الجزائر تلعب ورقة “حركة الريف” و الرأي العام الصحراوي يتساءل: هل هي بداية التخلي عن ملف الصحراء الغربية… !!؟
بـقـلـم : بن بطوش
ثم يحدث أن تتطور الأحداث فيفلت من بين يديك لجام السياسة و الدبلوماسية و يفقد قائد البلاد قدرته على الإحساس بالظرفية و خطورتها، ليضغط الزر الخطأ و تتعقد الأمور أكثر…، ذلك أن نظام الحليف الجزائري يبدو أنه يسير بسرعة مجنونة في المسار الخطأ، و نحن هنا لا نصدر أحكاما بل نصف الواقع الذي يفرض نفسه، حيث تجري عمليات إعادة توزيع للأدوار تسمح بتشكل تحالفات لا تخدم مصالح قصر المرادية إقليميا و دوليا.
فعكس توقعات الخبراء و مستشاري الرئيس الجزائري الذين أفتوا عليه بذكر حكاية إهداء الرئيس الأمريكي لمسدسات رعاة الأبقار للمجاهد “الأمير عبد القادر”، و جعلوه يفاجئ العالم بتصنيفه الجزائر كثالث اقتصاد في العالم، و دفعوه لتقديم أرقام خيالية عن تحلية مياه البحر…، هؤلاء الإستراتيجيون كانوا أضعف من أن يتوقعوا أو ينتبهوا حتى فاجئهم إعلان قادة بوركينافاسو و النيجر و مالي عن قرار توحيد جواز السفر و البطاقة التعريفية للمواطن بالدول الثلاث، الذي أًصبح حرا في تحركه داخل هذا الإتحاد الذي تقوده مجالس عسكرية.
الخبر نزل على النظام الجزائري كقطعة ثلج، في الوقت الذي كان منشغلا بدراسة الإجراءات التي اتخذتها دولة الصين بشكل فجائي، و القاضية بإعلان جماعي للشركات الصينية انسحابها من السوق الجزائرية، و تخلي السياسيين الصينيين رسميا عن الاستثمار في مشاريع استخراج الفوسفاط و الحديد بالجزائر، و قرارهم تحويل استثمارات مصنع BYD التي كانت على بعد خطوة من الإنجاز في الجزائر إلى مدينة الدار البيضاء بالمغرب، مع التراجع عن الوعود التي كانت الصين قد قطعتها لقائد الجيش الجزائري “السعيد شنقريحة” بنقل بعض الصناعات إلى التراب الجزائري، و الخاصة بالتجهيزات الخفيفة للجيش و الألبسة و الخوذات و صناعات السترات الواقية، و بعض الذخائر الخفيفة…، هذه القرارات كانت سببا في دفع النظام الجزائري إلى رفع مستوى العداء مع الرباط لحده الأقصى.
هنا نفتح قوس المحتل المغربي الذي خرج وزير خارجيته “بوريطة” قبل أيام يتهم فيها الجزائر بمحاولة جر المنطقة إلى آتون الحرب، ليتأكد مرة أخرى أن الرباط تسبق قصر المرادية بخطوات، و أنها على المستوى الإستخباراتي و الإستراتيجي تتحكم في الأحداث و تديرها كما تشاء؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الجزائر غاضبة و تستعد لتحميل الرباط مسؤولية التخلي الصيني عن السوق الجزائرية، نزل المفوض الأوروبي المسؤول عن سياسة الجوار و التوسع على عجل إلى الرباط، حتى يطمئن على مصالح الدول الأوروبية في علاقاتها مع المغرب الذي جالس المارد الصيني و نجح في إثارة مخاوف الأوروبيين، بعد إعلان وكالة الأنباء الصينية أن الزيارة القصيرة للرئيس الصيني كانت ناجحة بكل المقاييس…، و لم تفوت الرباط فرصة التسابق على إرضاء المغرب لتبرق بروكسيل برسائل عدم الرضا على سياسة الابتزاز القضائي.
وسط هذا الكم من التداخل بين المصالح و الأحداث، و التي حولت الرباط إلى مركز لإدارة الأحداث في المنطقة، لم تجد الجزائر من سبيل للانتقام غير إخراج ورقة “حركة الريف” من جديد و تجنيد كل المنصات و القنوات الإعلامية لتغطية احتفالات أعضاء هذه الحركة بزخم إعلامي مستفز، الغرض منه إيصال صوتهم إلى أبعد نقطة ممكنة في العالم، حيث خصصت لهؤلاء الانفصاليين الريفيين يوما كاملا…، و استدعت إليه الإعلام الدولي و العربي، لكن لم ترسل أي دولة عربية صحفييها المعتمدين في الجزائر لتغطية الحدث رغم أن علامات و رموز قناة “sky news” الإماراتية و “العربية” و “الشرق” السعوديتين، كانتا تتجولان في الحفل، و هذا لا يعني مشاركتهما بقدر ما أن الجزائر غامرت بإظهار القناتين لإحداث شرخ في العلاقة بين دول الخليج و الرباط.
و لم يحضر دبلوماسيو الدول المعتمدين في الجزائر للمشاركة في تلك الاحتفالات، فقط ممثل الموزمبيق و ممثل عن جنوب إفريقيا، قيل أنهما شاركا في الحدث و لم يُشاهدا و هما يعطيان ارتساماتهما على الحدث، و كأن دول العالم أرادت أن تأخذ مسافة آمنة عن ممثلي “حركةالريف”، التي يظن النظام الجزائري أنه بفتح الملف يكون قد أحدث جرحا عميقا في خصر الرباط، بينما الخبراء يقولون أن الجزائر أرادت فقط إحياء “الظهير البربري” الذي وضعته القوى الاستعمارية لتجزيء شعوب المنطقة و تفجير الوعاء الشعبي.
حسب الخبراء فإن الجزائر بفتحها لهذا الملف تكون قد وضعت نفسها في وضع مكشوف، بأنها دولة تعشق الاستثمار في الحركات الانفصالية و تحب تمزيق الدول، و هنا مكمن الخطر بالنسبة لقضيتنا الصحراوية التي تختلف تماما عن هذا كله، و نحن لا نورد هذا الكلام لدعم رأينا، بل ننقله من باب الأمانة الصحفية، لأن رأينا هو رأي جميع الصحراويين، الذين يتساءلون إذا ما كانت ثمة تأثيرات لهذا التحرك الجزائري على القضية الصحراوية التي يبدو أنها فقدت مرجعيتها كثورة من أجل تحرير وطن و لم تعد تقوم بالدور الذي أراده لها النظام الجزائري بأن تكون حصاة في حذاء النظام المخزني، بل أصبحت مجرد قضية روتينية لدى الأمم المتحدة و مجلس الأمن، و عند الأوروبيين فهي مجرد ورقة ابتزاز للرباط و قصر المرادية، و عند الأفارقة فهي ملعقة لأكل الأرز أو بطاقة بنكية لسحب حوالة من الحليف لملئ جيب دبلوماسي إفريقي.
و هذا الاستثمار الجزائري جعل العارفين و متتبعي قضايا شمال إفريقيا، يجمعون بأن الدول العربية و على رأسها الإمارات العربية تدرس إمكانية تجميد عضوية الجزائر في الجامعة العربية و فرض عقوبات على قصر المرادية، من أجل إرضاء الرباط و تطييب نفس السياسيين المغاربة، و يزيدون في تفسيرهم لرؤيتهم لهذا التطور، بأن ما قامت به الجزائر بتبنيها حركة انفصالية تطالب باستقلال شمال المغرب و تمكين الحركة من الوسائل الإعلامية و المادية لنشر البروباغندا الخاصة بها، هو بمثابة إعلان حرب، لكن الرباط لا تزال لم تبدي أي ردة فعل، لأن الأشخاص الذين تبنتهم الجزائر ليكونوا قياديين للحركة لا يشكلون بالنسبة للنظام المخزني مصدر قلق و مجرد أشخاص عاديين غير مؤثرين، و أن الحدث لا يرقى إلى مستوى يستوجب الرد رغم أهدافه التقسيمية، و يكشف كمية العداء بين الجارتين.
ردة فعل الجزائريين على منصات التواصل تظهر وجود شرخ بين السلطة الجزائرية و الرأي العام الجزائري، حيث أعلنت عدة حسابات جزائرية بأن قرار استضافة حركة انفصالية ريفية، هو انتحار سياسي جزائري، و ضرب في مشروعية القضية الصحراوية عبر الخلط بين القضيتين و مغامرة خطرة جدا، و أن الجزائر حتى الآن أنفقت على القضية الصحراوية مليارات الدولارات، رغم أن الشعب الصحراوي لا يشترط كثيرا على النظام الجزائري في الإنفاق و يقبل بكل الإجراءات التي يتخذها الحليف بسخاء، أما أعضاء “حركة الريف” فجلهم من المهاجرين المغاربة ببلجيكا و هولندا، و إقناعهم بالدخول في مغامرة ضد نظام بلدهم يحتاج إلى أموال ضخمة، في ظل تراجع أثمنة المحروقات في السوق الدولية و ارتفاع أرقام العجز الداخلي…، و انسحاب المستثمرين و تضرر القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك