بـقـلـم:بن بطوش
عندما يتوقف هطول المطر تُصبح المظلة عبئ على الجميع…، هذا هو الوضع اليوم داخل قصر المرادية؛ فقد يكون هذا المقال شديد الوطأة على فخامة الرئيس “عبدالمجيد تبون”، لأن فيه من عتاب الأحبة ما يدفعنا للقسوة في الحكم، عطفا على المعطيات التي قمنا بتجميعها حتى نُمكّن القارئ الكريم سواء بأراضينا المحتلة أو بمخيمات اللجوء أو في مكة الثوار من رؤية الحقيقة بالمنظار الصحفي … هذا المقال سوف لن نجامل به أو عبره صقور قصر المرادية، خدمة لهم، و سنُقدم للرئاسة الجزائرية ورقة استشارية نُبرؤ بها ذمتنا الصحفية و نُخلِص بها النية للشعوب المغاربية.
ذلك أنه قبل كتابة هذا المقال كنا مثل باقي فضوليي العالم، منشغلين بحصار حلب السورية و كيف أصبحت – فجأة – هذه المدينة الجوهرة بين أيدي الجماعات الإسلامية المقاتلة للنظام في سوريا، و نحن هنا لن نناقش الانسحاب الغريب لمقاتلي “حزب الله” بعد توقيع اتفاق الهدنة مع الكيان الإسرائيلي، و لا كيف غادر “الحرس الثوري” الإيراني قصور “بشار الأسد” تجنبا لأي غضب من الرئيس الأمريكي الجامح الذي سيدخل البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة من الآن، و لن نفتح ملف سحب “فلاديمير بوتين” لغواصاته و سفنه و مدمراته و أنظمته الدفاعية قبل حصار حلب بساعات قليلة من موانئ سوريا، كما أظهرت ذلك صور أحد أقمار نظام “ستار لينك” المملوك لرجل الأعمال الأمريكي “إيلون ماسك”…، بل سنتحدث عن سقوط كتيبة كاملة على يد “الجيش الحر السوري”، المكوّن من جماعات إسلامية عمودها الفقري “تنظيم الدولة الإسلامية” و “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تسمى سابقا “جبهة النصرة”، و عدد من الأكراد و الدروز…، هذه الكتيبة التي سقطت تنتمي لـ”مغاوير النخبة في الجيش الجزائري”، و كيف تمكن الجيش السوري من استرجاع معظم الجثث و بقي يفاوض الآن على 120 جثة المتبقية… و هناك تسريبات جديدة تقول بأن عددا من الجنود الجزائريين لا زالوا محاصرين في ريف حلب و من ضمنهم مقاتلين من جيشنا الشعبي الصحراوي، كانوا تحت إشراف المستشار العسكري الإيراني بسوريا “بور هاشمي”، و تجري حاليا مفاوضات سرية من أجل السماح بخروجهم سالمين بوساطة تركية.
ما حصل لـ “مغاوير النخبة الجزائرية” ذكرنا بما حدث للجيش المغربي في حرب أكتوبر سنة 1973، حينما أمر “حافظ الأسد” أسراب الطائرات التي كانت توفر الغطاء الجوي للمشاة من الجنود المغاربة في الجولان بالعودة و التوقف عن الدعم، مما جعل الكتائب المغربية عارية أمام المدفعية و الطيران الإسرائيلي الذي لم يتردد في ارتكاب المجزرة الشهيرة، قبل تدخل الطيران العراقي لإنقاذ ما تبقى من الجنود على الجبهة…، لكن الاختلاف أنه في حرب 1973 كان العدو هو الكيان الإسرائيلي، و كتيبة “مغاوير النخبة الجزائرية” – مع كامل الأسف- هي اليوم تحارب السوريين و تدعم “بشار الأسد” ضد الثوار، و كانت تساهم في استباحة الدم السوري، و سقوطها في معركة “أبواب حلب”، دفع العديد من الحسابات العربية للتشفي في النظام الجزائري… !!
الكارثة التي حصلت في سوريا أضيفت إلى كشف حساب العهدة الاولي للرئيس “تبون”، الذي يبدو أنه تحول إلى مظلة مزعجة في يد الجيش بعد توقف أمطار الحراك الشعبي، خصوصا و أنهم حققوا به ما سعوا إليه من تغيير دستوري، و تمكنوا من تمرير بند إخراج الجيش الجزائري للمشاركة في عمليات خارج حدود الجزائر… !!، و هاهو اليوم يتحمل تبعات المجزرة التي حصلت في “كتيبة المغاوير” بسوريا، و الإعلام الجزائري الرسمي حتى كتابة هذه الأسطر لم ينعي القتلى الجزائريين، و هو منشغل بتلميع صورة الرئيس الجزائري “تبون” التي تلوثت بقرار اعتقال و تعنيف الصحفي “بوعلام صنصال “، حيث فتح الإعلام الفرنسي بسبب هذا المفكر الفرنسي ـ الجزائري باب المحرقة في وجه قصر المرادية، و بدأت محاسبة النظام الجزائري و إتهام “تبون” أنه لم يحقق للجزائريين تلك الوعود الكبيرة التي أقسم بأيمان غليظة أنه سينجزها في سنوات حكمة الأولى….
فلا قطار تمنراست سار على السكة، و لا منجم “غار اجبيلات” باع حديده للقوى الصناعية الكبرى، و آخر أخباره أن الجسر الذي كان سيربط بين المنجم و مدينة بشّار، الذي انتهى بناؤه قبل أسبوعين، إنهار و لم يصمد أمام أوزان الشاحنات التي تنقل التراب و الحجارة فوقه…، كما لم يسبق أن مر في زمن من حكموا البلاد قبل “تبون”، أن أصبح إنتاج اللبن و استخراجه من الحليب جريمة تتساوي في الأحكام مع جرائم صناعة السلاح و الكوكايين و الأقراص المهلوسة، فأصبحنا نسمع في عهدة الرئيس “تبون” الثانية، في سابقة بتاريخ الأمم عن تفكيك شبكات متخصصة في تحويل الحليب إلى لبن، و الحمد لله أن هؤلاء المتلاعبين بالحليب لم يفكروا في تحويله إلى زبادي (رايب) أو إلى أجبان…، و إلا لكانت التهم التي ستوجه إليهم تصل حد الإضرار بالأمن الداخلي للبلاد و محاولة إضعاف معنويات الجيش.
الرئيس “تبون” في عهدته الأولى – مع كامل الأسى و الأسف- فشل في استرجاع الجماجم التي وعد بإخراجها من متحف الإنسان بباريس و تكريمها بالدفن، و فشل في استرجاع”برنوص” و سيف “الأمير عبد القادر”، و لم يحقق الاختراق للمؤسسات العميقة في باريس الذي وعد به الجزائريين، و لم يتمكن من بلوغ الرقم الذي أخبر به العالم في تحلية مياه البحر، و اليوم نصف ولايات الجزائر بما فيها مخيمات أهلينا اللاجئين الصحراويين تسقى بالصهاريج التي تجوب الشوارع في مشهد يدمي القلوب، و كأن الجزائر عادت إلى الخلف عشرين سنة أو أكثر…
في عهد “تبون” انتهى الأمل في بناء المغرب العربي، و أطلق عليه رصاصة الرحمة حين أعلن عن قيام الإتحاد الشمال إفريقي، و الذي ضم تونس “قيس السعيد”، و نصف ليبيا التي يمثلها رئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد يونس المنفي” و الرئيس التونسي، و الغريب أنه لم تُستدعى إليها الدولة الصحراوية و لم يشارك فيها الأخ “إبراهيم غالي” رغم أنها مبادرة جزائرية محضة، الشيء الذي كشف وجود خلاف بين “المنفي” و الرئيس “تبون” عند استدعاء الدول للمشاركة بعد رفض نواكشوط و مصر الانضمام للتكتل تجنبا لأي إحراج سياسي أو دبلوماسي مع الرباط أو مع باقي دول العالم العربي.
خلال العهدة الأولى كان الرئيس “تبون” يحاول إظهار الجزائر في ثوب الدولة القوية، و كرّر في لقاءاته الصحفية أن الجزائر قوة ضاربة، لكن الرجل لم يكتفي بالقول فقط بل استحضر أبيات من الشعر لـتأكيد ذلك و أراد كذلك أن يفرض هذا المنطق على دول أوروبية و أخرى عربية، فشاهدناه جميعا يصف البرتغال بالدولة المتاحة و في المتناول، و هو التعبير الذي جعل البرلمان البرتغالي يجمد الاتفاقيات بالإجماع التي وقعها الرئيس الجزائري مع لشبونة، و في أوج هذا التباهي بالقوة تمكن النظام المخزني من تحقيق اختراقات كبيرة داخل الجزائر و نجح في كشف الأوراق التي تُلعب تحت الطاولة بين قصر المراية و مدريد، فكانت نكسة “قضية بن بطوش” التي قلبت كل الموازين و جعلت الدول الأوروبية تخضع لرغبات الرباط و تختار معاداة الحليف و كان آخرهم فرنسا “ماكرون”.
اليوم و عبر مواقع التوصل الاجتماعي يمكن لأي باحث بسيط أن يكتشف مدى غضب المواطن الجزائري من الوضع الاجتماعي ببلاده، و نحن هنا لا نزايد و لا نحاول تفجير الاحتقان، بقدر ما أننا ننبه قصر المرادية إلى أن الأمور وجب دراستها على وسائل التواصل الاجتماعي لاستدراكها، حيث يُفرِغ المواطن الجزائري كل أحقاده على الدولة، و يؤكد أن عصر “تبون” هو عصر الندرة و الغلاء و الطوابير…، و إن كان هذا التعبير الأخير (الطوابير) لا يروقني و أفضل استبداله بكلمة التقشف، الذي كان خيارا إستراتيجيا للرئيس “تبون” من أجل وقف نزيف العملة الصعبة و تقويم إعوجاج الميزان التجاري، لكنه خيار خطير، و المواطن الجزائري من يتحمل وزره حتى الآن.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك