النظام الجزائري يؤكد بأنه يعيش أزمة دولة في الباطن و أزمة حُكم في الظاهر بعد رسالة الرئيس “تبون” في قمّة الرياض
بقلم: الغضنفر
أيا تكن القراءات والتوصيفات أو التحليلات أو التفسيرات التي فهم بها الإعلام الدولي مضمون رسالة الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” في القمة العربية الإسلامية بالرياض، التي تلاها نيابة عنه وزير الخارجية، “أحمد عطاف“، و التي كانت بالمناسبة أقوى المداخلات و أكثرها جرأة في التصعيد ضد الكيان الصهيوني، ما كان على النظام الجزائري – بعد هذا المشهد الشجاع- أن يظهر مهزوزا و متخوفا من تبعات رسالة الرئيس و أن يدفع بوزارة خارجيته لتنقذ ما يمكن إنقاذه، عبر إصدار بيان سخيف، ترد به على ما قالته بعض الصحف، خصوصا الفرنسية منها، و تنفي به عن الجزائر كونها دعت خلال أشغال القمة إلى قطع البترول والغاز عن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أو عن الدول المساندة لها.
و بلغة كرة القدم، يمكن اعتبار بيان وزارة الخارجية الجزائرية بمثابة هدف مُسجَّل بعد رفع حكم الشرط للراية معلنا حالة شرود، ذلك أن مقولة “الخبر مقدس و التعليق حر” تعتبر مبدأ أساسيا في مجال الصحافة و هي تجسيد لحرية التعبير، و بالتالي فلم يكن من اللائق أن تُكلف الخارجية الجزائرية نفسها إصدار بيان تنتقد من خلاله ما جاء في مقال صحفي، و تدّعي بأن هناك “مزج غير مبرر بين التعليق ومحتوى الخطاب الرسمي”، اللهم إن كان الهدف من إصدار البيان هو فقط التخفيف من الانعكاسات الخطيرة لرسالة “تبون” و التراجع عن مضمونها و الاعتذار عن العقوبات المقترحة لردع إسرائيل و حلفاءها.
للأسف، بيان وزارة الخارجية لم يكن في محله شكلا و مضمونا، و أكد – من جديد- مقولة وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، عن وزن وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية؛ ذلك أنه من الناحية الشكلية كان من المنطقي أن تكون الرئاسة الجزائرية هي الجهة التي تصدر البيان بما أن مداخلة الجزائر في قمة الرياض كانت باسم الرئيس “تبون” و ليست باسم “عطاف”…. أما بخصوص المضمون فمحاولة تبرير عبارة ” فرض العقوبات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية”، بالقول أنها ليست دعوة بأي طريقة كانت وبأي شكل من الأشكال إلى إعادة الحظر العربي لسنة 1973، هو تبرير غبي و يذكرني بنكتة الرجل الذي دخل في تحدي مع صاحبه بأن قال له: “إن عرفت ما بداخل الكيس، سأعطيك عنقودا منه؟”…. لذلك يتساءل العديد من المراقبين عن طبيعة العقوبات التي دعت إليها الجزائر في قمة الرياض إن لم تكن عقوبات طاقية؟ !!، ثم ما هي العقوبات التي يمكن أن تفرضها الجزائر على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة لهما بما أنها لا تملك أي “أسلحة” غير الطاقة !!؟
وأيا تكن دوافع خروج بيان وزارة الخارجية الجزائرية، بعد رسالة “تبون” العنترية في قمة الرياض، سواء كان صراع إرادات بين القيادة السياسية و القيادة العسكرية؟ أو تضارب مصالح وامتيازات بين حكام الجزائر؟ فهو في النهاية عنوان لتيه سياسي يترجم مأزق نظام ومأساة شعب ووطن، ذلك أن النظام السياسي الجزائري (و أقصد بذلك آليات صنع القرار) ليس نظام مؤسسات لها آليات وقواعد محددة ومعلومة تكفل خروج القرارات بشكل مدروس دون الوقوع في هذا النوع من الارتباك و التراجع المهين لصورة الجزائر دوليا، و قد رأينا هذا الأمر غير ما مرة نتيجة الارتجالية المعروفة لدى الرئيس “تبون”، و يكفي أن نذكر بأن أمريكا لم تنسى بعد زلة هذا الأخير أمام “بوتين” عندما هاجم رمز قوة واشنطن (الدولار) خنوعا و تذللا لموسكو.
فالنظام الجزائري يعيش اليوم أزمة دولة في الباطن، وأزمة حُكم في الظاهر، و رسالة “تبون” العنترية في قمة الرياض هي مثال حي لهاتين الأزمتين، إذ بات الجميع يعرف بأن هناك صراع خفي بين القيادة السياسية (قصر المرادية) و القيادة العسكرية (نادي الصنوبر)، و هو الذي سمح بخروج تلك الرسالة دون مرورها و تأشير بصلاحيتها من طرف مختلف دوائر القرار في البلاد، لذلك تقرر خلال اليومين الأخيرين إضافة منصب جديد إلى قائد الجيش الجزائري”سعيد شنقريحة”، بأن يصبح وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع الوطني، و هو المنصب الذي يعادل منصب نائب الرئيس؛ بما أن ـ دستورياـ الرئيس “تبون” هو وزير الدفاع، و الهدف من تراكم مناصب”شنقريحة” هو أن يطّلع هذا الأخير على أدق التفاصيل و أن يتحكم أكثر في رئاسة البلاد، خصوصا و أنه لا يثق أبدا في “تبون” و يعتبره محسوبا على بطانة الراحل “أحمد الگايد صالح”.
وبعد وصول النظام من داخله إلى تسوية ملف من يحكم، من خلال هذا التعيين، الذي يكرس صورة “شنقريحة” كحاكم فعلي للبلاد، يبقى السؤال هو: كيف سيتجاوز هذا النظام مأزق تسيير دولة بحجم وثقل وأهمية الجزائر؟ وكيف سيتفاعل ويتعامل مع ما سيترتب عن رسالة “تبون”؛ التي جاءت مكالمة وزير الخارجية الأمريكي لنظيره الجزائري في سياقاتها؟ ….أسئلة وغيرها يصعب الإجابة عليها في ظل مشاكل داخلية معقدة، كالبطالة والفساد المالي وتبديد الثروة والجريمة بأنواعها، وغيرها من المشكلات الاجتماعية العميقة، التي تضع الدولة، وليس النظام في مأزق حقيقي يصعب قراءة فصوله ونهاياته…. و المصيبة أن قضيتنا الصحراوية مرتبطة ارتباطا وثيقا مع النظام الجزائري الذي يعاني الإرهاق على كل الاصعدة ولم يعد يملك القدرة على الذهاب بعيدا، وليس باستطاعته تحمل تبعات تسيير دولة بسبب شبه إفلاسه فكريا وأخلاقيا.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك