بـقـلـم:بن بطوش
ثمة دوما تراكمات للأحداث تُعيننا على فهم ما يجري، و بتتبع الخيط الناظم لتلك الأحداث يمكننا أن نفهم و أن نتوقع متغيرات المستقبل القريب جدا و المتوسط، ذلك أن الاستقبال الذي خصه ولي عهد المغرب للرئيس الصيني يحتاج منا الالتفاف حوله قبل مناقشته أسبابه، عبر ملاحظة تفاصيل البروتوكول التي تكشف أن ثمة حوار حضاري يسبق كل الحوارات، و يجعل المعارك الاقتصادية الكبرى و صراع المصالح تبدو في غاية الأناقة و في قمة الرقي، و تعلن أن العالم بعد طاعون العصر “كورونا” قد تغير كثيرا…
فقبل يومين من زيارة الرئيس الصيني نشرت وكالة “رويترز” للأنباء مشاهد مرعبة لمسيرات بشرية على الأقدام، تظهر جحافل بشرية للأمريكيين من أصول مكسيكية و للمكسيكيين الحاصلين على حقوق الإقامة في أمريكا و هم يتجهون إلى الحدود الأمريكية مشيا على الأقدام، يسارعون الزمن بعد تعذر حصولهم على تذاكر الطائرات و الحافلات بسبب الاكتظاظ، مما اضطرهم للهجرة و العودة إلى الأراضي الأمريكية عبر الطرقات و سيرا على الأقدام، و كان هذا كردة فعل بعد أن نشر الإعلام الأمريكي – نقلا عن الرئيس المنتخب “ترامب”- أنه وقع قرارا بسحب الاستثمارات الأمريكية من كندا و المكسيك و توجيهها إلى بلد صديق لأمريكا في شمال إفريقيا، و أنه يعتزم وقف الهجرة إلى أمريكا بشكل كامل من كندا و المكسيك، و بالخصوص من المكسيك التي يصفها “ترامب”بـ “الجار الشقي”.
هذه ليست الأخبار الوحيدة التي وجب عليك أيها القارئ الكريم الإطلاع عليها كي تفهم أسرار الزيارة المستعجلة للرئيس الصيني إلى الدولة التي تحتل أراضينا الصحراوية، بل ثمة المزيد فالحليف الجزائري أيضا سرّب أخبارا إلى وسائل الإعلام الإيطالية و الإسبانية بشكل مقصود، بأن هناك حوار داخلي جزائري حول إمكانية إعادة ضخ الغاز الجزائري عبر الأنبوب المغاربي لسببيين؛ أولهما رفع القدرة التصديرية لضمان زيادة العائدات من العملة الصعبة و تحقيق وعود الرئيس “تبون” برفع ميزانية البلاد إلى أزيد من 400 مليار دولار، و السبب الثاني هو الأهم ذلك أن الجزائر تحاول إقناع أوروبا بعدم جدوى الأنبوب النيجيري و أن ما ستصدره لهم عبر الأنبوب المغاربي سيغطي كافة احتياجاتهم… لكن ما لم يستوعبه النظام الجزائري أن الأنبوب “النيجري-الأطلسي”، هو أنبوب لخلق سوق طاقية بدول غرب إفريقيا تراهن عليها أمريكا و أوروبا و الصين، و يتصارع الثلاثة أقطاب لضمان الاستفادة من تلك السوق الضخمة جدا، و هو أحد أسباب نزول طائرة الرئيس الصيني بالدارالبيضاء.
من هذه النقطة نبدأ مناقشة الاستقبال الذي حضي به سيد بيكين الأول خلال زيارته إلى المغرب و التي لم تكن أبدا توقفا تقنيا لإصلاح خلل في الطائرة، لأن الرئيس الصيني سبقته عدة طائرات عملاقة كانت تحمل معداته السكنية المفضلة، و كان بينها سيارته الرئاسية المصفحة و سيارات من رافقه من أسرته و كبار المسؤولين في بلده، لهذا فالأمر لا يتعلق بتوقف طارئ، و لو أن الأمر كذلك فما الحاجة لسياراته الرئاسية… !! و لماذا اتفق البلدان على اعتماد بروتوكول رسمي و بثه عبر التلفزيون الرسمي و وكالات الأنباء الدولية…؟
حسب الإعلام الأوروبي، فإن الرئيس الصيني أصر على زيارة المغرب و لقاء الملك منذ التصويت الأخير في مجلس الأمن، و إبداء الصين رغبتها في التحرك لصالح الرباط في حال حصول أي تدخل لوقف التوصيات المتفق بشأنها…، بمعنى أن الصين كانت على استعداد لاستخدام “الفيتو”، خصوصا و أن لقاءا جمع بين وزير الخارجية المغربي و نظيره الصيني في الثالث من سبتمبر الأخير في بكين، خلال “منتدى التعاون الصيني الإفريقي”، الذي عرف طرد ممثلين عن قيادتنا الصحراوية و احتجاج “عطاف” على الأمر، أي قبل أربع أسابيع من اجتماع مجلس الأمن، و خلال تلك القمة جرى الاتفاق على الزيارة دون تحديد توقيت لها، و تم إبلاغ الرئيس الصيني أنه لن يقابل الملك، إلا إذا كان سيقوم بزيارة دولة من ثلاثة أيام كما ينص على ذلك برتوكول النظام المخزني، و قبِل الرئيس الصيني بالبروتوكول المتفق عليه، على أن يحضى بلقاء سريع مع الملك قبل مغادرته تراب المغرب من أجل مناقشة القرارات المهمة.
نصل الآن إلى تفاصيل الزيارة و أسرارها الكبيرة و ما توفر لنا من معلومات عن توافقاتها، و كي نجيب عن السبب الذي جعل الرئيس الصيني، الذي يعتبر إمبراطورا أكثر من كونه رئيس دولة، لكونه رئيس على ربع سكان العالم، و يُقام له و يُقعد في كل دول العالم، يقبل بشروط البروتوكول المخزني، مع العلم أنه حتى لو كان مجرد توقف تقني و أراد أن يحضى فيه باستقبال رسمي من رئيس البلد، و تطلق له المدافع 21 طلقة، لحوّل رحلته إلى الجزائر، التي سبق أن وجهت إليه دعوة رسمية لزيارتها دون أن يرد على طلبها، لكنه قبِل بشروط الرباط حتى يحسم أموره الاقتصادية…
غير أن ثمة تفاصيل وجب شرحها و تحسب للرباط، إذ أن ولي العهد خلال مراسيم الاستقبال كان يضع ربطة عنق حمراء، كما تم تزيين غرفة الضيوف في بهو المطار بكنبات و أفرشة و وورود حمراء، لكون حكام الصين يتفاءلون باللون الأحمر و يعشقونه و يختارونه دوما في رموزهم الروحية كحُسن طالع.
و حسب ما جاء في الإعلام الرسمي الصيني يؤكد أن الرئيس “شي جين بينغ” استحسن البروتوكول، و أضاف أن بيكين تدعم مصالح الرباط، و حسب الإعلام الإسباني فإن رئيس الصين يريد بقوة إدخال ميناء مدينة الداخلة المحتلة ضمن خطته التجارية “خط الحرير”، و يسعى للظفر بموقع قدم في السوق الطاقية الإفريقية، و جاء يحمل خطط عمل كبيرة منها نقل الصين لجزء كبير من مصانعها المنتجة و منصاتها الصناعية الحساسة، إلى الصحراء الغربية مع فتح بيكين لقنصلية قبل بدأ أمريكا نقلها الاستثمارات من المكسيك و كندا إلى مدن الصحراء الغربية، مقابل استفادة الصين من اتفاقات التبادل الحر بين الرباط و أوروبا و بين الرباط و أمريكا، على أن يتم تقاسم الأرباح بين البلدين في إطار فكرة: “رابح – رابح” و حسب بنود الشراكة بعيدا عن الوصاية و الحسابات السياسية…، و أظهرت الصين أولى نواياها الصادقة مع الرباط من خلال انسحاب شركاتها من مشروع منجم “غار اجبيلات” بالجزائر.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك