الاتحاد الأوروبي يبدأ مخطط عقابه للجزائر بدفع روما إلى التقرب من الرباط و الابتعاد عن قصر المرادية… !!
بـقـلـم:بن بطوش
ما رويناه في المقال السابق، لم يكن مجرد خاطرة تزاحمت مع الأفكار، بل هي معطيات جرى تجميعها و تحليلها و تم وزناها بميزان الذهب حتى لا نبخسها قيمتها، و كتبناها في مقال كي نمنحك أيها القارئ الكريم رشاحتها، فنحن نؤمن بأنك جزء من الجيل الذي تربى على الفكر الموضوعي لا على الشعارات الفارغة، و أنت أحد نخب المجتمع الصحراوي، و يقيننا أنك تجد ضالتك في خطنا التحريري، لأنه صوت الحقيقة و الحكمة و ينبض من قلب النكبات بالغيرة على القضية الوطنية… لا نحابي أحدا من زبانية البيت الأصفر “الهنتات”، و لن تعثر في خطابنا على الديماغوجية الخشبية، و سنجعلك تتورط معنا في الوعي حتى تنتج معنا مجتمعا صحراويا عارفا بأسرار قضيته و السياقات الدولية…، ثم صدقني أيها القارئ الكريم أن معظم نخبنا الصحراوية أصبحت تستلهم خطابها من هذا الموقع الحر، و أصبحت على قناعة أن ما نكتبه هو الحقيقة لأنه و ببساطة يستشعر ما يجري و تتكلف الأيام بتأكيد توقعاتنا…، و يوم نعجز عن الوصول إليها، فلن نكتب شيئا.
لأننا أيها القارئ الكريم نعيش واحد من العصور الأكثر فوضوية، و قضيتنا تقع على الطرف البعيد من اهتمامات العالم الأول و انشغالاته، و أصبح الجميع يتعفف منها و حتى من قبلوا بها، كانوا مضطرين و طالبوا وزن مواقفهم بملايين الأمتار من الغاز أو بأموال عائداته، و لن أناقش أحدا يدعي أن ثمة من قبل بدعم قضيتنا حبا في مساكين الشعب الصحراوي أو انتصارا للإنسانية أو دفاعا عن المبادئ الثورية…؛ فحتى حليفنا الكلاسيكي و التقليدي و الأبدي يرى في قضيتنا مجرد حصاة في حذاء النظام المخزني، تخيلوا معي حجم التصور “البومدياني” لقضية شعب كريم كالشعب الصحراوي، بل و الأكثر من هذا فقصر المرادية، منذ تولي “تبون”، سحب من قيادتنا ملف قضيتنا الوطنية و سلمها لأجهزة الجيش السرية بقيادة “جبار مهنا” الذي حوَّلها بدوره إلى ذراع و سيف لمحاربة المحتل المغربي حيث ما حل و ارتحل…
ننطلق في مقالنا مما جاء في جريدة “واشنطن بوسط” و التي فجرت حقائق خطيرة عن تمرد “الفاغنر”، حيث جاء في المقال بأن واشنطن كانت على إطلاع بمشروع “بريغوجين”، و أن الاستخبارات الأمريكية تلقت معلومات عن مساعي قيادة “الفاغنر” منذ منتصف يونيو أي منذ أن تعمد مقاتلو هذه المجموعة إطالة معركة “باخموت” في أوكرانيا كذريعة لاستنزاف وزارة الدفاع الروسية و جمع الذخيرة اللازمة، و أن “بريغوجين” أعطى تعليماته بمهاجمة كل ما سيجدونه في طريقهم إلى موسكو…، ليبقى السؤال هو: ما علاقة هذا الخبر بالغدر الإيطالي لقضيتنا، و تجديد الألمان بيعتهم للرباط و تسابق الإسبان لإرضاء المحتل المغربي…؟
الجواب بسيط؛ فالمعركة التي تخوضها الجزائر و هي تحمل قضيتنا كأولوية في سياستها الخارجية، هي في الأصل معركة استخباراتية و ليست معركة دبلوماسية، و حين نقول أن واشنطن كانت على علم بتمرد “الفاغنر”، فيما هذه المعطيات لم تستطع الأجهزة السرية الروسية توفيرها للرئيس “بوتين”، فنحن نربط هذا العجز بكون الأجهزة السرية الجزائرية تراهن فقط على التقارير الاستخباراتية الروسية و ليس لها بديل في ظل الأزمة مع فرنسا، و لا يمكن للنظام الجزائري أن يكون على إطلاع على ما يجري حوله إلا من خلال نظارات الكريملن التي كسرها – مع الأسف – تمرد “الفاغنر”، و قصر المرادية بعد خسارته للود مع الفرنسيين أصبح خارج ملعب الحرب المخابراتية، و كل ما يتحصل عليه من معطيات هو من كرم الأجهزة السرية الروسية.
و نضيف هنا أن أحد التقارير الروسية كانت سببا في الأزمة التي نشبت بين الإمارات العربية و الجزائر…، هنا نجلس على حافة أعلى الجرف المطل على مخيمات أهالينا اللاجئين بتندوف و نطلق أقدامنا في الهواء، ثم نضرب الأسداس في الأخماس و نحن نردد العبارة المصرية الشهيرة: “يا شماتة أبلة فرنسا فينا”… !!؟
نترك روسيا و حروب الاستخبار و نفتح قصة إيطاليا الرومانسية، و الحب الأفلاطوني بين “ميلوني” و “تبون”؛ لأن ما أحزنني فعلا هو ما أنفقته الجزائر لإرضاء إيطاليا، فالرئيس “تبون” و منذ وصوله لكرسي الحكم لم يتوقف عن تلميع صورة النظام الإيطالي و شكره كلما أتيحت له الفرصة، فهو كثير الامتنان لأنهم لم يحتلوا “بلد الشهداء”، و لم يتخلوا عليها في “العشرية السوداء”، رغم أن المعطيات تؤكد بأن روما لم تساعد الجزائر بشيء خلال تسعينيات القرن الماضي، بل كانت تخضع المهاجرين الجزائريين للمراقبة الأمنية خوفا منهم بسبب ما يجري من سفك للدماء في وطنهم…، و بالمقابل فإن قصر المرادية قرر أن يغفر لهم كل أخطائهم التاريخية بما فيها احتلالهم لليبيا، ما داموا لم يطئوا ارض الجزائر الغالية، حتى أن قصر المرادية أهدى الرئيس الإيطالي أفضل “بغال” الجزائر، رغم أن النية كانت إهداءه فرسا أمازيغيا أصيلا، فلا يهم إن شُبِّه لهم…، لأن الإيطاليين يعرفون مدى براءة نوايا الرئيس الجزائري و تقبلوا الهدية بصدر رحب.
و لإرضاء الرئيس الإيطالي أكثر، امتنانا و تقديرا لمواقف أجداده، فقد نذر “عبد المجيد تبون” ما في باطن الأرض الجزائرية خالصا للشعب الإيطالي الطيب، و مكَّن حكومة اليمينية “ميلوني”، التي سبق لها زيارة المخيمات و قدمت تصريحات قوية داعمة للشعب الصحراوية و للقضية الصحراوية، من صكوك تُخوِّل لها الحصول على ملايين الأمتار من الغاز النقي الجزائري بربع الثمن الدولي مع إعفاء في الأداء خلال فصل الشتاء، لدرجة أن مواطنا مغربيا مهاجرا في إيطاليا، و الجالية المغربية في إيطاليا تقدر بمئات الآلاف، سجل مقطعا يشكر فيه الرئيس الإيطالي لأنه أعفى المهاجرين من أداء فواتير الغاز الجزائري، في زمن الندرة الغازية التي صادفت فصل الشتاء القاسي في أوروبا، بعدما أغلقت موسكو أنابيبها على دول القارة العجوز… !!
تصريحات وزير الخارجية الإيطالي بعد لقائه الثنائي بنظيره ” ناصر بوريطة”، و الذي يعتبر عضوا في الحكومة اليمينية المتطرفة التي تقودها “ميلوني”، ترغمنا على النبش بحثا عن المتغيرات الجيوسياسية بالمنطقة، و التي دفعت دولة كإيطاليا لطلب الرباط من أجل شراكة استراتيجية، و تنازلها عن القضية الصحراوية بدعم موقف الرباط في قضية الصحراء الغربية، و وصف ما تقوم به في هذا الملف بـ ” الجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب من أجل التوصل إلى حل لقضية الصحراء”، و بطبيعة الحال جهود الرباط هي فرض “مقترح الحكم الذاتي”…، رغم علم إيطاليا بتفاصيل الخلاف بين الجزائر و الرباط، و تعرف عمق الأزمة و درجاتها المتقدمة، لدرجة أن الرئيس “تبون” في كل لقاء مع الإيطاليين يحاول تخريب العلاقات بين روما و الرباط…
فتحول مواقف روما التي أصبحت تدعم سلطة المحتل على الصحراء الغربية بوجه مكشوف، يمكن وصفه بالنكسة الكبرى و المأساة القاهرة، عطفا على المعطيات السابقة و ما أنفقته الجزائر للحفاظ على حياد الدولة الإيطالية، هذه الدولة التي قصدت تسريب صور اجتماع “بوريطة” مع نظيره الإيطالي كي تشرح للإعلام الجزائري أن ما يحصل يتجاوز خيارات روما، حيث شاهدنا صور اللقاء و كيف أنهم وضعوا أقصى الطاولة علم إيطاليا مدعوما بعلم الاتحاد الأوروبي، و يقابله علم المغرب وحيدا، بمعنى أن إيطاليا ليست حرة في القرار و أن الاجتماع يحظى بالوصاية الأوروبية، و نعلم أن أوروبا تقودها اليوم فرنسا بعد خروج بريطانيا لأنها ثاني دول أوروبا المتحصلة على “الفيتو”، و الموكول لها حماية مصالح الأوروبيين في مجلس الأمن، و أحد المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، لهذا فصوتها الأقوى داخل الاتحاد الأوروبي، و باريس بدأت منذ زمن مخططا لمعاقبة الجزائر، و أن ما فعلته إيطاليا عبر إعلانها الشراكة الاستراتيجية مع الرباط، هو خيار فرضته بروكسيل التي تم نقل أزرار التحكم في سياستها من قصر “بكنغهام” إلى الإليزيه…
المشهد تكرر مع وزيرة الخارجية الألمانية التي جددت البيعة للرباط بعد ساعات من الموقف الإيطالي، و دعمها مقترح الحكم الذاتي قبل أيام من موعد زيارة “تبون” لبرلين، و هو ما ينذر بإمكانية إلغاء الزيارة، و حتى مترشح الحزب الشعبي الاسباني “فيخو” طلب مقابلة الإعلام في مسرحية مكشوفة، و أوعز للصحفية كي تطرح عليه سؤال عن ماهية الدولة الأولى التي ستحظى بزيارته خارج الاتحاد الأوروبي، حيث أجاب دون تردد أنها المغرب…، كل هذا الارتباط و التزامن للمواقف الأوروبية الداعمة للرباط في سطوته على الصحراء الغربية، مصدرها رغبة باريس في إرضاء الرباط و أمريكا، و سعيها لمعاقبة قصر المرادية، و المحزن أن من سيدفع فاتورة أخطاء قصر المرادية و ضعف رؤياه، هم الشعبين الصحراوي و الجزائري…. و هذا مؤسف جدا.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة