بـقـلـم:بن بطوش
عندما بدأ الكيان الإسرائيلي الغاصب حربه على مستضعفي غزّة بحجة القضاء على مقاتلي حركة “حماس”، حينها قال “محسن رضائي” (مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاقتصادية): “أتمنى أن تجرؤ إسرائيل على ارتكاب خطأ وتعطينا ذريعة لنمحوها عن الأرض…”، و مع بداية هذا الأسبوع قتل الجيش الإسرائيلي سبعة قيادات من “الحرس الثوري” بعدما سوّى مبنى سفارة إيران في دمشق بالأرض و دفن كل من كان بداخلها، و بلغة القانون الدولي فإن إسرائيل بقصفها السفارة الإيرانية تكون قد استهدفت أرضا تحت سيادة طهران…، لكن الرد من إيران كان غريبا و عجيبا… !!!؛ حيث قرر النظام الصفوي تحريك مسيّراته و صواريخه و ميلشياته على الأرض ليس لضرب تل أبيب، ولكن لدك بلدة سرمين شرق مدينة إدلب السورية، و هو الهجوم الذي أسقط عددا من الأطفال السوريين الأبرياء تحت ذريعة الانتقام من السُّنِّيين بسوريا الذين اتهمتهم إيران بإغضاب إسرائيل و استدراجها إلى سفارتها في دمشق، كي تقلب سافلها أعاليها و تقتل قيادات الحرس الثوري الذين كانوا يجتمعون فيها.
حتى الآن لم تجرأ أي دولة من محور الممانعة، بما فيها قطر/”تميم” و جزائر/”تبون” و تونس/”قيس”…، على إدانة الهجوم الإيراني ضد سكان بلدة سرمين السورية، فقط الميلشيات التابعة لطهران هي من أدانت الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية؛ “حماس” و “حزب الله” و “الحوثي” و “الحشد الشعبي”…. فيما تترقب قيادتنا الصحراوية في الرابوني ما ستؤول إليه مواقف الحليف الجزائري كي تحتمي ورائها و تتخندق معها، خصوصا و أن الهجوم الإسرائيلي زامن تصريحات الرئيس “تبون”التي لا تزال ساخنة على مواقع التواصل و وسائل الإعلام و الصفحات…، بعدما قال قبل ساعات قليلة من بداية كتابة هذا المقال أن الجزائر حازت احترام الدول العظمى (في إشارة إلى واشنطن التي يرى الرئيس الجزائري أنها تبادله مشاعر الحب و التقدير…)، ثم أن ساكن قصر المرادية يعرف أن الخروج بموقف داعم لإيران و يدين إسرائيل في هذا التوقيت المشحون سيكون مُكلِفا جدا لبلاده، و قبل أن يخُط وزير الخارجية “عطّاف” كلماته لدعم إيران ، ستكون واشنطن قد حرّكت منظماتها الحقوقية و بدأت المحاكمات في الملفات السرية و جهز الكونغرس لائحة عقوباته…
الرئيس الجزائري عاد بعد فترة غياب ليخرج على الشعبين الجزائري و الصحراوي بلقاء صحفي، استهله بلازمة: “كما هي العادة ما فيهش تحفظ، ما فيهش طابوهات…”، و هي العبارة التي أعطتنا الانطباع بأن الرجل سيُخصص هذا اللقاء للجواب على تساؤلات الشعوب بالمنطقة، و سيشرح لنا ما حصل في تندوف و كيف فقد الرئيس “الغزواني” حارسه الشخصي في حادث غريب داخل تراب الجزائر بعد تدشين المعبر البري بين البلدين، و أنه سيكشف لنا أسباب اضطراره لفتح مكتب لـ “حركة الريف”، و سيُطلعنا على مدى تقدم الجزائر في مفاوضاتها مع باريس لأجل إلغاء اتفاقية الذل “إيفيان” التي ترهن استقلال الجزائر، و سيُحدثنا عن خطته لنصرة الشعب الفلسطيني و إيقاف المجاز هناك، و كيف سيُهدد الإسبان و يتوعدهم كي يفرمل عملية نقل إدارة المجال الجوي للصحراء الغربية من مدريد إلى الرباط.
كانت انتظارانا كشعب صحراوي من هذا اللقاء بحجم الجبال، لكن “تبون” أراد اللقاء أن يكون حملة انتخابية سابقة لأوانها للظفر بعهدة ثانية، و وعد الجزائريين بأنه سيضاعف لهم أجورهم لتصل إلى نسبة 100%، و وعدهم بحياة الترف و أنه سيجعل الناتج القومي الجزائري يتجاوز الـ 400 مليار دولار في أفق نهاية سنة 2025 و بداية 2026، و سيُحوِّل ولاية أدرار إلى مزارع و مراعي و جنات عدن تنتج مساحيق الحليب بكل أشكالها بعد أن وعد بإنشاء مزرعة لذلك مساحتها 100000 هكتار، و قال أنه سيجعل قيمة الدينار منطقية، و قدم رقما خرافيا بأنه سينقل قيمة الدينار الجزائري من 140 دولار إلى 100 دولار، حتى ظننا بأن عملة الجزائر هي البيتكوين أو الدينار الأموي الذهبي، و وعد ساكنة القسطنطينية بزيارتهم، و اعترف لهم بحبه و احترامه، و أضاف أنه سيزور ثلاث أو أربع ولايات جزائرية، استثنى منها منطقة لقبايل دون أن يبرر هذا الاستثناء….
و بينما هو يكشف عن مخططاته للولاية الثانية، رغم أن كلامه فيه تناقض كبير مع إجابته على سؤال الصحفي إن كان سيترشح مرة أخرى؟، حيث اكتفى بالقول: “الحديث عن عهدة ثانية سابق لأوانه”، نسي أن يُقدم للشعب كشف حساب ولايته الأولى، و أن يخبرهم عن أسباب تبخر مشروع قطار تمنراست، و أين ذهبت مصانع السيارات و الطائرات و منجم غار الجبيلات، و لا يزال سكان الجلفة ينتظرون المستشفى الجامعي و أن تصبح مدينتهم من العواصم الكبرى كما وعدهم الرئيس “تبون”، و لا زال أهلها ينتظرون زيارته للمداشر كي يتعرف إلى أوجاعهم التي وعد بمعالجتها سنة 2019.
كان هذا الجزء المكشوف من حواره الصحفي، لكن جزء الغامض كان يتضمن رسائل مزعجة لنا كصحراويين، رغم أنه غلّفها بخطاب تقليدي كلاسيكي يضعه كمرهم على جراح هذا الشعب الكريم و المُهان، بأن “القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار”، لكنه أضاف كلمات تحتاج إلى القراءة السليمة و المتأنية، حيث قال أن حل القضية لا يحتاج إلى التهديد و القوة بل إلى بعض الذكاء و الحكمة…. في إشارة منه إلى أن ما تقوم به القيادة الصحراوية اليوم من حرب مجرد وهم، و أن قرار استئناف الكفاح المسلح الذي أقدمت عليه قيادتنا في 13 نوفمبر 2020 كان خطئا استراتيجيا، و الدليل أننا في سنة 2024 و لم نحقق أي تقدم، فقط خسائر في الأرواح و المعدات و فقدنا الأراضي المحرمة للأبد.
و يرى الرئيس الجزائري من خلال ما يُفهم من تلميحات كلامه أن الحل حسب إشاراته هو القبول بالمتاح و المعروض على مائدة المقترحات…، و هذا الكلام يتنافى و لا يطابق ما قاله الوزير “عطّاف” قبل أسبوع من هذا الحوار، حين هاجم الرباط بلغة متشنجة و وصف حديث الإعلام المغربي عن طي الملف الصحراوي بالأوهام، و استدل على ذلك بأمرين؛ استمرار تداول الملف باللجنة الرابعة و العشرين بالامم المتحدة، و تواجد بعثة “المينورصو” بالمنطقة.
هذا اللين في موقف الرئيس الجزائري من قضية الصحراء الغربية بدا و كأنه محاولة لترطيب مواقف الرباط، كي يتم جرُّها إلى المشروع الذي اسماه “تبون” بإنشاء “كيان” في شمال إفريقيا موازي لاتحاد المغرب العربي، نواته – بالإضافة إلى الجزائر صاحبة المشروع- تتكون من رئيس المجلس الرئاسي الليبي و الرئيس التونسي، و قال أن هذا “الكيان” غير موجه ضد أي بلد، و أن الباب مفتوح للعضوية، في دعوة غير مباشرة إلى الرباط و نواكشوط من أجل الانضمام إليه و إعادة تشكيل اتحاد المغرب العربي برؤية جزائرية،…. ليصبح السؤال ما جدوى هذا الاتحاد الذي لا يعرف أحد اسمه و أشارإليه الرئيس “تبون” بـ “الكيان”؟؟؟؟، وما إذا كان سيضم نفس دول المغرب العربي أم ستنضم إليه كذلك قيادتنا الصحراوية…؟!!
و قال الرئيس الجزائري بأسف أن الجار الغربي ( في إشارة إلى المغرب) و موريتانيا اختارا طريقا مختلفا، و هو الأسف الذي أظهر مدى تأثر و استياء النظام الجزائري من مبادرة الرباط لإنشاء حلف أطلسي إفريقي يضم حتى واشنطن و لندن و مدريد، و أيضا مبادرة محور الأطلسي الموازي لدول الساحل، يصل بهم إلى موانئ الصحراء الغربية و نواذيبو.
التغيُّر النسبي في الموقف الجزائري نجد تفسيره في أجوبة الرئيس الجزائري الذي قال أن لجنة مشتركة بين الجزائر و فرنسا تعمل على ملف الذاكرة، و كأنه اختزل الخلاف مع فرنسا في هذا الملف، و كان القياس أن تناقش اللجنة المشتركة بنود اتفاق “إيفيان” المجحفة في حق مقدرات الشعب الجزائري، و هذا اعتراف يؤكد ما قلناه في مقالاتنا السابقة، بأن باريس لا تفاوض الرباط منفردة، بل تفاوض و تُبلِّغ الجزائر بنتائج هذه المفاوضات، و تضغط على قصر المرادية لابتلاع الطعم و القبول بموقف فرنسي، ينهي الجدال في قضية الصحراء الغربية لصالح الرباط.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة