بـقـلـم :بن بطوش
لن نحتاج إلى مقدمة كبيرة لهذا المقال، لأن الأحداث المرتبطة بموضوعنا لا تتحمل تقديم العبر و الدروس، بل سنكتفي بأن ننثر بين يديك – أيها القارئ الكريم – ما جمعناه من معطيات، ثم نترك لك حق التصرف في تشكيل الصورة التي تحب أن ترى فيها الأوضاع المرتبطة بالقضية الصحراوية، و التي يُبدعها لنا الحليف الجزائري بدبلوماسية عقيدتها مستوحاة من كتاب “تهافت التهافت”، لشيخ الفلاسفة “إبن رشد”…، سيكون هذا المقال مصباحك أيها القارئ و أنت تعْبر مجاري العلاقات التحت دولية، متتبعا تعقيداتها من طهران، مرورا بأنقرة، ثم طرابلس، و وصولا إلى قصر المرادية، الذي ارتعدت فرائسه بعدما قرر النظام الإيراني فجأة عبر وزير خارجيته رمي الورود على الرباط، و إظهار الكثير من اللين و التسامح و هو يبحث – فجأة و دون مقدمات و من غير مبررات – عن تطبيع آمن للعلاقات مع آخر دولة إسلامية تغرب عنها الشمس.
فكمية الفوضى التي أحدثتها قرارات قصر المرادية الدبلوماسية يُصَعِّب على الخبراء العثور على طرف الخيط من أجل تتبع الأحداث و تطورها؛ ذلك أن قرار إيران في عمقه مرتبط – كما نعلم جميعا- بزلاَّت الجزائر الدبلوماسية التي حركت البركان الخامد في قلب أمريكا…، ذلك أنها كانت ورطة عظيمة تلك التي وقع فيها الرئيس “تبون” عندما نزل ضيفا على روسيا، حين طالب في مرتين القيصر “بوتين” بأن ينتشل الاقتصاد الجزائري من مخالب الدولار، و لكن و بمجرد أن اهتزت الأرض تحت أقدام الرئيس الروسي و خانه طباخه (بريغوجين)، بدأ الحليف الجزائري يستشعر خطورة موقفه بأنه أصبح بدون حماية أمام بطش الرأسمالية المتوحشة، و التي كانت منشغلة عنه بتأديب فرنسا “ماكرون”…
و حتى فرنسا، و هي تغرق في العنصرية و الفوضى، لم تفوت الفرصة كي تُبدي غضبها الشديد من الجزائر الجديدة، و اتهمتها عبر إعلامها الرسمي بتغذية الكراهية في قلب المهاجرين، و حتى يتجنب قصر المرادية أي تصعيد مع باريس فقد تعمد تعليق العمل بقرار إعادة عبارات التهجم على فرنسا في النشيد الوطني “قسما…”، و لم تبث وسائل الإعلام الجزائرية مشاهد تتضمن عزف النشيد خلال الاحتفالات الوطنية لبلاد الشهداء كمبادرة حسن نوايا تجاه قصر الاليزيه…
لكن فرنسا رفضت أن تترك الجزائر دون عقاب، و لم تتردد في استدعاء حكومة لقبايل و طالبتهم بإعداد ملف طلب الانفصال بشكل رسمي، من أجل وضعه لدى الأمم المتحدة و مجلس الأمن، و أبلغت حلفائها بالخطوة، مما دفع قصر المرادية إلى استدعاء عملاق المحروقات الفرنسي totalEnergie، و التودد له حتى يقبل باستئناف العمل داخل الجزائر، بعدما جرى تعطيل الاتفاقيات بين البلدين مند حوالي ثلاثة أسابيع، قبيل مقتل الطفل “نائل”، و انطلاق الفوضى في بلاد الأنوار…
قلت لكم منذ البداية أننا لا نحتاج إلى مقدمة كبيرة حتى لا نضيع و نحن نرتب التفاصيل التي وفرناها بعد جهد كبير لأن الصعوبة تكمن في الربط بين أحداث تبدو في ظاهرها متفرقة و متنافرة لكنها في حقيقة الأمر كلعبة “الدومينو”؛ لأنه و بينما الجزائر تسعى بكل الطرق لمراضاة “ماكرون” المغضوب عليه أمريكيا، و السماح له -عن طريقٍ totalEnergie– بوضع يد فرنسا على بئرين غنيين بالغاز و البترول، مع ضخ منحة بقيمة 800 مليون دولار في الخزينة الفرنسية و التي لم يتم شرح ملابسات أدائها بعد، و وصفتها الحسابات على مواقع التواصل بأنها تساوي حجم خسائر شركات التأمين الفرنسية خلال أحداث الفوضى التي تزعمها مهاجرون أغلبهم من أصول جزائرية…في تلك الأثناء كانت طهران تجهز بهدوء قنبلتها الصوتية التي سترهب قصر المرادية، ليتفاجئ الحليف مثل جميع المتابعين و دون تنسيق مسبق، و من غير إخبار من طهران التي تعلم عمق الخلاف بين الرباط و الجزائر…، بخطاب وزير الخارجية الإيراني أمام وسائل الإعلام الدولية يعلن فيه رغبة بلاده تطبيع العلاقات مع المغرب و مصر، و لم يستهدف بهذا التطبيع دولا أخرى مثل تونس أو الإمارات العربية أو موريتانيا أو الكويت…، و لا حتى لبنان حيث يعثو “حزب الله” خرابا…، بل رغب في التطبيع مع الرباط، و تم استخدام القاهرة كأرنب سباق لهذا التطبيع لإظهار حسن النوايا الإيرانية،…. و الحُسْنُ بريء من النوايا الخبيثة للصفويين.
لا تأخذك حمية الجاهلية أيها القارئ الصحراوي، حين أصف نوايا إيران بالخبيثة؛ فالمعطيات المتوفرة هي التي تصنع هذا الحكم و ليس نحن على هذا الموقع الحر، و هذا الغضب في المقال هو لأجل الحليف الجزائري و غيرة عليه من الابتزاز؛ لأن الرئيس “تبون” و بعد عودته من روسيا قرر فجأة التقليل من الارتباط بطهران، حتى أنه أقنع “شنقريحة” بضرورة إنهاء الربط العسكري مع الحرس الجمهوري الإيراني، و كنا في مقالات سابقة قد أشرنا إلى أن سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية حذرت الجزائر من التهور أو التورط في ضخ أموال كبيرة في الخزانة الإيرانية، لمساعدة طهران على تسريع عملية تخصيب الأورانيوم و مشاركة إيران في الحصول على الكعكة الخضراء، و الوصول لتفجير أول قنبلة نووية إيرانية.
و قالت عدة مصادر أن “شنقريحة” له طموح بامتلاك السلاح النووي، و أن إسرائيل سربت معلومات حول محاولة جزائرية للحصول على تجهيزات تكنولوجية تستخدم كمكثفات نووية من السوق السوداء لصالح إيران ليس عجزا من إيران، بل رغبة في مشاركتها المغامرة و قصة النجاح إذا ما هو اكتمل، سيرا على الأسلوب التركي بعدما اشترت أنقرة في تسعينيات القرن الماضي التكنولوجيا النووية من السوق السوداء، و منحتها لدولة باكستان، و بذلك ساهمت في حصول باكستان على السلاح النووي، و ثمة من يقول أن تركيا تمتلك تسليحا نوويا باكستانيا و الجزائر تريد تكرار التجربة مع ايران، لكن التدخل الأمريكي كان حاسما في الأمر حتى لا يحصل سباق نووي في شمال إفريقيا.
لا تتوفر معطيات تثبت أو تنفي إذا ما كانت الجزائر تراجعت عن الارتباط بالمشروع الإيراني، و أنها عوضته فعليا بتحصلها على وعود روسية آمنة، تقربها من الأسلحة النووية، أو أنه جرى توقيع عقود سرية من أجل نقل هذه التكنولوجيا العسكرية إلى الجزائر، لكن الملاحظ أن الجزائر تحاول بكل الطرق إعادة العلاقات بشكل سري مع فرنسا من أجل دفعها للتوسط لدى البيت الأبيض، الذي أظهر عبر سفيرته أنه غاضب جدا من النظام الجزائري…، و الغضب الأمريكي لا يبرره غير أن الجزائر علاوة على حربها المعلنة ضد الدولار، قد تكون فعلا تحاول الحصول على ذخائر نووية عبر إغراء الرئيس “بوتين” بالأموال، و بالتالي استغناء الجزائر على المحاولة الإيرانية التي نتيجتها مجهولة، بعد إعلان طهران القبول بالشروط الدولية لتوقيع اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية و مجلس الأمن و وكالة الطاقة الذرية.
نصل الآن إلى أسرار رغبة إيران تطبيع العلاقات مع الرباط، و هو الطلب الذي استفز قصر المرادية، و كان طعما فعلا لاستدراج النظام الجزائري الذي وجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما إرضاء مطالب طهران المادية و الرضوخ لابتزازها، أو التصفيق لإيران و هي تطبع علاقاتها مع الرباط وفق شروط الرباط، و بالتالي المغامرة بكشف أسرار عن المطالب الجزائرية من النظام الإيراني ضد العدو المغربي…، فكان خيار النظام الجزائر انتحارا عبر القبول بابتلاع الطعم بإرادته، و شاهدنا كيف أُهين وزير الخارجية الجزائري “أحمد عطاف” الذي اقتيد إلى أبغض غرفة إلى قلوب السُّنّة و التي رفض وزير الخارجية السعودي الوقوف بها، كي يتحدث لوسائل الإعلام و خلفه على الحائط صور الجنرال الإيراني المغتال أمريكيا، “قاسم سليماني”، قائد الحرس الثوري و المعروف بعدائه للدول الإسلامية السنية، و المسؤول عن مجازرالعراق و اليمن و سوريا و لبنان…، و إلى جانب صورته توجد صورة عراب الثورة الإيرانية الإمام “روح الله الخميني”، مؤسس الدولة الإيرانية الحديثة و واضع قواعد الكراهية ضد السُّنة، و بين الصورتين وضعت صورة الرئيس الإيراني الحالي، “إبراهيم رئيسي”، الذي نجا من الثورة المضادة في إيران نهاية 2022، و يتهم دول مجلس التعاون الخليجي بتمويلها و يتوعدهم بالانتقام… !!
لم تتوقف خطورة الموقف في هذا التنازل، بل تمتد لإعلان تعميق الشراكة بين الدولتين عبر إلغاء الجزائر التأشيرة عن المسافرين الإيرانيين، و هذا أكبر خطر على الجزائر؛ لأن إيران دولة تعداد سكانها يتجاوز 84 مليون نسمة، و قد تخطط الأجهزة السرية في إيران لترحيل جماعي صامت للعرق الصفوي نحو الجزائر، تحت ذريعة تبادل السياح و التطبيع بين الدولتين، و قد نشهد موجة تشيُّع في الجزائر غير مسبوقة، خصوصا و أن المجتمع الجزائري يعاني من ضعف التأطير الديني الذي كان سببا في حدوث “العشرية السوداء”، و نعلم أن المد الشيعي الإعلامي مهَّد داخل الجزائر لهذه الموجة التي نراها قريبة الحدوث.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة