بـقـلـم : بن بطوش
ثمة مؤشرات تؤكد فشل النظام الجزائري و ضعف بصيرته و قلة حيلته و هوانه بين الأمم؛ ذلك أنه بعد إعلان روسيا أنها ستسحب يدها من الاتفاق الذي يسمح لأوكرانيا بتصدير القمح و أنها ستستهدف أي ناقلة حبوب تغادر الموانئ الأوكرانية، سارعت دولة مصر الزمن و أعلنت أن حكومتها قررت طلب قرض مستعجل من صندوق أبوظبي بقيمة 400 مليون دولار، لأجل شراء كميات من القمح التي تنتجها شركة “الظاهري” الإماراتية على ضفاف النيل في مصر…
بمعنى أن القاهرة ستقترض من الإمارات لشراء محاصيل القمح التي تنتج في أراضيها و التي تمتلكها شركة إماراتية، و هذا ما يسمى في علم السياسة بضعف التدبير و غياب الرؤيا؛ لأن الشركة الإماراتية تستثمر فقط 50 مليون دولار على ضفاف النيل و تجني محاصيل بقيمة ملياري دولار، و مصر كي تشتري فقط حصة من الإنتاج الذي لم يكلف غير 50 مليون دولار هي بحاجة إلى قرض بقيمة 400 مليون دولار، و في هذا غباء سياسي مكلف جدا و مستنزف لقدرات الدولة المصرية، و يكشف أن الأنظمة العسكرية الشمولية المريضة بسياسة التسلح، لا تمتلك الإستراتيجيات و كل ما تقرره هو نتاج نزوات قيادية مرضية.
ما يحصل من عشوائية في مصر يمكن القياس به على ما يحدث في دولة الحليف الجزائري، التي خرج رئيسها في جولة بين العواصم التي تقف على الضفة المعاكسة لواشنطن، رغبة منه في السير ببلده إلى منطقة بعيدة عن الدولار، و بعد أن اكتشف الرئيس الجزائري أنه أحرق سفن العودة عن القرار و أن ما قاله سجل ضد الجزائر و ليس ضد شخصه، و وجد نفسه في موقف لم يسبقه له غير الراحل ” معمر القذافي”، لدرجة أن بعض صحف فرنسا أصبحت تلقب “تبون” بـ “قذافي الجزائر”، سخرية من قراره منح بنك “البريكس” مليار دولار و نصف، فقط لإرضاء دول هذا التكتل المعارضة لدخول الجزائر ، كالبرازيل و الهند…، و ثمة من يتساءل من الجزائريين: هل ما قدمه ساكن المرادية هدية مالية أم حصة الجزائر التي يجب أن تشارك بها في هذا البنك رغم أنها لم تحصل بعد على العضوية؟ أم هي هبة من جزائر الشهداء لدول البريكس الثرية؟ أم وديعة سيستعيدها النظام الجزائري بعد أن يتخلص هذا التكتل من مشاكله المالية…؟ !!!
الحقيقة مؤلمة جدا، لأن المعطيات التي تحصلنا عليها تقول بأن الرئيس “تبون” قدَّم المليار ونصف دولار كهبة إلى بنك “البريكس”، استجابة منه لنصيحة الرئيس الصيني الذي اقترح عليه تمويل مشاريع تنموية في البرازيل و الهند يشرف عليها بنك المجموعة الاقتصادية و السياسية للبريكس لتليين مواقف الدولتين الأخيرتين من مسألة دخول الجزائر للتكتل، و حتى لا يظهر الأمر على أنه استعطاف جزائري أو رشوة لهاتين الدولتين، فقد تم شرح تلك ذلك المبلغ الضخم إعلاميا على أنه مساهمة من الجزائر في رأسمال البنك الذي يدعم الانسلاخ عن الدولار، و أن الجزائر ماضية في سياسة الخروج من منطقة الدولار، و الواقع أن المليار و نصف دولار هو أقرب إلى رشوة جزائرية للتغاضي عن بعض نقائص ملف الجزائر للدخول إلى هذا التكتل اليساري التوجه الذي يضع خططا متوسطة المدى ضد الرأسمالية و اقتصاد السوق.
سننطلق من هذه الهبة الجزائرية كي نضع الأصبع على عيوب سياسة النظام الجزائري، و التي تشبه عيوب النظام المصري إلى حد كبير، و أيضا تظهر تراكبا غريبا مع سياسة الراحل “معمر القذافي”، و عنتريات الشهيد “صدام حسين”، الذي قاد العراق إلى مستنقع لا يمكن الخروج منه، و كأننا نرى النظامين الليبي و العراقي مدمجين في النظام الجزائري، حيث أن مجرد حرائق للغابات أظهرت انهيارا في المنظومة العسكرية و الأمنية و السياسية و الدبلوماسية و المخابراتية للبلاد…، و كانت حصيلتها أثقل من حصيلة الحرب الإسرائيلية على غزة، و لو أنها تستمر لأسبوع آخر فسيُعلنُ أن الجزائر دولة منكوبة، و قد تفوق خسائر الشعب الجزائري ما تم تسجيله من خسائر بعد سنتين من الحرب في أوكرانيا.
لا نبالغ في الوصف أيها القارئ الكريم، لأننا سنشرك الأرقام كي نشرح ما يجري، بدءا من الغطاء الغابوي الذي فقدته الجزائر بعد أن أتت النيران، إلى حدود كتابة هذه السطور، على حوالي نصف مليون هكتار من الغطاء النباتي، و تم إشراك 8000 عون سلطة و 10 ارتال متنقلة عسكرية و فرقتان من الدعم الجوي و 529 شاحنة، و النيران تلتهم 16 ولاية و حصيلتها العشرات من الموتى و المئات من الجرحى و المنكوبين…
و ما يزيد من رعب النشطاء هو توجيه الرئيس الجزائري بتاريخ 24 يونيو 2023 تعازيه لأهالي الضحايا، لدرجة أن مشهد التعزية بدى و كأنه تكرار نمطي و تقليد موسمي من رئاسة البلاد، و نتذكر قبل سنة من الآن بتاريخ 17 غشت 2022 حين قدم “تبون” التعازي لأسر الضحايا الذين سقطوا و هم يواجهون ألسنة اللهب التي حاصرتهم في الغابات، ثم بتاريخ 10 غشت 2021 نفس التعزية نشرتها “وكالة الأنباء الجزائرية”، مما يفيد بأن النظام الجزائري لم يتعامل مع الكوارث السابقة بما يجب من الإستراتيجية و العقلانية، و أنه يتخذ القرارات بعشوائية، و الدليل هو ما نتذكره جميعا خلال أحد المعارض الفلاحية التي زارها الرئيس الجزائري، حين طلب من عارض أمريكي و بشكل غريب و كأنه يتجول في أسواق لبليدة و يحاول شراء لعبة لطفل، بأن يوفر له طائرة إخماد حرائق بثمن معقول، مما يشرح الطريقة التي تدار بها الأمور في الجزائر، و ان القرارات في هذا البلد الحليف تخضع للأهواء و ليس للدراسة.
اليوم و بعد ثلاثة مواسم من الحرائق كل ما قام به النظام الجزائري هو التعاقد على أربع طائرات إطفاء روسية ضعيفة الأداء في صفقة سياسية أكثر منها صفقة إستعجالية، رغم علم الجزائر بأن النظام الروسي في حالة حرب و أن سلاسل الإنتاج في هذا البلد لن تستجيب للمطالب الجزائرية و لها أولويات مع الجيش الروسي، و حتى الآن توصلت الجزائر بواحدة منها يصيبها العطب بعد كل طلعتي إخماد، و تفاديا لحدوث الأعطاب يتم ملئ خزانتاها باستخدام خراطيم شاحنات الإطفاء
و الخطير أن كلفة الطائرة الواحدة أزيد من 100 مليون دولار، بالمقابل نرى الرباط قد رفعت أسطولها من طائرات “الكنادير” إلى 11 كرابع أقوى أسطول إطفاء في العالم و أنه اقتنى ثلاثة طائرات هذه السنة فقط، و يساهم في إطفاء الحرائق في جنوب أوروبا و يمد يده بالمساهمة في إطفاء غابات الجزائر، رغم تعصب النظام الجزائري الرافض لهذه المساعدة، و أن الطائرة الواحدة كلفت الرباط فقط 30 مليون دولار، و لها أداء عالي و مرونة كبيرة و ذات تجهيزات رادارية تسمح لها بالطيران مباشرة فوق الحرائق و الحصول على معطيات تقنية تتعلق بسرعة الانتشار و تسهل عملية وضع خطط الإطفاء.
نحن لا نحابي المحتل المغربي لأراضينا الصحراوية و لا نجمل صورته، لكن المعطيات تتكلم عن نفسها، و الحليف الجزائري اليوم – الذي نعول عليه كحامي لقضيتنا- يكتري طائرة إطفاء صغيرة الحجم من اليونان مخصصة في الأصل لرش المبيدات على الحقول… و المثير للسخرية أن الجزائر ألغت صفقة اقتناء طائرة إطفاء إسبانية بسبب الخلافات السياسية، و الأكثر أن تكلفة كراء الطائرة اليونانية حوالي مليوني دولار، و لا يمكن لهذه الطائرة الصمود لأكثر من أربع ساعات يوميا، مما اضطر الجزائريين إلى الاستعانة بحوَّامات الجيش، و شاهدنا أيضا كتائب مدنية تستعين بصهاريج تجرها الجرارات، و مشاهد أخرى نقلتها القنوات العالمية أظهرت عناصر الجيش الجزائري يستعينون بالمعاول و عروش الأشجار المورقة لاطفاء الحرائق، و لاحظ الخبراء و النشطاء بأن المناطق التي تنتشر فيها الحرائق تبدو كبلديات منكوبة، و ذلك ليس بسبب الحرائق و لكن بسبب غياب التنمية و صعوبة ظروف بلدياتها و أهاليها، و نشروا صورا لهذه المناطق و كأنها تعيش في عمق سبعينيات القرن الماضي، حيث تبدو الطرق متضررة جدا و مهجورة و تزيد من صعوبة نقل وسائل الإطفاء، و تظهر الأحياء معزولة و بدون مياه شرب و تستعين بالآبار فقط، و المستشفيات منعدمة، و تغيب فيها مؤسسات الدولة، و كأنها أدغال مهجورة…، مما جعل الخبراء يحكمون على تلك الحرائق بأنها فضحت الوضع في الجزائر، و أن المشاهد التي نقلتها عدسات الهواتف تمنح الانطباع على أنها مرت من حرب أهليه و أن الحرائق بريئة من ضعف التنمية و هجران الدولة لتلك المناطق.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة