رئيس أوغندا يُهين وزير خارجية الجزائر … و ضغوط جزائرية على موريتانيا من أجل وقف مرور الشاحنات المغربية عبر أراضيها
بـقـلـم:بن بطوش
أظنها المرة الأولى التي أكتب فيها هذا المقال بغضب شديد و حنق، و أظنها المرة الأولى التي أتعاطف فيها مع نظام الحليف الجزائري و أشعر بهوان دبلوماسيته و ضعف حيلته و قلة وزنه كما جاء في كلام “لافروف”…؛ فلو أن الإهانة – هاته المرة- جاءت من قائد بلد عظيم مثل روسيا أو أمريكا أو الصين أو بريطانيا أو حتى فرنسا أو ألمانيا…، لهانت و لقبلنا بها و لأدرجناها في خانة صراع العظماء، لأن الأمم تكبر بصراعها مع الكبار …، لكن أن تأتينا الإهانة من رئيس دولة كانت إلى الأمس القريب تحارب المجاعة بأموال الشعب الجزائري، و ربما تكون من الدول الـ16 الإفريقية الذين تنازلت لهم الجزائر سنة 2014 عن 1,4 مليار دولار من ديونها المستحقة لديهم … فهذا ذل لا نقبل به و لا تستحقه دولة مثل الجزائر.
فحين أقول بلغة صحفية واضحة أنها إهانة لنا، فلإيماني أننا كشعب صحراوي كرامتنا و قوتنا و سمعتنا من كرامة و قوة و سمعة الدولة الجزائرية…، لهذا إحساسنا بالإهانة مضاعف، و نحن نرى الرئيس الأوغندي، “يوويري موسيفيني”، المشهور بتلك القبعة التي يرتديها، و هو يُجلِس وزير الخارجية الجزائري، “أحمد عطاف“، بعيدا عنه و يُحادثه من مسافة 15 مترا، كما يفعل “بوتين” مع مبعوثي خصومه، و عند السلام عليه يرفض رئيس أوغندا مصافحته و هو يضع قناعا طبيا، و كأن “عطاف” رجل موبوء أو أنه جاء إلى دولة أوغندا العظيمة مستجديا العون للجزائر التي ينتشر فيها الطاعون…
سنحكي لأبنائنا أننا عشنا في زمن تجرأت فيه دولة أوغندا الفقيرة على وزير الخارجية الجزائري و أهانته، و سنحكي لأبنائنا عن الأخطاء الإستراتيجية لوطن كان القياس أنه الأكبر في إفريقيا، و أن يقود دول القارة كما تجر القاطرة باقي عربات القطار…، لكن ما يحدث الآن أمر غير مقبول من السلطات الجزائرية؛ فبالأمس تجرأ ممثل دولة مالي في الأمم المتحدة و اتهم الجزائر بالاستثمار في الفوضى و إرهاب الماليين و التشويش على سلطات باماكو، و قبلها “إبراهيم طراوري” البوركينابي هدد الجزائر بعبارات واضحة، و حتى المشير “خليفة حفتر” قال أنه سيدخل الجزائر في ساعتين إذا منعت الجزائر قواته من إدارة حقل الغاز “غدامس”… !!، ليبقى السؤال ما الخطأ الذي اقترفته الجزائر ضد أوغندا الذي جعل رئيسها يتعامل بهذا النوع من عدم اللباقة مع وزير خارجية الجزائر…؟
الغضب الأوغندي يجد تفسيره في مخرجات زيارة كبير الجيش الجزائري ” السعيد شنقريحة” التي قادته في شهر فبراير الماضي نحو دولة رواندا ، حيث كان قد اقترح على رواندا تعاونا عسكريا يرجح كفة الجيش الرواندي على الجيش الأوغندي، و الغريب أن الصراع بين أوغندا و رواندا ليس حدوديا أو سياسيا أو إيديولوجيا…، بل هو صراع حول مناجم الكونغو الديموقراطية؛ بمعنى أن البلدين يدعمان الانفصال شرق دولة الكونغو، حتى تصبح المنطقة غير آمنة، و خالية من السكان و عناصر الأمن، و تحت سيطرة المتمردين الذين يقومون بعمليات تهريب للذهب و الماس و الكوبالت و الكولتان و النفط …، لأن البلدين (رواندا و أوغندا) ليس لديهما مصادر للثروة، و يعتمدان فقط على ما يجنيانه من الفوضى شرق الكونغو و ما ينهبه المتمردون.
دعم الجزائر العسكري لرواندا يعني سيطرة المتمردين الموالين للعاصمة كيغالي على مساحات أكبر و بالتالي توفير مواد أولية أكثر لرواندا و الحصول على عائدات أوفر، و هذا يتيح تراجع موارد و نفود الأوغنديين، و هدف الجزائر من هذا التدخل هو دعم الجيش الرواندي لإضعاف الكونغو الديمقراطية، و نكاية في قيادة هذا البلد الذي افتتح قنصلية له في مدينة الداخلة المحتلة، و السعي لدفع الكونغو الديمقراطية إلى طلب المزيد من العون العسكري من الرباط، و بالتالي تحويل منطقة الأخدود الإفريقي العظيم إلى ساحة حرب لتصفية حسابات عسكرية بين الرباط و الجزائر، لتكون حرب استنزاف تسعى بها الجزائر إلى إفراغ خزائن الرباط و إضعافها إفريقيا، و وقف عجلة المشاريع التي أطلقتها حتى لا تستطيع تنفيذ تلك المرتبطة بالمواعيد الرياضية الكبيرة ككأس العالم2030.
هذا المخطط الجزائري كان القياس أن يسلب الرباط هيبتها و ينزلها إلى وحل المعارك العسكرية الهامشية، لكنه في الواقع قد عصف بالسفير الجزائري في أوغندا الذي استدعاه الرئيس الأوغندي في فبراير بعد زيارة “شنقريحة” لرواندا و قام بتوبيخه،… و اليوم نفس الرئيس يُهين كبير الدبلوماسيين الجزائريين “أحمد عطاف”، بعدما أجلسه بعيدا عنه بأزيد من 15 مترا كتلميذ مُعاقب من طرف أستاذه، كما كان يفعل المدرسون في “الزمن الجميل” عندما يقف التلميذ على رجل واحدة طيلة مدة الدرس في آخر القاعة كعقاب له عن عدم قيامه بواجبه المنزلي،… فيما كان يجلس الرئيس الأوغندي خلف مكتب أبيض، و حين أراد عطاف مصافحته امتنع الرئيس الأوغندي عن مد يده، و وضع قناعا طبيا ليزيد من إهانة الدبلوماسي الجزائري، حتى تصل الرسالة كاملة و دون نقصان عبر الصور إلى قصر المرادية.
نفس السلوك قام به كبير الجيش الجزائري، “شنقريحة”، عند حلوله خلال شهر أكتوبر الماضي بنواكشوط، حيث اقترح على الرئيس الموريتاني بأن يمد الجيش الجزائري نظيره الموريتاني بترسانة أسلحة تمكنه من صيانة حدوده و مراقبة ما يقع خلفها، كما وعده بالاستثمار في استخراج و نقل الغاز الموريتاني نحو أوروبا مرورا بالتراب الجزائري، و في مساعدة موريتانيا فلاحيا على تحقيق الأمن الغذائي القومي للموريتانيين… !!، و تطوير البنية التحتية و إنشاء ميناء للاستغلال المشترك على السواحل الأطلسية، مقابل أن تضاعف نواكشوط الرسوم الجمركية بشكل قياسي لمنع عبور السلع و الشاحنات المغربية إلى العمق الإفريقي، و بالتالي محاصرة الرباط تجاريا و دفع الشركات للهروب من المغرب و توفير الملاذ و الطريق و الأمن لهم عبر الحدود الموريتانية الجزائرية.
و بعد انتهاء زيارة الرئيس الجزائري الأخيرة لنواكشوط، لحضور مؤتمر التشغيل في إفريقيا، بدأ الحليف الجزائري حملة إعلامية قوية ضد التجارة البين إفريقية – المغربية، عبر الترويج بأن موريتانيا قررت رفع الرسوم الجمركية على السلع و الشاحنات القادمة من المغرب، و أن التراب الموريتاني لن يكون بعد اليوم أرض عبور لهذه التجارة، لكن العدو المغربي أظهر نضجا استراتيجيا كبيرا، و كشف عن مشروعه الضخم، و كأن الزيارة الأخيرة لـ “تبون” هي التي عجلت بكشف أوراق مخطط بديل كان مكتملا منذ أزمة معبر الگركرات، حيث أعلن عن توقيع اتفاقية لربط بحري مع السينغال، و تفادي مرور الشاحنات عبر الأراضي الموريتانية، دون أن ترسل سلطات الرباط مبعوثها “بوريطة” إلى نواكشوط للتفاوض أو استجداء موريتانيا لخفض الرسوم الجمركية، بل أصبح شحن الحاويات على متن البواخر يتم بميناء أگادير و يتم إنزالها في ميناء دكار، و من هناك إلى باقي دول إفريقيا، و هو ما مكن التجار المغاربة من تحقيق أرباح إضافية، نتيجة تخفيض كلفة التنقل و الرسوم الجمركية من 15000 درهم للشاحنة الواحدة إلى 2000 درهم، و هذه الخطة تدخل كذلك في مشروع طريق التبر لربط دول الصحراء و الساحل بالأطلسي.
الربط البحري بين مينائي أگادير و دكار كشف شكل و وجه مشروع منح دول الساحل و الصحراء منفذا سيكون مؤقتا عبر ميناء دكار، بعدما أصبحت موريتانيا عقبة في وجه تحقيقه عبر ترابها، و من دكار إلى ميناء و مخازن أگادير في انتظار الانتهاء من أشغال ميناء الداخلة المحتلة، حيث ستكتمل رحلة تجارة التبر الإفريقي.
الوضع الحالي يقول أن موريتانيا خسرت المنتجات الفلاحية المغربية التي تعاظم ثمنها هذا الأسبوع في السوق المباشر للمواطن، و خسرت ثقة السلطات في الرباط التي سربت وثيقة كانت قد تسلمتها من الأرشيف الأمريكي، تقول أن تقريرا للمخابرات الأمريكية يخبر البيت الأبيض بأن موريتانيا خلال فترة حكم ” معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع” كان قد أبلغ خلال لقاء له مع القيادي الصحراوي “أحمد و لد منيح”، بأن نواكشوط لا تريد للصراع بين الرباط و جبهة البوليساريو أن ينتهي، حتى لا تتحمل تكلفة السلام و تستقبل اللاجئين و العائدين و المتخلى عنهم و المرضى…، و كأن الرباط تريد أن تبلغ موريتانيا بأنها على علم بما فيه نفوس سياسييها و تحترم خياراتهم، و أنها تتصرف وفقا لمصالحها، و أن مصالحها مع دولة السينغال حاليا… !!
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك