Sahra Wikileaks Center
الصحراء ويكليكس يعمل على النهوض بالفعل الحقوقي بالمنطقة وذلك بإزالة كل شائبة عنه

البتول … أو وجع تندوف (الحلقة2)

 

                     “الطائر الذي يولد في القفص، يعتقد أن الطيران جريمة”. …(أليخاندوا جودورسكي)

                     و كخلاصة حزن كوني هائل … تجلس مرتدية الليل في ظلمات نفسها الكئيبة، تشاطر الضياع  لحظات يأسها، و تهين بجفونها كل النساء اللواتي قضين على يد “شهريار” خارج شرع القدر، ترسم لنفسها الاستثناء بكل تفاصيله الغريبة، لأنها ارتشفت نخب القهر و الظلم طويلا حتى أدمنت الشكوى بدمع الإهانة، و عندما لم تجد العدل بين البشر، تعطرت برائحة الموت و رفضت أن تسامح الأنوثة بداخلها.

                          في هدوء الليل، أسندت “البتول” رأسها على ذراع القدر، همست له بأسرارها الأخيرة.. مستودعة إياه كل ما بقي منها، حتى لا يبقى لديها شيء يعيدها لتجتمع مع الذات التي تفيض عنها الروح كدمعة نورانية شرقت من عيني الشفقة المدفونة بين ضلوع الصبر… لحظة فرار من ضيق الجسد إلى فسيح التجرد، قالت كل شيء في عَبَارَات انزلقت كالندى هاربة من تيجان عينيها الساجدتين على بساط الحزن أمام محراب الروح المفجوعة…

                              لعينيها شعبية بين الرجال تفوق شعبية قصيدة “بلقيس”، لكنها هجرت أرض الفرح منذ علمها بأن جمال النساء في تندوف مأساة، لم يسبق لها ان وصفت في كتاب أو قصيدة و لا حتى بكتها مغنيات السيليكون في أغنية ماجنة، فهي من قالت أن الله غضب على “الصحراويين” مرتين؛ الأولى بأن عزلهم عن العالم في أرض بعيدة بين الحزن و الحفر، و الثانية أنه سلط على رقابهم قادة يحكمون بقوانين القهر المطلق الملفوف في الشرف العربي، ذات القهر الذي لفظها سقيمة على فراش الوحدة، يرفض اليوم أن يمنحها الجواب الأخير عن سؤالها الأول في حقها من الفرح… ألم تحصل على حصتها من الغبن كاملة غير منقوصة؟ فلم لا تمد لها أيادي الحياة بعض من قماش السعادة لتجفف به حزنها المتصبب من ملامحها الفزعة… لِمَ ؟

 

                            لكن من سينال شرف الموت أولا في مخيمات تندوف.. الأمل أم الإنسان ؟

                         لقد عودت نفسها أن تتجاهل هذا الصراع، ليس لجهل منها، بل ترفعا على كل الجراح، لأن الحقيقة قاسية كطبيعة الصحراء بالحمادة، فهي تدرك طريقها و تتحاشاها، و هي من بعثرت تفاصيلها، دستها، في وسادتها و بين تزاويق نقش حنتها، كانت محفورة طوال الوقت على خلخال قدميها، الجواب هو الشيء الوحيد الذي استبدت بامتلاكه و رفضت أن يشاطرها أحد فيه، كان حقيقتها المطلقة التي تضعف أمامها كل الأحكام، لعلها توجست من جوهر جوابها المتشكل من أنسجة العدل، الشديدة التعقيد، التي يستحيل تفكيكها أو تجزئتها، فالعدل كثلة واحدة لا تبعض، و في شطره دمار يفوق الدمار الذي يحدثه انشطار الذرة… دماره يفوق كل الوصف.

                           الكل يخشى الموت في تندوف، لكن لا أحد يحب الحياة، حتى هي … “البتول” في مرة رأت فيها الحزن محمول على الأعناق، و هي امام خيمتها عندما ألقت نظرة أخيرة على جثمان إحدى الفتيات اللاجئات اللواتي غادرن الى دار البقاء في ذهول، شيعتها بنظرة أخيرة ثم عادت الى داخل خيمتها، حيث الجميع يُرغم نفسه على  تناول ما توفر في وجبة العشاء، و كأن الأمر لا يعنيهم، لتسأل بعفوية الصبا: كيف يشعر الإنسان و هو يموت؟

                           لم يهتم أحد لسؤالها، فقط  نظرة من والدها بالتبني جعلتها تجلس مرغمة أمام الطّبق، تبتلع ريقها و الهواء الدافئ يتدفق الى رئتيها بعنف، و تكاد عينيها تنطقان بالحقيقة،  فلا شيء أسوء من  العيش بمخيمات تندوف، أما الموت لا يعدو أن يكون تجربة رعب تستحق أن تعاش… أرض تندوف قطعة من جغرافيا القلق، في كل لحظة يُسمع لها أنين و شكوى و هي تبكي ربها ظلم الطبيعة التي حرمتها حقها في البساتين و الغابات و الحشائش و تشكوه فحش جرم العباد، الذين دنسوا عزلتها بهول مصائبهم، جعلوا منها رواق يعرض فيه الظلمة روائعهم التي أبدعوها بإزميل الطغيان على مرمر نفوس المحرومين و الجوعى و الايتام ..، تحف بشرية تلوك الدمع مع علقم الضياع أمام صرح الثورة البهيم… تندوف او ارض اللجوء ما عادت تفي بالغرض، و لا تكفي لتسكت جوعهم من الوطن الكامن في الروح… و لا حتى تشغلهم عن جوع آخر في الذاكرة.

 

بقلم : ثائر على الثورة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إبداء ارائكم و مقترحاتكم

 

  

 

[email protected]

 

 

 

 

 

  

 

 

 

   

كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد