريخ حول حقل غدامس، قبيل الإعلان عن بدأ إنتاج الغاز الليبي من الحقل المشترك مع الجزائر، و أعلنت النيجر أنها أوقفت عملية مراقبة حدودها الشمالية مع ليبيا و الجزائر كرد فعل ضد مفوضية الاتحاد الأوروبي التي أدانت الانقلاب، و برنامج تلفزي قال “لافروف” وزير خارجية روسيا و هو يهين المقاومة الفلسطينية:”أن ما يجمع دولة إسرائيل و روسيا هو أن كلا البلدين يقاتلان النازية… !!“، و أعلنت الإمارات العربية عن قائمة جزائرية سوداء ممنوعة من دخول التراب الإماراتي…،
و بعد نشر منصة “أثير” التابعة لقنوات “الجزيرة” لحوار الصحفية “بن قنة” مع كبير الدبلوماسيين في مكة الثوار، كان القياس أن يتضمن الحوار أجوبة على هذه الأوضاع المتأزمة، و أن يرد “عطّاف” على كلام “لافروف”، و يشرح وضع العلاقات الجزائرية – الروسية التي تسير في الاتجاه غير الصحيح و تضر بالقضية الفلسطينية، و أن كان أمام “عطّاف” فرصة ذهبية كي يدافع عن الجزائر في ملف فشل الانضمام إلى “البريكس” و أن يجيب على الإهانة التي وجهها “لافروف” للنظام الجزائري بخصوص المواقف الدولية و هيبة الدولة كشروط للانضمام إلى التكتل الدولي…، كان على “بن قنة” أن تضغط على “عطاف”لتعرف سبب عدم دعم الجزائر للكتائب الفلسطينية بالسلاح و التدريب، و عدم تحريك الجيش الجزائري لنصرة الأهل في غزة و البر بوعد ظالمة أو مظلومة.
لكن الحوار كان لطيفا و انسيابيا، و طرحت عبره الصحفية الجزائرية أسئلة مطاطية تتحمل الأجوبة التقليدية، فانطلق الحوار من رئاسة الجزائر المؤقتة لمجلس الأمن و التي ستدوم سنتين، حيث قال “عطاف” أن للجزائر ثلاثة أولويات، واحدة عالمية و الثانية جهوية و الأخيرة محلية، و أن ضمن الأولويات الثلاثة مشكلة فشل مجلس الأمن في علاج القضايا و حل المشاكل، بمعنى أن “عطاف” أراد أن يقول بأن الجزائر في ولايتها غير الدائمة، ستعمد إلى إصلاح مجلس الأمن و منظمة الأمم المتحدة،… صدقني أيها القارئ الكريم، أن كبير الدبلوماسيين الجزائريين يفكر هكذا، و حين سألته الصحفية أليست فلسطين أولوية؟… أجابها باضطراب أنها تدخل ضمن النزاعات المحلية، بمعنى أنها شأن داخلي جزائري، و أضاف أن ضمن الأولويات أيضا تعزيز العلاقات بين الجامعة العربية و الاتحاد الإفريقي، و هنا كان الطبيعي أن تقطع الصحفية كلامه و توقفه، ليشرح للرأي العام كيف للجزائر التي تعاني من مشاكل مع ثلثي أعضاء الجامعة العربية، و تعارض كل المخرجات الخاصة باجتماعاتها، و تغيب عن معظم اللقاءات الوزارية، و تتهم دولها بخدمة الأجندة الصهيونية، كيف للجزائر بهذا الوضع أن تقود دول الجامعة العربية إلى مزيد من الاندماج مع الاتحاد الإفريقي الذي نصفه أنظمة منقلبة و ترفض تجديد العهد مع قصر المرادية و تشكك في نوايا الجزائر الإصلاحية.
و حين سألته الصحفية عن سبب عدم خروج الجزائريين في مظاهرات ضد الحرب على غزة، ارتبك الدبلوماسي و اعترف أن الجزائريين لا يمتلكون ثقافة التظاهر لأجل القضايا العادلة في العالم، و أنها عادة من اختصاص الديمقراطيات العريقة، و كأنه صنف الرباط و تونس و القاهرة الذين غصت شوارعهم بالمتظاهرين، كديمقراطيات عريقة، و هذاالجواب أعطى الانطباع و كأنه أراد أن يقول بأن الشعب الجزائري غير معني بالقضية الفلسطينية و أنها قضية من اختصاص السلطات، و لا يعتبرها من أولوياته…، لكن ثمة قوس وجب فتحه لإبداء ملاحظة صحفية، هو لماذا لم يتظاهر يوما شعبنا الصحراوي لأجل القضية الفلسطينية؟ و لم نسمع عن وقفة احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي داخل المخيمات و خارجها نظمتها قيادتنا الصحراوية… !!؟
نعود إلى الحوار الذي سقط في الرتابة، بعد أن سألته الصحفية عن ماذا تقدمه الجزائر للفلسطنيين؟ و أحس بالإحراج ثم أجاب: “و الله يصعب الرد على هذا السؤال و عليكم سؤال الفلسطينيين أنفسهم”، لكن الحوار استمر هادئا إلى أن وصلت “بن قنة” إلى مكمن الداء الجزائري، و سألته عن علاقات قصر المرادية مع باريس، حيث أجاب أن فرنسا ليست عدو بل شريك، و أن هناك ملفات عالقة بين الدولتين بينها الذاكرة و الاقتصاد و آثار التجارب النووية في الصحراء، و قال أن الزيارة الرئاسية الجزائرية إلى فرنسا لا تزال موضوع تحضير، و أن نقاطا خلافية تحول دون تحقيقها، من بينها زيارة الرئيس “تبون” لقصر “أمبواز” حيث كان “الأمير عبد القادر” معتقلا، و أنهم طالبو أن يتم تسليم الجزائر “سيف” و “برنوص” (سلهام) الأمير، لكن فرنسا رفضت الأمر بدعوى عدم وجود قانون لتسليمهما و اعتبرتهما إرثا ثقافيا فرنسيا.
استمر الحوار عن العلاقات بين دول أوروبا و الجزائر، حيث سألته عن عودة السفير إلى مدريد رغم أن أسباب سحبه لا تزال قائمة، ليفاجئنا جميعا الدبلوماسي الجزائري بأن مدريد تراجعت عن موقفها بخصوص الصحراء الغربية، و هو الجواب الذي أثار تعجب الصحفية قبل الرأي العام، خصوصا و أن الوزير الإسباني “ألباريس” قبل أسبوع أعاد التأكيد من الرباط على موقف بلاده الداعم لخيار الحكم الذاتي كحل نهائي لملف الصحراء الغربية، و سلطات مدريد رفضت الاعتراف باللاجئين الصحراويين و تعاملهم كمواطنين جزائريين، و بدأت في طردهم بسبب ما أسمته سلطات مدريد عدم تمتعهم بأي صفة قانونية، أمام صمت رهيب من قصر المرادية و البيت الأصفر المفجوع… و هذا الجواب الذي تلفظ به “عطاف” أفقد الدبلوماسية الجزائرية مصداقيتها، خصوصا و أن تأكيد سحب مدريد لموقفها يتطلب رسالة مباشرة من إسبانيا إلى قصر المرادية، شبيهة برسالة “سانشيز” إلى الملك “محمد السادس” التي قلب العلاقات الإسبانية الجزائرية رأسا على عقب.
و بخصوص العلاقات المتوترة بين الرباط و الجزائر، قال “عطاف” أن بلاده حريصة جدا على إصلاح أعطاب هذه العلاقة، و أضاف أنه شخصيا كلف بالاتصال بنظيره المغربي “بوريطة” خلال فاجعة الزلزال، لكن الأخير رفض الرد على مكالماته إلى اليوم، و هذا الكلام دبلوماسيا لا يمكن قوله بالصيغة التي جاءت على لسان “عطاف”، حتى لا تظهر دولة بحجم الجزائر و كأنها بلد يتسول رضا الآخرين، و كان القياس أن يقول بأن الرباط التي رفضت مساعدات دول أوروبية و عربية كانت منشغلة بتضميد جراحها، و أن الظروف لم تسمح حتى الآن لعقد لقاء أو حوار أخوي بين البلدين، خصوصا و أن الصحفية كان أمامها فرصة تكذيب كلامه و تذكيره أن عدم مشاركتهم في القمة العربية – الروسية بمراكش، فوتت على الدبلوماسية الجزائرية فرصة الحوار مباشرة مع الدبلوماسية المغربية دون وسائط الاتصال، و أن غيابهم عن المشاركة يظهر عدم جدية ما قاله بخصوص نوايا الاتصال.
و أهم ما أثار الانتباه في الحوار أن “عطّاف” لا يتحدث بشكل متوازن، و كأن خوفه من الخطأ يضغط على أعصابه، و حين سألته الصحفية إذا ما كانت الجزائر لديها نوايا بـ “تصفير مشاكلها” (صفر مشكل) مع جيرانها، تردد بشكل غريب في جوابه دون قصد و جاء تردده كردة فعل تلقائية، و كأنه يعرف نوايا النظام الجزائري بأنها تتعارض مع الطرح، و أن النظام الجزائري يبني عقيدته على الصراعات، و أجاب بالنفي أن يكون للجزائر أدنى مخطط بخصوص صفر مشاكل مع باقي الدول.
كانت هذه كل النقاط التي تستحق المراجعة الصحفية، لأن باقي الحوار سقط في الضحالة و الرتابة، و لم يتضمن أي كلام يمكن البناء عليه لاستخراج مواقف جزائرية تحيد عن الوضع التقليدي، خصوصا و أن النظام الجزائري أراد لهذا الحوار أن يكون خلاصة فترة حكم الرئيس “عبد المجيد تبون”، و الذي كان منشغلا بوقوفه أمام البرلمان يدافع عن منجزاته و يعد الجزائريين بعصر من الرخاء في ولايته الثانية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة