بـقـلـم:بن بطوش
قبل الحديث عن حادثة قميص نهضة بركان، و جبت الإشارة إلى أنه لم ننتظر طويلا لكي نشاهد الرد الإسرائيلي على طهران، و رغم كل المحاولات الأمريكية لثني “نتنياهو” عن الهجوم، و بعد إقتناع إسرائيل بأن تجعله ردا محدودا و نموذجيا، حتى تناقل الإعلام الدولي خبر الضربة العسكرية الإسرائيلية على طهران، و قالت الصحف الأمريكية أن الهجوم قامت به تل أبيب بصواريخ فرط صوتية مجهولة النوع، و هي صواريخ من جيل غير معروف لأن الدفاعات الإيرانية لم تستطع صدها و لا تعقب مسارها…. و بعد يوم من الهجوم أعلن التلفزيون الإسرائيلي أن الضربة كانت بصواريخ “الهيجان”(RAMPAGE) ، التي يتم إطلاقها من الراجمات الأمريكية HIMARS المستخدمة في تمارين “الأسد الإفريقي”، و هي من نفس النسخة التي تسلمها جيش المحتل المغربي بأعداد كبيرة منذ سنوات.
الهجوم الإسرائيلي استهدف في توقيت واحد عدة نقاط بأصفهان، و كان بين الأهداف القاعدة الجوية، حيث تناقلت القنوات الدولية صورا للأقمار الصناعية تظهر تدميرا كاملا لرادارات منظومات الـ S-300 الجوية، التي تعتمد عليها طهران في حماية منشئاتها، بما فيها المفاعلات النووية كـ”أبوشهير”، و هي نفس المنظومة التي يمتلكها الحليف الجزائري و يعتمد عليها لحماية منشئاته،… و هنا نعود بالذاكرة إلى تدخل باريس سنة 2021، لمنع النظام الجزائري من التورط في حرب مع الرباط، بعد حادث استهداف الشاحنتين في الأراضي المحرمة، و تقديم قصر الإليزيه لتقرير عن قوة الردع لدى الرباط، و التي تضمنها له الأسلحة الاستراتيجية التي تسلمها من أمريكا و إسرائيل، و تحقق للنظام المخزني التفوق الإقليمي في توازن الرعب مع قصر المرادية.
رفض النظام الجزائري للتدخل الفرنسي على خلفية التقرير التحذيري تسبب في شرخ داخل “مجلس الحرب”، الذي يتكون من سبعة جنرالات، على رأسهم قائد الجيش “سعيد شنقريحة”، حيث عارض الجنرال “محمد قايدي” الملقب بـ “المنجل” قرار الحرب الذي كان يعتزم المجلس اتخاذه و طالب بالإنصات للتقرير الفرنسي، و اتهم “المنجل” قائد الجيش الجزائري بقيادة الجزائر إلى كارثة حقيقية،… و قال : حتى و إن كان التقرير الفرنسي خاطئا، فإن حلفاء الرباط سيتدخلون لترجيح الكفة للمغاربة في أي حرب تحصل، على عكس الروس، حلفاء الجزائر، الذين سيقولون للرئيس الجزائري “إذهب أنت وربك فقاتلا”،….. و هي العبارة التي أدت، حسب الروايات المسربة عن اجتماع الحرب داخل ثكنة “عنتر”، إلى إقالة الجنرال “المنجل” و إحالته إلى التحقيق،… لكن النظام الجزائري في نهاية المطاف أخذ بنصيحته رغم أنه عاقبه و تراجع خطوة إلى الوراء.
المعطيات التقنية العسكرية التي ظهرت في التراشق الذي وقع بين طهران و المحتل الإسرائيلي، تؤكد أن التقرير الفرنسي كان دقيقا و أن الرباط تمتلك فعلا سلاح ردع استراتيجي يمكنه قلب موازين الحرب بسهولة، عكس الحليف الجزائري الذي نعرف ترسانته من استعراض 5 جويليا سنة 2022، و التي وافقت الذكرى الـ 60 لتأسيس دولة الجزائر، حيث أكد للعالم أن الترسانة الجزائرية جلُّها من العتاد الروسي و السوفياتي الكلاسيكي…
و هذه المعطيات تشرح كيف قرر النظام الجزائري تجنب الحرب، و نقل المعارك و تحويلها من حرب حقيقية إلى صراع ثقافي و رياضي و دبلوماسي و سياسي و ثقافي…، و هذا ما سنشرح به معركة قميص نهضة بركان الذي كانت قبله معركة قميص الزليج، أين انتصرت الرباط و كانت وراء فسخ الاتحادية الجزائرية لعقدها مع الشركة الألمانية التي تمتلك علامة ADIDAS، حينها جميعا تابعنا كيف كان ضغط الرباط كبيرا، وانتهى باعتذار الشركة الألمانية لسلطات المغربية، و شمت حينها الإعلام العربي في الاتحادية الجزائرية حتى أصبح القميص مستملحة يتنمرون بها على المشجع الجزائري.
حادثة قميص نهضة بركان، تبدو اليوم أكثر خطورة في أبعادها السياسية و الدبلوماسية و الثقافية من معركة قميص الزليج، لأنها كشفت لنا ما تمثله القضية الصحراوية عند النظام الجزائري، و عرّت لنا عن قناعات قيادتنا الصحراوية و التي أصبحت تخيفنا كشعب فقد الأمل نهائيا فيها…، و في هذه المعركة استخدم المحتل أسلوبان؛ أحدهما تحدث عنه الإسبان قبل سنوات، و يخص النفس الطويل و التخطيط الجيد الذي يتقنه النظام المخزني، حيث أعد المصيدة منذ سنوات، حينما أضاف رئيس الاتحادية المغربية لكرة القدم، ” فوزي لقجع”، بندا منع به انضمام الدولة الصحراوية إلى الاتحاد القاري لكرة القدم، و وقع علي البند رئيس الاتحادية الجزائرية آنذاك “زفيزف”،… و بسبب ذلك البند الذي يشترط العضوية الأممية للانخراط في الإتحاد الإفريقي الكروي، أصبحت القضية الصحراوية و الدولة الصحراوية و الشعب الصحراوي – بلغة القانون الكروي للقارة الموجوعة – لا وجود لهم .
الأسلوب الثاني المرتبط بقضية قميص نهضة بركان هو تقنية صيد الأخطبوط بين الصخور عبر استفزازه بواسطة سيخ حديدي، و نكأه للخروج من مخبئه، و هذا ما فعله المحتل المغربي قبل جلسة مجلس الأمن كي يكشف بأن النظام الجزائري هو طرف في النزاع على الصحراء الغربية و ليس مجرد عضو مراقب، حيث استفز الجزائر في عقر دارها، و كان يعلم أن النظام الحالي الجزائري شديد النرفزة و يعشق خطاب “النيف” و “الراس الناشف”، فما كان من الفريق المغربي إلا أن قام بحملة ترويجية قبل سفره إلى الجزائر، قال فيها أن سلطات الجزائر سترفض القميص الذي يحمل الخريطة المدمجة مع الصحراء الغربية، فألتقط النظام الجزائري الرسائل الإعلامية البصرية و السمعية، التي تخص القميص، و ابتلع الطعم، و أعلن أنه لن يقبل بفريق مغربي يرتدي قميصا به خارطة للمغرب تضم الصحراء الغربية، و أقام الدنيا و لم يقعدها، و استغل الفريق المغربي و لاعبوه و بعثته التقنية هذا السجال من أجل فضح البنية التحتية في الجزائر، و كشفوا كيف أن المطار الجزائري “الهواري بومدين”، الذي يعتبر أهم مطار في البلاد، لا يزال لم يتخطى بعد مرحلة ستينيات القرن الماضي، بأرضيته ذات التبليط القديم الطراز، و مقاعده نصفها مكسور و خدمات المطاعم التي لا تجيد غير وجبة وحيدة “السوندويتس”،… أظهروا أنه مطار صفري المرافق، و تلك المشاهد كانت في الحقيقية محبطة في دولة بثروات الجزائر.
نعود إلى قصة قميص نهضة بركان ذا الخريطة المثيرة للجدل، حيث كان القياس يقتضي أن تظهر الجزائر نوعا من المرونة الخبيثة، و عوض أن تحاصر المطار بالأمن لمنع الفريق المغربي من مغادرته، و بدلا من طباعة أقمصة و الدخول في أزمة قانونية ستنتهي بمعاقبة الجزائر من طرف “الفيفا” بسبب قرصنة منتجات الشركة المصنعة للأقمصة الرياضية للفريق البركاني، و الحديث عن الحقوق الحصرية… كان على الجزائر أن تقرر تغيير مكان المباراة إلى ملعب صغير، و تتحجج في ذلك بالأسباب الأمنية، ثم تعلن أن اللقاء سيُجري أمام مقاعد فارغة، و عند صافرة البداية تمنع بث المقابلة لأسباب تقنية، و تكتفي بتسجيلها للاتحاد الإفريقي على شريط…، و تنتهي القصة دون عقوبات و دون إحراج للدولة الجزائرية و للاتحادية الجزائرية و لـ “وليد صادي” الذي وجد نفسه أمام أزمة كبيرة مع الإتحاد الإفريقي و العملاق الـ FIFA، في وقت كان “موتيسيبي” و “إنفانتينو”، يستمتعان بنهائي الكأس الإفريقية لكرة القدم داخل الصالات بالرباط، رفقة رئيس الاتحادية المغربية “لقجع”، و لكم أن تتوقعوا حجم التأثير على الرجلين من طرف النظام المغربي.
المصائب لا تنتهي هنا، لأن الشكل الذي تم به إدارة أزمة قميص نهضة بركان من طرف الجزائريين، يؤكد أن تبعاتها ستستمر لسنوات، لأن العالم تداول مقاطع و صور الفريق المغربي و هو محتجز أمام ملعب المباراة، و أيضا و هو محتجز في المطار و محاصر بالعشرات من رجال الأمن، و بينما الجزائر تغرق في الأزمة لم يشر حساب واحد من حسابات قياديينا و “الهنتاتة” و صحفيي البيت الأصفر إلى الأزمة و تأييد النظام الجزائري، بل اعتبروها معركة جزائرية لا تخصهم… و حتى كتابة هذا المقال الحساب الوحيد الذي أشار لمشكل القميص و الخارطة يعود للمدون “محمود زيدان”، و هنا مكمن الخطر؛ لأن النظام الجزائري الحالي يعتبر هذه القضية تخصه، و هذا يدعم الرأي الشعبي الصحراوي الذي يقول أنه إذا ما تحرّر شبر واحد من الصحراء الغربية فلن يُسلمه النظام الجزائري لنا، و أجزم بهذا الحكم، بل سيحكم الأراضي التي سنحررها و سنكون مجرد رعايا لهذا النظام الذي أصبحت مواقفه تخيفنا جميعا كصحراويين، بعدما أصبح قصر المرادية صحراويا أكثر من البيت الأصفر المنقوع.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك