الرباط تمنع نقل مقر الأمانة العامة للإتحاد البرلمانات العربية من دمشق… و الأخيرة ترد الجميل بإغلاق مقر السفارة الصحراوية
بـقـلـم : بن بطوش
يقول أحد المقهورين من أهالينا في أرض اللجوء، ممن سكن الوجع فؤاده عندما سمع أن رتلا يضم أصدقاء و أقرباء له تخلف عن مصاحبتهم بسبب المرض، قد هلكوا في قصف لطائرة مسيّرة لجيش الاحتلال المغربي، و بعدما نقل إليه الناجون توصيف مشهد القصف و جحيم العدوان، كشف لنا في غرفة النقاش أنه فقد الشغف في الحياة و أنه حزين لأنه لم يُهلك معهم كي ينجو من هذه المعاناة، و يُضيف أنه يحسد الذين استشهدوا، و أن عزاءه الوحيد لتحمل ما تبقى له في هذه الحياة، أن الله خلق الحساب و أن الله سيقتص من “الهنتاتة” و أنه و كل الصحروايين سيقفون خصوما لهم يوم الحساب.
هذه العبارات كانت من مداخلة أخرى في غرفة للنقاش على منصة X، جعلت الجميع يصمت و يصيخ السمع لمعاناة هذا الشاب الثلاثيني الذي يقول أنه لا ينام الليل، منذ أن هلك أصدقائه و رفاقه و بعض أبناء عمومته، و هم في مهمة عسكرية بسلاح بدائي، مشحونون بخطاب النصر أو الشهادة… الخطاب الذي كثيرا من كان سببا في هلاك أرتال من خيرة الشباب الصحراوي، و هو الخطاب الذي يتقنه البيت الأصفر الفاشل لحشد العزيمة بين الشباب، و يُبدع فيه القادة العسكريون الذين يرسلون أبناءهم إلى جنان أوروبا للدراسة و الاستجمام أو إلى أمريكا اللاتينية لإطلاق المشاريع…، بينما أبناء المسحوقين تمنح لهم البندقية، و يُرسلون باسم الوطن و القضية إلى أم المهالك، لمنازلة الشيطان “يعني” الذي يرانا هو و قبيله من حيث لا نراه.
لهول هذا الاعتراف اخترنا لك أيها القارئ الكريم حكمة يونانية المنشأ، تقول أنه حين يقود القافلة رجل أعمى، يصبح كل منعطف إنجاز… !!، تأمل معي عمق الحكمة هنا، لهذا لا يجب علينا كصحراويين الاستغراب و الانزعاج حين تُجيِّش القيادة كل صحافتها و جمعياتها و دبلوماسييها و سياسييها و معتقليها و “هنتاتييها” لتحويل حدث تعيين كبير الهنتاتة، “خطري أدوه”، سفير الدولة الصحراوية في الجزائر إلى نصر عظيم، و تتجاهل حدث إغلاق النظام السوري الجديد، بقيادة “أحمد الشرع”، لمكتب السفارة الصحراوية بالعاصمة دمشق، و لا تُعلق على هذا الاختراق الدبلوماسي مثلما لم تُعلق على انهيار العلاقات الكينية الصحراوية، لأنه و ببساطة الذي يقود هذه الدولة الصحراوية رجل لا تشتغل أي حاسة من حواسه، رجل ميت سياسيا و دبلوماسيا و إستراتيجيا… !!، رجل يأكل الخبز و يسافر بين المستشفيات.
هذه القيادة تشعرنا أنها غير مبرمجة للمنطق، بينما على الضفة الأخرى نرى المحتل المغربي يتحرك وفق منهجية و عمل و خطط و دراسة و إستراتيجيه، مما يعطي الإيحاء على أن المواقف الدولية التي تتماشي مع مخططاته تبدو كصفقات تعقد في الزوايا المظلمة، بمعنى أنه قبل حوالي الأسبوع قامت الدبلوماسية البرلمانية للرباط عند مشاركتها في قمة للأمانة العامة البرلمانية العربية بالجزائر، من إجهاض مشروع جزائري يهدف إلى نقل مقر الأمانة العامة للبرلمان العربي من دمشق إلى الجزائر، و كانت الخطوة ستشكل منعطفا في المشاركة الصحراوية بهذا البرلمان، أي أن الحليف كانت غايته من نقل هذا المقر إلى العاصمة الجزائرية، هو معاقبة النظام السوري ثم بدأ التحضير لمحاولات إيجاد صيغة، يتم بها إشراك الدولة الصحراوية في الاجتماعات المقبلة من أجل تحقيق اختراق عربي للقضية، و تواجد المقر في الجزائر سيحمي خط الظهر لقصر المرادية، حتى لا تقوم الإمارات العربية و الرباط بعمل نفس الخطوة و جر ممثلي دولة لقبايل إلى اجتماعات هذه المنظمة.
لكن الرباط اعترضت على الفكرة و دافعت بقوة في قلب الجزائر لإبقاء على المقر في دمشق، بمبرر أن النظام السوري غير مشارك في هذا الاجتماع، رغم أن جميع الدول العربية لم تبدي أي معارضة لنقل هذا المقر، غير أن الرفض المغربي كان بمثابة فيتو أحرق الخطة الجزائرية، و جعل باقي الدول العربية ترى تحريك المقر من دمشق استهدافا للنظام السوري و محاولة لهز شرعيته، و تناقلت القنوات الدولية و صحافة العالم مداخلة النائب الأول لمجلس النواب بالمغرب، “محمد الصباري”، الذي تحول إلى بطل قومي لدى الرأي العام السوري.
و حتى يرد النظام السوري على الموقف المغربي الذي بدا بطوليا في نظر الذباب السوري و العربي و قد سُجّل داخل الجزائر، عمدت دبلوماسية “الجولاني” إلى استقبال بعثة دبلوماسية مغربية، قيل في الإعلام الشامي أنها بعثة وصلت إلى دمشق لإعادة فتح سفارة المغرب، ليتم مرافقتهم من طرف دبلوماسيين سوريين إلى مقر مكتب تمثيلية الدولة الصحراوية التي كانت تعمل في عهد الرئيس المطاح به “بشار الأسد”، و ثم بث صور المقر الذي بدا موصد الأبواب و مهملا، و من سخرية الموقف أنه بدا متشابها إلى حد كبير في حالته و شكله بأستوديو DISCO MAGHREB، الذي سبق و زاره الرئيس الفرنسي “ماكرون” عند حلوله بالجزائر، و كأنه مقر الدولة الصحراوية في دمشق كان قد وضع لصناعة البروباغندا كما تصنع الأغاني التي تموت به شهرتها بأسبوع…
مشاهد إغلاق التمثيلية الدبلوماسية للدولة الصحراوية ثم إذاعتها على المنصات و القنوات و في محطات الأخبار، و وصل صداها إلى الإعلام الأمريكي و الألماني، حيث خصصت القناة الألمانية DW تقريرا مصورا يظهر كيف حصل التحول في الموقف السوري بخصوص القضية الصحراوية من نظام “بشار” إلى نظام “الشرع”، و قالت مقدمة الأخبار التي نشرت التقرير بأن خسارة النظام الجزائر لعلاقاته مع “احمد الشرع” كان وراء تخلي سوريا على جبهة البوليساريو الذي وصفه التقرير بـ “التنظيم المرتبط بالحركات الإرهابية”، و كأن القيادة الصحراوية مجرد حركة مسلحة تخضع للأهواء الإستراتيجية للنظام الجزائري و يديرها قصر المرادية نحو الاتجاهات التي يريد تهديدها…، و ليست قضية شعب يبحث عن تقرير مصيره و هنا أصل الكارثة.
تواصلنا مع العارفين بالشأن الصحراوي و القريبين من مركز القرار و من غربان البيت الأصفر المقهور، ممن أبلغونا أن لا أحد من أعضاء “الأمانة الوطنية” الذين تم اختيارهم في المؤتمر الأخير أو من حكماء القضية يستطيع مناقشة قرار السلطات السورية، أو بعبارة أدق لا أحد يمتلك الجرأة لمحاسبة كبير “الهنتاتة” على هذا الفشل أو حتى لسؤاله من أجل فهم الأسباب، لأن الجميع لا يزال مكتئبا و لم يهضم خيبة الأمل التي تسبب فيها الموقف الكيني، و الكل يعتبر أن القضية تمر بمنعطف خطير جدا، لأنه في ظرف أسبوع أعلنت كينيا دعمها للرباط و تخليها على القضية الصحراوية، و أعلن “الشرع” إغلاق مقرنا في دمشق و فتح سفارة للرباط، و أعلنت السلفادور أنها ستفتح قنصلية بمدن الصحراء الغربية، و حاصرت موريتانيا المواطنين و المقاتلين الصحراويين و منعتهم من استخدام أراضيها دون تصريح، و أحرق سلاح “يعني” الشيطاني رتلا من المقاتلين في الأراضي المحرمة، و تم فتح مقر تابع للسفارة الفرنسية ليقدم خدمات التأشيرة في مدينة العيون المحتلة، و خرجت علينا بريطانيا بموقف متقدم لصالح الرباط (الموقف الجديد لبريطانيا سبق و أن توقعنا حدوثه و سنعود لمناقشة تفاصيله في مقالنا المقبل)…
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك