الرئيس الجزائري يصل إلى موريتانيا مخفورا بالمقاتلات، و الرباط تعاقب موريتانيا تجاريا بإطلاق خط بحري مباشر بين أگادير و دكار
بـقـلـم: بن بطوش
يبدو أن سقوط النظام السوري أسقط معه أقنعة دول كانت تسوق نفسها في ثوب القوى الخارقة، و اليوم هي تدافع عن نفسها و تتبادل الاتهامات مع دول أخرى حتى تتبرأ مما وقع لنظام “الأسد”، فمن يتابع الوضع السوري و ينظر إلى سجون “بشار” تحت المباني و كيف نهشو جوف الأرض لبناء دركات بعضها أسفل بعض، تتساءل كيف أمكن لقادة العالم الدفاع عن نظام “بشار الأسد” و جرائمه كل هذه السنوات، و كيف ستبرر المنظمات التي تدعي الدفاع عن الإنسان و الإنسانية كـ “أمنستي” و “هيومن رايتس ووتش”صمتها عن هذه الفضائح طيلة هذا الزمن…؟ و كيف لم يحقق مجلس الأمن في هذه الجرائم… !!؟.
المحزن أكثر أن “فلاديمير بوتين” إختار”ألكسندر دوكين” الفيلسوف و المفكر الروسي الكبير و مستشاره الذي يكتب خطاباته، و الذي يلعب في بيت الحكم الروسي نفس الدور الذي لعبته مؤلفات الفيلسوف “نيتشه” مع “أدولوف هتلر” أو الدور الذي لعبته فلسفة “ميكيافيلي” في إنتاج شخصية “موسيليني”…، و دفع به ليكتب مهددا دولة تركيا في تدوينة جاء فيها “أن روسيا لن تغفر لتركيا غدرها، و أن موسكو تنتظر استجماع قوتها و استعادة جيشها كي تؤذب الأتراك، و أن هدفها هو بعد أوكرانيا هو “الطيب رجب أردوغان”
من يتتبع الشأن الروسي يستطيع قراءة ما وراء التدوينة، بأن الروس استشعروا تراجعا خطيرا في السمعة و النفوذ بعد سقوط نظام “بشار”، و أن العالم أصبح متأكدا بأن موسكو لا تحمي ظهور الأنظمة الحليفة لها، كما حصل في كرباخ بين اذربيجان المدعومة من إسرائيل و تركيا و بين أرمينيا المدعومة من موسكو،و خلال الحرب التي اندلعت في 2020 أدار الجيش الروسي ظهره للأرمن، و تمكن الأذريين من استرجاع كرباخ التي تسمى تاريخيا بـ “قرة باغ”، و قبلها سمح “فلاديمر بوتين” لفرنسا بإسقاط نظام “القذافي”، و سبق لموسكو أن تخلت عن “حسني مبارك” في الربيع العربي و عن “كاسترو” في عدة مناسبات بدءا من أزمة جزيرة الخنازير…، و اليوم يسقط “بشار” بشكل غريب و يمنحه “الكريملن” لجوءا إنسانيا تحت تأثير الصفقات السرية…، فأي خذلان أكبر من هذا ؟.
تدوينة فيلسوف “بوتين” هي من باب “التقية” السياسية المثير للضحك، لأن العالم بأكمله يعرف بأن روسيا عقدت صفقة مع الإسرائيليين لإنهاء حرب الاستنزاف في أوكرانيا و حسم الحرب بإعلان انتصار روسيا بعد حوالي سنتين من الآن، و أن الأتراك استغلوا الموقف و كان هدفهم تصريف المشاكل الداخلية و إيجاد مخرج لقضية الأكراد و اللاجئين…، و أن روسيا التي تستعد لوقف الحرب في أوكرانية، لا تقدر بتاتا على الدخول في حرب تربية أو حرب إخضاع و كسر هيبة مع الأتراك، و من درس التاريخ يعرف أن تركيا مقبرة الروس التاريخية، و أن روسيا حاليا تحتاج إلى عقدين للتعافي من حرب أوكرانيا، و تورطها في جبهة جديدة سيكون مدمرا، و قد يسبب تقسيم روسيا الفيدرالية، لأن تركيا “أردوغان” أقوى بكثير من أوكرانيا “زيلينسكي”… !!
لكن أي علاقة بين ما يجري و زيارة الرئيس الجزائري إلى نواكشوط ؟، و لماذا أصر الرئيس الجزائري على الذهاب شخصيا للمشاركة في مؤتمر للتشغيل و بدون أثر سياسي أو دبلوماسي ؟، ثم ما سبب خفر طائرته الرئاسية بالمقاتلات ؟، و أي صفقة جعلته يتحرك نحو موريتانيا لحسمها…؟، و هل ستقبل موريتانيا بتكرار سيناريو الأخت الصغرى معها بأن تكون ولاية جزائرية كما يروج الإعلام و الصفحات و المدونون داخل دولة الحليف و في دولة الاحتلال المغربي… !!؟
الحقيقة أن سقوط نظام “بشار” أربك الجزائر كثيرا، و وسع الشرخ بين التيارات داخل النظام الجزائري، و سبق و قلنا في مقالاتنا أن الرئيس الجزائري “تبون” أصبح مثل المظلة في جو صحو، أي أن دوره إنتهى رسميا و أن مخططاته الاقتصادية لم تُحسن من ظروف المواطن البسيط و لم تمكن البلاد من الإقلاع الاقتصادي، و أن الرجل يعتمد على تضخيم الأرقام…، و في عهدته فقدت الجزائر ود موسكو الحليف الأول للجزائر، و أصبح قصر المرادية العدو الأول لباريس و مدريد و برلين و الرياض و أبوظبي…، و قلنا أن المؤسسة العسكرية غالبا ما تدبر للرئيس الجزائري منذ الاستقلال مكيدة تنهي بها نظامه و تزيله بها عن الحكم، و الرئيس “تبون” أبلغ كبير الجيش الجزائري “شنقريحة” أنه يشعر بعدم الأمان، و هو نفس الإحساس الذي يبديه كبير الجيش الجزائري والذي أصبح يظهر رفقة حراسه الشخصيين في كل مكان، و حتى يؤكد”شنقريحة” للرئيس “تبون” حسن نواياه، فقد خفر طائرته المتوجهة إلى نواكشوط بالمقاتلات، و الدليل أن الرئيس الجزائري كما جميع السياسيين و أصحاب القرار، يعرفون أن دولة الاحتلال المغربي ليست بهذا الغباء حتى تتجرأ على إسقاط طائرة الرئيس الجزائري، و أن المحتل لو أراد تنفيذ الاغتيالات لإستهدف القيادات الصحراوية أو المعارضين في دول المهجر.
المدونون في دولة الحليف و صحافة القنوات الرسمية شرحت ظهور المقاتلات رفقة الطائرة الرئاسية الجزائرية، بأنها استعراض قوة أمام نواكشوط، و تعبير على أن الرئيس الجزائري يحضى بالحماية العسكرية، بعد أن أقنع كبار الجيش بأنه رجل المرحلة… !!، لكن العقلانيين الذين يرفضون التحليل العاطفي و القراءة الشوفينية للأحداث، سربوا خبرا يقول أن “سعيد شنقريحة” أمر بنقل قطاعات عسكرية من الجنوب لتوطينها بضواحي العاصمة الجزائر و وهران، و ذلك بعد استنتاج أن سبب سقوط دمشق كان غياب قطاعات عسكرية قوية و مجهزة و بها أعداد كافية من الجنود…، مما يعني أن القيادة في الجزائر تتوقع تكرار سيناريو الثورة السورية و بشكل أعنف في “مكة الثوار”، هذا ما يشرح سبب ظهور المقاتلات إلى جانب طائرة الرئيس الجزائري، الذي تردد كثيرا في المشاركة، لكنه تحت ضغط المستشارين و قيادة الجيش اضطر للتنقل إلى موريتانيا للمشاركة في مؤتمر إلى جانب وزراء التشغيل و مناديب الوزارات، و ذلك يعزي إلى أن زيارة “شنقريحة” قبل أيام قليلة إلى نواكشوط كانت قد مهدت لزيارته، بمعنى أن قيادة الجيش أرادت الدفع بالرئيس الجزائري لحسم و إنهاء ما بدأه “شنقريحة”، و فرض إتفاق تجاري على موريتانيا يضمن رفع الرسوم الجمركية على السلع القادمة من دولة الاحتلال المغربي، و منح الجزائر منفذا للأطلسي لتصدير خام الحديد.
الرباط بالموازاة مع الزيارة التي يقوم بها الرئيس الجزائري، أعلنت أنها أطلقت خطا بحريا مباشرا بين ميناء أكادير و ميناء دكار السينغالي، و أنه سيتم تصدير البضائع بشكل مباشر إلى إفريقيا عبر الموانئ السينغالية، و بالتالي سيتم حرمان موريتانيا من العائدات الجمركية للتجارة البينية كأرض عبور نحو العمق الإفريقي، و كأن الرباط تريد أن تقول أنها على علم بما يحمله الرئيس الجزائري من اقتراحات و خطط عمل، و أنهم يعلمون أن نواكشوط توشك على قبول العرض الجزائري المغري بسبب قوة التيار المعادي للرباط داخل بيت الحكم الموريتاني.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك