هل دخلت العلاقات بين الرباط و مدريد نفق الازمة الصامتة ؟ و ما قصة اكتشاف النفق الذي يربط ثغر سبتة بشمال المغرب… !!؟
بـقـلـم : بن بطوش
ثمة سؤال تشكل في الوعي الصحفي لخطنا التحريري، كثيرا ما كنت أتجنب طرحه، لكن الظرفية تفرض علينا إعادة استنطاق المسكوت عنه في قضيتنا الصحراوية، و إضاءته للنقاش، و يتعلق الأمر بالأسباب التي تجعل المواطن المغربي الناقم على أوضاع بلاده يرفض دعم القضية الصحراوية؟ أو لنقل بلغة أوضح أن المعارضة المغربية الداخلية و الخارجية، الأفقية و العمودية، اليمينية و اليسارية، السلفية و الليبرالية…، ترفض كل الإغراءات للترافع من أجل القضية الصحراوية و الدفاع عن فكرة الاستقلال أو حتى تقرير المصير للشعب الصحراوي في شكله المستحدث و سقفه المنخفض…، فيما نجد المعارضة الجزائرية و الصحراوية تستميت في الدفاع عن النظام المخزني و كأنها نسخة من المواطنين المغاربة ممن يعتبرون اهالينا اللاجئون الصحراويين أسرى لدى الجزائر أو محتجزون، و يؤمنون بأن القيادة الصحراوية أقرب إلى العصابات و الكارتيلات من الكيانات السياسية أو الهياكل المؤسساتية للدولة.
كان التساؤل محض ملاحظة يمكنها ربطنا مع موضوع العلاقات بين الرباط و مدريد، و التي تمر بمرحلة اهتزاز صامت، رغم أن وزير الخارجية الإسباني “ألفاريس” خرج إلى الرأي العام الإسباني و الدولي من منصة إذاعية، أخبر خلالها أن العلاقات بين الجارين المغرب و إسبانيا تمر بأفضل أيامها، و أضاف أنها من الأقوى في العالم، و لا تشبهها غير العلاقات البريطانية – الأمريكية… و هذا التصريح أضفى بعضا من الهدوء و الاتزان في اللغة الإعلامية في البلدين، و جعل السياسيين يركنون بعض الشيء إلى السكينة، بعدما كانت الأمور تسير نحو أزمة حقيقية؛ ذلك أن الخلاف تفجر بين النخب السياسية و سلطات البلدين مباشرة بعد إعلان ملك المغرب بيان عيد الأضحى الذي أهاب فيه لشعبه بعدم نحر الأضحية لهذه السنة، حينها عبر مربو الماشية الإسبان الذين كانوا على اتفاق مع مورِّدين مغاربة عن غضبهم من هذا القرار، و طالبوا حكومة “سانشيز” بمحاولة إقناع السلطات في الرباط للعدول عن القرار، و هو الطلب الذي لم يتفاعل معه رئيس الحكومة الإسباني و الذي أخبرهم أن القرار شأن داخلي لدولة جارة و لا يمكن مفاوضتهم على قراراتهم السيادية.
لم تمضي على خيبة أمل مربي المواشي الإسبان غير أسبوع حتى أفتى المجلس العلمي لمدينتي سبتة و مليلية بعدم نحر أضحية العيد، عطفا على قرار الرباط و إتباعا لإمام الأمة المغربية، و هذا ما رأت فيه مدريد تسييسا للقرار و اختراقا روحيا للمدينتين، و زاد من أزمة مربي الماشية الإسبان… !!، و مع بداية رصد هلال شهر رمضان، أعلن مركز الرصد الفضائي الإسباني أن المسلمين في سبتة و مليلية سيستقبلون أولى أيام الشهر الكريم يوم الأحد 01 مارس 2025، و بذلك تكون المدينتان تتبعان المركز الإسلامي للرصد في مكة، لكن المجلس العلمي للمدينتين كان له رأي آخر، و اعتبر نفسه غير معني برصد الأهِلّة الإسباني أو المشرقي، و أنه سينتظر ما ستقرره هيئة الأهلة في الرباط.
هذا الأمر أشعر الإسبان بالخطر و دفعهم لمناقشة القضية برلمانيا، و اعتبرت المعارضة أن إسبانيا فقدت المدينتين روحيا، و أن الرباط تمكنت من ضم الثغرين إلى سلطاتها الدينية…، و طالبوا الحكومة التحرك بسرعة لفصل المدينتين دينيا عن الرباط، و دفع المجتمع الإسلامي بهما إلى الاحتفال بعيد الفطر مع المشارقة، و إتباع ما ستوصي به هيئة الديار المقدسة في السعودية بخصوص هلال العيد، لكن الخطة فشلت و أعلنت المجالس العلمية في المدينتين أن أولى أيام شوال ستتزامن مع تلك التي ستعلنها الرباط، مما زاد من غضب السلطات الإسبانية التي أرادت ترهيب الساكنة و أقدمت على نشر الجيش في الحدود مع المغرب بكثافة ليلة عيد الفطر، في رسالة واضحة إلى سكان المدينة و سلطات الرباط بأن السيطرة الروحية على المدينتين لا تعني أي شيء و بأن إسبانيا متحكمة في الوضع الميداني.
مشهد انتشار الجنود و الآليات الثقيلة على طول الحدود بين الثغرين و المدن في شمال المغرب، رافقته حملة إعلامية قوية تظهر مدى غضب السياسيين الإسبان بكل فرقهم، و لم تعلل الحكومة الإسبانية قراراها و لم تشرح دوافعه، لكن الإعلام الدولي ربط الأمر بمخاوف مدريد من التبعية الدينية التي أصبحت واضحة للمدينتين للرباط، بل ربطت بين القرار و اكتشاف النفق الذي يربط أراضي مدينة سبتة و شمال المغرب، و أضافت الصحف الإسبانية أن التحقيقات التي أنجزتها الأجهزة الإسبانية مكنت من التأكد بأن النفق لم يكن لتهريب المخدرات و لا للهجرة السرية لأنه نفق محفور بخبرة هندسية… !!، و أن من أنجزه هم خبراء عسكريون، و يقال بأن النفق يمتد من مدينة سبتة إلى إحدى الثكنات العسكرية المغربية شمال البلاد، و يعتقد بأن الرباط كانت تُعِد لأمر خطير بخصوص المدينتين، و أن السلطات الإسبانية لا تدري إن كانت الخطة تقتضي باجتياح عسكري أم مسيرة سلمية، لكن المؤكد أن خطة الرباط – مهما كانت دوافعها- تحظى بدعم أمريكي.
لم تتوقف ردة الفعل الإسبانية عند هذه النقطة، بل قدم الحزب الشعبي الإسباني مشروع قانون إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الإيبيري، يطالب فيه بالوقف الفوري لأي محاولة إسبانية للتنازل عن السيطرة على المجال الجوي فوق الصحراء الغربية، و تم برمجة جلسة التصويت يوم 10 أبريل، مع العلم أن الرباط و مدريد أعلنا رسميا إنهاء ملف الحدود البحرية و منحت الرباط رخص التنقيب لشركات دولية، و بدأت أولاها و هي إسرائيلية عمليات المسح الزلزالي، كما سرّب الإعلامان الفرنسي و الأمريكي خبر وضع ملف مشترك بين الرباط و مدريد لتسريع عملية إنهاء نقل السيطرة الجوية بين البلدين، و يقوم الجيش المغربي حاليا بتداريب عسكرية للسيطرة على المجال الجوي فوق الصحراء الغربية رفقة القوات الجوية الأمريكية.
ما تخشاه مدريد اليوم هو أحد الأمرين، أن ينفذ “بوتين” تهديداته تجاه أوروبا و تجد إسبانيا نفسها وجها لوجه عسكريا مع الرباط، التي انتقلت إلى مستوى متقدم من التسليح العسكري و التدريب، و كان قد سبق للإسبان الاحتجاج داخل البرلمان الأوروبي على عدم منع حصول الرباط على الصفقات العسكرية المتطورة، مثلما احتجت على حلف “الناتو” لأنه لم يقبل بإدراج المدينتين ضمن مجال حمايته العسكرية، و احتجت على مجلس الأمن للطعن في اتفاق الدفاع المشترك الذي عقدته الرباط مع الإمارات، لأنها على دراية أن بوجود دعم من الصناديق السيادية الخليجية و إتاحة الأمريكيين للمغاربة صفقات نوعية، ستكون الحرب إذا ما وقعت… كارثية على إسبانيا !!
و الأمر الثاني أن تحصل الرباط على اعتراف أمريكي شبيه بالاعتراف الذي حصل عليه في الصحراء الغربية، و تجد إسبانيا نفسها مجبرة أمام العالم للتنازل على المدينتين استجابة للشرعية الدولية، لهذا تدرس مدريد – حسب إعلامها- إمكانية القبول بمقترح السيادة المشتركة للمدينتين.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمكنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك