… حتى عيون “البتول” تطارح مخيمات تندوف الحزن ذاته على فراش الليل، هي اليوم تتفتق من أريجها كمخلوقة نورانية، تعبت في خدر الجمال بزهو الروح و نقاء السريرة… ألا يحزن الموت إذا أرغم على هتك خلوة الروح لحظة اغتسالها بمياه الحزن المقدسة ؟
خرجت من لحظتها ترتقي عربة الجمال المزينة بنظرات العاشقين كي تُزفَّ للانكسار، تسير بها خبباً بين الدروب و هي تتلألأ داخلها كما النجوم في تحديها لغشاوة الليل، أرادت أن تنوب عن كل نساء القبيلة و العشيرة، عن كل بنات الثورة اللواتي وهبن عذريتهن للقضية، في غفلة منهن سرقت كل خسائرهن، كي تمجد المأساة في رقصة أخيرة مع الندم، تغيب عنها الضلال و تسمح لها أن تعيش طقوس الحسرة بفرح شديد و هي متوجة على أكف الضياع…
أكل هذا الحسن من أجل اختبار منفرد في مادة الموت…؟ لم يسبق أن كان الموت جميلا هكذا في طقوسه، و لا أظنني رأيت للكحل العربي كل هذا البريق على الأعين… و لا توجد قواعد في الفيزياء و لا في الكيمياء تخبرنا أن الكحل يصير ذهبا حين يتعرض لضغط الجمال الرهيب، و تلفحه ألسنة النار المتسللة تحت الجفون العربية… ألا يصبح الفحم في جوف أمنا الأرض ماسا !!!؟
فلم العجب، “البتول” من جنس الأرض، هي أختها و ابنتها و حفيدتها التي جارت عليها الأزمنة حتى قَرَّرَت أن تطلّق الدنيا زاهدة في وعودها المؤجلة… خرجت تلاقي الموت على سنم الجمل قبيل فجر عيد الأضحى، و كأنها تهين كبرياء العروبة مرة أخرى، بعد سقوط بغداد، تحيي عرفهم، بعد أن فتحت حزمتها التي تخفي مجموعة من أقراص السم، ألقتها دفعة واحدة في فمها و شربت نخب المأساة، ثم ارتمت في حضن الظلام.. تقيم بدموعها محرقة للشرف.
بكت بحرقة… ليس من شدة الألم، بل لإحساسها بالخيانة، و أن الكل تواطأ ضدَّها، كي يُعْدِمُوهَا بيديها، بكت لأن في القلب غصة حرمتها العيش كباقي النساء، بكت حد الصراخ و العويل الذي غاص في عروق الأرض و أيقض الأجداد كي يعرفوا أنهم اول من ظلمها …
سمع من وجد في البيت طقوس الموت الصاخبة، فخرج الجميع يتسابقون إلى الصوت العالي الذي يحاكم الإنسان الصحراوي فوق أرض لحمادة، لرعب الصوت لم يهتدي أحد لهوية الملقي على الأرض حتى أضيء المكان… وجدوها تصارع الموت في نزال أخير و هي تمزق ملحفتها، و تتلوى في وحل المهانة الصحراوية، و السم – بدون رحمة – يقطع أوصال الأنثى في جسدها، و ينثر دموع الفاجعة في كل مكان…، تصرخ حتى تفرغ رئتيها من الهواء، ثم تشهق حتى لا تتحمل رئتيها، لأحد يملك لها من الله ضرا ولا نفعا…
لا توجد ارض أهانت شرف ابناءها.. و لا يوجد وطن يخنق أبنائه.. و لا يوجد وطن يأكل جثث أولاده .. و لا يوجد وطن يفخر بسحق عظام القضية الوطنية في ساحات القبيلة كي يدفع القدر الجميل عن ميلاد الدولة.. كما تفعل الجمهورية الصحراوية.. كيف يمكن لوطن خرج من صلب الظلام و الفتن أن يحب أبنائه النورانيين… المحجلين.. .يحدث أن يموت الشرف بلوثة الرذيلة، في المجتمعات التي تتخلص من قيم الدين باسم الثورة لتقيم أسباب الفتن.
بقلم : ثائر على الثورة
إبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك