بـقـلـم:بن بطوش
في واحدة من العبارات الأشد مرارة قال الراحل الجميل “محمود درويش”: “ربما لم يكن شيء مهما بالنسبة لك، لكنه كان قلبي”… ، و نحن نقول لساكن قصر المرادية ربما لم تعني لك القضية الصحراوية أكثر من معركة مع جارك اللدود، و ورقة تقنع بها بعض الجنرالات أنك رجل المرحلة و صاحب الزمان و القادر على كسرة شوكة و هيبة الرباط …، لكنها بالنسبة لنا كصحراويين تعني كل شيء… !!؛ فهي الوطن و الوجود و الماضي و الحاضر و المستقبل…، هذه القضية التي التهمت الأعمار و رمّلت النساء و يتّمت الأطفال و هجّرت و شرّدت كل الأجيال من هذا الشعب الكريم… و لا زلنا نؤمن بها، هذه القضية هي نحن و إن كانت جزؤنا المريض و المؤلم …
فقبل أسابيع من الجلسة الأممية باللجنة الرابعة، روّج الإعلام الجزائري الرسمي و الموازي على المنصات الاجتماعية، أن ثمة طبيبا بيطريا يدعى “محمد دومير” يمتلك أسرارا خطيرة ضد المحتل المغربي ستقلب الموازين، و إن كنا نعلم أن جميع الاجتهادات التي يقوم بها الحليف الجزائري منذ المجيئ بالرئيس الحالي “عبد المجيد تبون” كانت تنتهي إلى كوارث و نكسات، و تشبه التجارب الكيماوية الفاشلة التي تخلف غازات في المختبر تهدد حياة من يحاول استخدامه للقيام بتجربة أخرى…، و بالفعل ظهر الطبيب البيطري في أروقة الأمم المتحدة و كان إلى جانبه حارسان، حتى لا يتعرض الرجل لأي عملية مضايقة أو هجوم من شأنه أن يحول بينه و بين إلقائه لمداخلته، و حين جلس داخل الصرح الأممي العظيم، ظهرت عليه ملامح الفزع من فخامة المكان، فأخرج ملف به بضع ورقات و قال أنها وثائق تثبت بأن “السلاطين في مملكة مراكش تخلوا عن الصحراء الغربية”…، فتعجب الحاضرون و تساءلوا مستغربين و هل هذه الجلسة تخص سلاطين دولة غير موجودة بالأمم المتحدة تسمى “مراكش” أم لملف الصحراء الغربية بين المغرب و جبهة البوليساريو… !!؟، ثم أين تقع تلك المملكة التي وصفها بمراكش؟…، و كان البيطري يظن أنه يُهين المحتل المغربي بتلك العبارات و يكشف أمرا عظيما، لكنه تسبب في إرباك الحاضرين داخل القاعة، لدرجة أن المترجمة تجاوزت العديد من الجمل و العديد من العبارات التي نطقها، لأنها أحست أن الرجل ربما يتحدث عن أمور لا تعني الأمم المتحدة.
انتهى البيطري من كلمته التي لم تترك لنا طحينا رغم ما سبقها من جعجعة في الإعلام الجزائري، و تلته بعد ذلك مداخلة لامرأة جزائرية، ظننا أنها ستكون بالمستوى الذي ينسينا التفكير البهائمي للبيطري، الذي لم يفهم بأن الكلام بالأمم المتحدة يختلف كثيرا عن مناظرات السب و الشتم على مواقع التواصل الاجتماعي، و كانت المتحدثة الجزائرية تحمل إسم “نوريا حفصي”، لكن بدورها غرّدت خارج السرب و هي تخرج كل العنف و السماجة التي في قلبها و تغرق الجلسة في الجدال الأخلاقي بالكلام الهابط…، فطلبت ممثلة دولة الاحتلال المغربي إيقافها و طردها، فكان ذلك، و جرى طردها بشكل مهين لسمعة بلد من حجم الحليف الجزائري، الذي تحركت دبلوماسيته بالطول و العرض لمنع طردها و إعادتها إلى الاجتماع في اللجنة الرابعة، لكن القرار كان نهائيا و الجميع داخل القاعة رفض عودتها، و انتصرت دبلوماسية الاحتلال بجولتين لصفر….
بعد الحادث حاولنا التعرف على المرأة و عن تاريخها الدبلوماسي و النضالي و الحقوقي، و ظننا أننا سنجد ما يشفع لعثرتها…، خصوصا و أنه جرى تقديمها كرئيسة “الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات”…، لكن المفاجئة هو أننا عثرنا على معلومات مهينة؛ فالمرأة متابعة داخل الجزائر في قضايا فساد و دعارة، و أنها امتهنت الدعارة الراقية لسنوات طويلة…، و بعد تقاعدها تحولت بقدرة خرافية إلى دبلوماسية متخصصة في مد القيادات العسكرية و بعض السياسيين بخدمات جنسية عبر تدبير رغباتهم، و تقديم بنات من داخل المخيمات إليهم، مستعينة في ذلك بقدرات مستشارة الأخ القائد “إبراهيم غالي” على إقناع الأسر بإرسال بناتهم من أجل جهاد النكاح، و أيضا عبر ترطيب مواقف “الهنتاتة” بالسخاء المادي و الوعود… !!
بعد تأمل مشاركة البيطري و المومس، أكاد أجزم أن الحليف الجزائري سيُرسل مستقبلا “شوشع” للمرافعة على القضية الصحراوية، لذلك اعتقد بأن الحليف يرد ان ينقل قضيتنا الوطنية من “مرحلة الثورة” إلى “مرحلة الشوشعة”، و هو الأمر الذي جعلني أتساءل عن سبب الوضع المتردي الذي جعل قضيتنا الوطنية تتحول إلى مرتع لمثل هؤلاء العاهات البشرية؟؟؟!!!، فما حكّ جلدك مثل ظفرك … حيث كان القياس أن يترافع على القضية أهلها و خاصتها و المعنيون بملفها من أبناء الصحراويين من اللاجئين أو الجاليات، كما يفعل المحتل المغربي الذي أرسل شبابا من أبناء الصحراء الغربية ليترافعوا على طرحه، و تابعنا كلمتهم و شاهدنا أناقتهم و غبطنا ألمعيتهم…، و تأسفنا على تموقعهم في الضفة الخاطئة…، لكن حزننا كان عظيما و نحن نرى حال من يترافع على قضيتنا، و حتى المناضلين الذين هاجروا من مدن الصحراء الغربية، كـ “محمد عبادي” من السمارة المحتلة و “أحمد بابا أعمر” الملقب بـ “حمزة” من الداخلة المحتلة ، فشلوا و للأسف في أقناعنا كصحراويين أصحاب قضية عادلة بما قالوه، فكيف لهم أن يقنعوا ممثلي دول العالم…، ضعف الطالب و المطلوب.
و كما يقول المثل العربي، إذا رأيت رب البيت للدف ضاربا، فلا تلمن يوما الفتيان على الرقص؛ ذلك أنه عند متابعتنا لحوار الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” في اللقاء الدوري مع الصحافة الجزائرية، و خلال حديثه عن الدولة الصحراوية و ملفها المعقد…، قال أن هذا الملف بيد اللجنة الرابعة بمجلس الأمن، و أظهر الرجل أنه لا يعرف أن اللجنة الرابعة توجد بالجمعية العامة الأممية و ليس بمجلس الأمن…، لهذا لا ألوم البيطري و لا ألوم المومس التي ترافعت عن شعب كريم و طاهر، بل ألوم البيت الأصفر المغيب، الذي انشغل بتحصيل الأموال و التجارة “الكزوار” و حروب السيطرة على خطوط إمداد المخدرات…، و نسي تكوين كوادر للدفاع عن شرف هذا الشعب و طموحاته و أحلامه و مستقبله، و ترك الأمر بين يدي قصر المرادية الذي ملئ الفراغ بما لا يناسب.
هذه الأحداث المؤسفة لقضيتنا صادفت موعد افتتاح الدورة التشريعية لبرلمان الرباط، حيث ألقى ملك المغرب خطابا يمكن اعتباره مفصليا لحمولته الدبلوماسية و السياسية و لارتباطاته بقضيتنا، فقد شكر فرنسا على موقفها، و اعتبره موقفا نبيلا من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”…، الذي تخلى عن الجزائر و قضاياها و قرر الوقوف إلى جانب الرباط و أهدافها و مشاريعها…، كان كلام يستحق التمحيص و التدقيق لمحاولة فهم نوايا المحتل تجاه قضيتنا، فقد أعلن ملك المغرب عن تغيير الاستراتيجية من “التدبير” إلى “التغيير”، بمعنى أن دبلوماسية المحتل لم تعد تعتمد على الدفاع و انتظار جلسات مجلس الأمن للترافع و إقناع حامل القلم باستخدام عبارات دون أخرى…، بل أصبح يستهدف مواقف دول “الفيتو”؛ فبالأمس كانت أمريكا و اليوم فرنسا و غدا بريطانيا و قريبا سنسمع عن التقارب الروسي – المغربي بسبب صفقة المفاعلات و مصانع تحويل اليورانيوم التي أبرمت نهاية الأسبوع الماضي، و في نهاية الصف تنتظر بيكين دورها بعدما نجح المحتل في ربطها اقتصاديا مع موانئه و مناطقه الصناعية مستغلا قضية تايوان، و صراع الصين مع الأوروبيين حول سلاسل الإمداد العالمية التي تمر جلها عبر المحيط الأطلسي و البحر الأبيض المتوسط.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك