القيادة الصحراوية تُناور لتهيئ الظروف المناسبة لإعلان وقف إطلاق النار دون الاضطرار لتبرير خسائرها في الحرب… !!؟
بـقـلـم:بن بطوش
كان أسبوعا غاية في القسوة على سمعة المواطن الجزائري؛ هذا الشعب الكريم الذي عانى و لا يزال يعاني بسبب شغف نظام بلاده بدعم الشعوب الثورية، و تورطه في قضايا تبعد عن حدوده بآلاف الكيلومترات، ذلك أن سجالا على المنصات اشتد بين نشطاء من الجزائر و عدد من الليبيين بسبب حرب المواقع داخل ليبيا، أو كما يحب إعلام التهويل المشرقي أن يسميها “حرب مطاردة الساحرات في صراع الأجهزة السرية”، حيث كشف التلفزيون الليبي أنه جرى اعتقال ثلاثة جزائريين من طرف عناصر مسلحة تنتمي لـ “جهاز دعم الاستقرار” بعد مواجهة بالذخيرة الحية معهم ، أثناء تواجدهم في شارع “عمر المختار” بطرابلس، و أنهم يتلقون منذ يومين العلاج في مستشفى شارع الزاوية، و أن أحدهم في وضع صحي حرج، و تنتظر سلطات ليبيا تحسن حالتهم لإخضاعهم للاستنطاق، بعدما تبين بأنهم ضباط من جهاز الاستعلام العسكري الجزائري الـ DRS، و أن تواجدهم في ليبيا غير قانوني و لا يُعرف كيف تسللوا إلى تراب البلاد، فيما لا تزال السلطات الجزائرية لم تُصدر أي بيان يُفسِّر تواجد ضباط من جهاز DRS بطرابلس و بطريقة غير شرعية.
مشاكل النظام الجزائري لم تتوقف هنا، إذ نشرت سفارة النيجر بشكل رسمي بيانا لها تطالب فيه رعاياها بالخروج الفوري و بشكل مستعجل من التراب الجزائري، و قالت أن الجيش الجزائري أصبح يستهدف المهاجرين من دولة النيجر للضغط على نيامي من أجل العودة إلى الحلف القديم و الخروج من طريق التجارة الأطلسية، …. و حتى تزيد الجزائر من ضغطها على النيجر، عمدت – حسب الإعلام في نيامي- إلى شحن النظام التونسي الذي بادر إلى طرد المهاجرين النيجيريين بطريقة وحشية، و تم التخلي عنهم وسط الصحراء الكبرى دون تمكينهم من أدوات العيش، و أشهرت فوهات البنادق في وجوههم لمنعهم من الدخول مجددا إلى التراب التونسي.
النيجر الرسمية، و ردا على هذه المعاملة التي يلقاها مواطنوه المهاجرين من السلطات الجزائرية، قالت أنها راسلت الأمم المتحدة و مجلس الأمن و مجلس حقوق الإنسان في جنيف، و أنها تعتزم مقاضاة النظام الجزائري في المحكمة الدولية، و هي بصدد إجلاء رعاياها من الجزائر و تونس و حتى ليبيا حيث يُجنَّدون تحت التهديد، و أنها ستُشدِّد الحراسة الحدودية مع دول شمال إفريقيا، و ستتعامل بحزم مع كل التجاوزات التي ستصدر عن النظام و الجيش الجزائريين في المستقبل، و إن كلفها الأمر الدخول في حرب حدودية.
هذا الوضع الملتهب بأطراف الحدود الجزائرية، يؤكد أن منطقة الصحراء الكبرى أصبحت بيئة خصبة لإطلاق شرارة النزاعات و الصراعات، و رعاية بيضها من أجل تدمير الشعور بالأمن و السلم، و يُفسِّر كذلك الصرامة التي يتبناها جيش المحتل المغربي في تعامله مع تواجد أي شخص عسكري أو مدني في المنطقة التي كانت تعتبرها قيادتنا أراضي محررة، حتى تظهر الرباط في ثوب السلطة المتحكمة في المنطقة و أنها تخدم السلم و الأمن العالميين، فيما جيشنا الشعبي و قيادتنا الصحراوية في الرابوني أصبحا يظهران إعلاميا في صورة التنظيمات و المليشيات الفطرية التي تقتات من الاضطرابات و التوترات و عدم الاستقرار…
هذا الواقع الذي فرضه جيش الاحتلال المغربي نتيجة تهور القيادة الصحراوية في إعلان الحرب عقب نكسة الگرگرات في 13 نوفمبر 2020، أعجز هذه الأخيرة و يدفعها حاليا إلى التفكير في إعلان وقف إطلاق النار تحت طائلة الاضطرار، و قد يجد حُكّام البيت الأصفر فتوى سياسية أشبه بـ “إعادة الانتشار” التي استخدموها سنة 2020 للتغطية على الانسحاب من منطقة الگرگرات، كي يُقنعونا بخيار العودة إلى اتفاق سنة 1991، خصوصا و أن صقور البيت الأصفر طرحوا للنقاش مسالة العودة إلى الالتزام بوقف إطلاق النار من منتجعات إسبانيا، أين قرروا الاستقرار مع عائلاتهم و متابعة أخبار القضية الصحراوية و صياغة بيانات الاقصاف، و هو الخيار الذي سيُشكل في حال طرحه خيبة أمل للشعب الصحراوي، و سيعتبره المقاتلون في الجيش الشعبي الصحراوي، استسلاما مذلا…. و قد بدأت بوادر هذا الاحتقان من خلال الخطاب الخطير للقيادي الصحراوي “البشير مصطفى السيد”، الذي خرج به مؤخرا (2024.04.28)، في خضم الندوات لتعميم مخرجات اجتماع الأمانة الوطنية، حيث حرض الصحراويين المقيمين تحت الاحتلال المغربي على القيام بتفجيرات بمدن الصحراء الغربية (سنعود لهذا الموضوع في مقال لاحق).
و حسب ما توصلنا به على هذه المنصة الحرة، عبر نقاش مطول مع عدد من الصحراويين في مختلف أسلاك الجيش و مؤسسات الدولة الصحراوية، تبين أن القيادة في الرابوني تعاني من ضغط رهيب بسبب أعداد الشهداء الذين سقطوا بشكل يومي تقريبا في معارك ضد مسيرة واحدة، و بسبب ظهور تيارات شبابية داخل المخيمات ترفض التجنيد و تطالب بالمساواة في الموت مع أبناء القيادات الذين يرغدون في النعيم الإلدورادو الإسباني، و ينشرون صور احتفالاتهم و مشاريعهم و أعراسهم…، فيما المستضعفون في المخيمات ينتظرون دورهم في طوابير الموت و هم يواجهون المُسيِّرة الملعونة.
ما جاء في النقاشات من تبريرات على لسان قياديين اختاروا المشاركة في غرف النقاش للدفاع عن قرارات القيادة بالرابوني، و الادعاء أن هذه الأخيرة انتصرت في هذه الحرب على نظام الاحتلال المغربي بدليل أنه بدأ يطالب بالعودة إلى طاولات الحوار، و هذا النوع من الادعاءات هو مجرد صفير في الظلام لإبعاد المخاوف؛ لأن القيادة الصحراوية وجدت نفسها أمام الاختبار الأخلاقي التاريخي الأهم، و عليها أن تقدم لنا كشف حسابها في هذه الحرب، و أن تخبرنا عن حصادها، و ما جلبته لنا و للقضية الوطنية من منافع مقابل الأرواح التي أزهقتها مسيرة الشيطان “يعني” داخل الثقب الأسود للأراضي المحرمة، حيث لا تزال نصف جثت الشهداء في العراء تنتظر من يكرمها بالدفن.
القيادة الصحراوية – حسب ما جاء على لسان مسؤوليها من منفاهم العاجي في إسبانيا- و انتصاراتها التي تسوقها بفكر أنها من جعلت المحتل المغربي يجنح إلى المطالبة بالحوار تحت رعب بيانات القصف و الدك، يؤكد لنا أن ثمة أمر جلل في عمق القضية، و أن القيادة الصحراوية و على عكس المتداول فهي ترمي المنشفة البيضاء، بعدما اكتشفت أن الفرق بين عتاد الجيش الصحراوي و جيش الاحتلال المغربي يساوي نصف قرن من التطور، و أن أرمدة جيش الرباط هي من المستقبل، و لا قبل لنا بها، و أن خلف جدار الذل و العار يوجد قوم جبارين بتسليح متطور جدا يسمح للرباط بموازنة الرعب مع مدريد، و أن كل ما تخبرنا به هذه القيادة من فَرضٍ للشّروط مجرد أحلام و أوهام، لأن الرباط ترفض جملة و تفصيلا الجلوس مع القيادة الصحراوية على طاولة المفاوضات، لقناعتها أن الوجوه الصحراوية تحضر إلى الحوار و لا تحضر معها سلطتها على القرار، الذي تتركه في ثكنة عنتر.
الرباط تطالب بالجلوس مع الجزائر، و تعرف أن هذه الأخيرة ترفض الجلوس على الطاولة كطرف، و إذا ما حصلت الراوية الصحراوية و أُعْلِن أن المفاوضات ستعود بين الرباط و القيادة الصحراوية، فعلينا أن نعلم بأن الجزائر قد تقبلت فكرة أنها طرف في النزاع، و أن الرباط ستقترح على الجزائر نفس المقترح الذي فازت به دول الساحل و الصحراء، بحصولها على منفذ إلى ميناء الداخلة، أما نحن الصحراويون فأظن أن العالم اتفق على جرنا إلى خيار “الحكم الذاتي” الذي تتمنى الرباط أن أن تواصل قيادتنا رفضه، لأن الوقت في صالح المحتل المغربي، حيث تقول المؤشرات الديموغرافية أن أزيد من 4/3 البنية السكانية لمخيمات تندوف، ستصبح من مواليد خارج الصحراء الغربية، بمعنى أن النسيج السكاني سيصاب بالتشوه، و سيصبح اللاجئون شعب مخيمات و لا تربطهم بالصحراء الغربية غير قصص و روايات الأجداد، و حتى في حالة القبول بالحكم الذاتي، ستكون تلك الأجيال الصحراوية التي ولدت بأرض اللجوء غريبة عن الصحراء الغربية، و ستبقى دوما تحن لخلاء تندوف و لرغيف اللجوء…، صدقوني هذا ما جنته علينا قيادتنا، و هذه قناعتها التي جعلتها تفكر في الجنوح للسلم أو لنقل دوافعها للاستسلام بعدما حولتنا إلى شعب لجوء و شتات.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك