موسكو ترد بقسوة على تصريحات “بوقادوم” بواشنطن و صراع صامت بين الجزائر و الرباط حول الأحقية في استغلال المياه الحدودية
بـقـلـم : بن بطوش
تقول دروس التاريخ أنه لا يمكنك إحراق سفن العودة قبل أن تتأكد بأنك لست على الأرض الخطأ، و ليت قصر المرادية تراجع عن تهوره، ذلك أن موسكو قررت معاقبة النظام الجزائري و الرد على تصريحات سفيره في واشنطن،”صبري بوقادوم”، الذي أعلن أن الجزائر على استعداد لفتح النقاش بشأن معادنها النادرة،…. العقاب كان بقصف سفينة شحن للحبوب كانت تتجه من الموانئ الأوكرانية إلى الجزائر.
و حتى الآن لم تحتج الجزائر على استهداف السفينة و لم يُعلق الإعلام الروسي بشيء يؤكد أنه خطأ أو سوء توجيه للنيران، و لم تنشر الصفحات الجزائرية أي بيان تنديدي، و لكن الإعلام الفرنسي قال بأن “فلاديمير بوتين” عبر بقسوة عن امتعاضه و عدم رضاه تجاه تزلف و تملق النظام الجزائري للولايات المتحدة الأمريكية، و أنه رغم شراء قصر المرادية للطائرات القتالية الروسية SU-35/S، التي كانت – في الأصل- موجهة لدولة مصر، ثم تراجعت القاهرة عن طلبها و رفضتها بسبب ما قالت أن بها مشاكل تقنية، و رغم وعود الجزائر للروس بتمكينهم من صفقات نوعية داخل الجزائر، إلا أن القيصر “بوتين” عاد ليظهر غضبه لقصر المرادية و يقصف السفينة دون مراعاة لأي أزمة محتملة مع سلطات الجزائر، على رغم من أن الجيش الروسي تعهد بعدم استهداف شحنات الحبوب و لم ينفذ أي عملية عسكرية ضد السفن الناقلة للحبوب منذ شهور.
صمت الجزائر عن ما فعله الجيش الروسي وضع “مكة الثوار” في موقف محرج، و كشف عن ضعف في الشخصية الدبلوماسية الجزائرية التي كان القياس يقتضي منها – كأضعف الإيمان- استدعاء السفير الروسي لاستفساره عما جرى.. !! ، أو على الأقل التوافق مع موسكو في التصريح بأنه محض حادث عرضي، عوض الظهور في ثوب النظام المتردد – حتى لا نقول الخائف- الذي لا يمتلك الشجاعة لإصدار بيان يدين الهجوم العسكري الروسي على سفينة تجارية غير مسلحة،… و هو نفس النظام الذي أصدر بيانا ضد تمرين عسكري سيجري فوق التراب المغربي، و بالتالي كان من الطبيعي أن يحتج النظام بشكل تلقائي على استهداف الشحنة الجزائرية و استثناء باقي الشحنات الموجهة لدول العالم… مع العلم أنه قبل أسابيع نفس السفينة كانت تقل الشحنات التي تستوردها الرباط و تعبر نفس الموانئ باتجاه ميناء طنجة دون أن تتحرش بها الدفاعات الروسية، على الرغم من أن الرباط لا تدعم الطرف الروسي في هذه الحرب و تقف على نفس المسافة من المتصارعين.
صمت الجزائر على الإهانة العسكرية الروسية، يقابله جلبة و صخب على منصات التواصل في بلاطوهات القنوات الإخبارية من أجل إلباس الرباط ثوب الدولة الظالمة، التي تريد تجفيف منابع المياه و تعطيش الجزائريين الذين يعيشون غرب البلاد، و منهم من وصف الأزمة بين البلدين بأنها تشبه أزمة سد النهضة بين القاهرة و أديس ابابا، لكن و إلى حدود اللحظة لم يقدم أي خبير جزائري على القنوات الإخبارية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى في تدوينات عابرة معطيات تقنية دقيقة، تكشف حجم الخروقات التي تمارسها الرباط، أو تؤكد مدى فظاعة الآثار البيئية التي خلفتها سياسة الرباط المائية في المنطقة، حتى نفهم إن هي فعلا حرب مائية يخوضها الجار الغربي ضد المصالح الجزائرية، أم أن القضية لها بعد مختلف… !!؟
و خلال بحثنا في المعطيات التقنية المتوفرة بغزارة على المواقع الدولية و على صفحات المنظمات المائية المرتبطة مع الأمم المتحدة، جرى حوار على منصة “تويتر” كان طرفه خبير مائي جزائري تحول بقدرة خفية إلى محلل عسكري و سياسي، حيث قال أن الجزائر شيّدت قرب مدينة بشار أحد أضخم معامل الصلب في إفريقيا حيث بدأت عملية المعالجة التجريبية للصلب المستخرج من منجم “غار اجبيلات”، الذي تخرق الجزائر اتفاقية استغلاله المشترك مع الرباط الموقعة سنة 1972، و أن المشروع بحاجة لآلاف الأمتار المكعبة من المياه لتبريد الحديد بعد صهره و تمريره في القوالب، و للتشويش على هذا الإنجاز قررت الرباط بكل خبث جعل عملية استغلال حديد المنجم مستحيلة بتجفيف روافد المياه التي ستمده بما يحتاجه لتدوير مرافقه.
كاد يقنعني الخبير الجزائري بهذا الرأي لولا أنه لا يتوفر على أدلة ملموسة تدعم كلامه، لأتوغل في عمليات البحث حيث اكتشفت معطيات أظهرت أن ما يروج في الإعلام محض بروباغندا لا ترقى إلى الحقيقة في شيء، و أن المعطى الوحيد الحقيقي في كل هذا الكلام هو أنه فعلا الغرب الجزائري يعاني الجفاف الحاد و العطش العضال في السنوات الأخيرة، و هذا بسبب توالي سنوات الجفاف على المنطقة المغاربية، و أن مدينة بشار تعاني من ضعف التزود بالماء الشروب، و أنه بالفعل السلطات المغربية أنهت عملية بناء سد قدوسة على وادي قير الذي يغدي الغرب الجزائري و قامت بملئه، و أنها تعمد إلى سقي 9 آلاف هكتار بشكل منتظم، و هو الرقم الذي تجاوز البرنامج الحكومي الذي أنشئ لأجل السد و المتمثل في سقي 4 آلاف هكتار من نخيل التمور… لكن أين تقع الحقيقة الموجعة في كل هذه المعطيات؟
التحقيق الصحفي أكد لنا بأن الرباط حين باشرت عملية بناء السد استدعت خبراء “الرابطة الدولية للمياه” IWA، و كشفت لهم عن تصميم السد الذي يحترم – حسب الرابطة الدولية للمياه- جميع الإتفاقيات الدولية لتقاسم حصص المياه العابرة للحدود، و أن السد صُمِّم ليخزن نصف الكمية التي تبلغ 30 مليون متر مكعب سنويا، لأن صبيب النهر هو 60 مليون متر مكعب سنويا، فيما نصف الكمية ستواصل رحلتها إلى داخل الحدود الجزائرية، لكن السؤال المحير هو لماذا لا تخزن نصف الكمية المتبقية في سد جرف التربة بالجرف الأصفر الجزائري…؟، لنجد أن الجواب محبط جدا، حيث تقول المعطيات أن سد جرف التربة كي تصله المياه وتخزن فيه، يجب أن يكون الصبيب كاملا، و لأن هذا السد يعاني من أخطاء هندسية غريبة، حيث شُيِّد في موقع لا يحترم قواعد الحركة الهيدرولوجية و الهيدروكيميائية للمياه، و بالتالي فإن نصف كمية المياه التي تواصل رحلتها تتعرض للتبخر الشديد و يتسرب جزء كبير منها إلى جوف الأرض بسبب قوة نفاذية الصخور و التربة، بينما يتوصل سد جرف التربة بأقل من 7%، من أصل 50% حصة الحليف الجزائري.
التصميم المروع و الكارثي للسد الجزائري، كان يحرم الحليف الجزائري من ملايين الأمتار المكعبة سنويا لكن لا أحد انتبه إلى عيوب السد لأن الصبيب كان كاملا، و لم تظهر الأخطاء الهندسية في التصميم إلا بعد الشروع في تقاسم الحصص، على خلفية قضية “واحة العرجة” التي استرجعتها الجزائر و طردت الفلاحين المغاربة الذين كانوا يستغلونها،…. و للجزائر تاريخ في التصاميم الكارثية؛ فمثلا المساجد في الجزائر تُصمم بعيوب هندسية لا تحترم تجاه القبلة، و كثيرا ما يضطر المصلون للصلاة و ظهورهم إلى المنبر لإصلاح أخطاء المهندسين، الذين يتم جلبهم من دول غير إسلامية، و توجد في الجزائر طرق سيارة تتوسطها أعمدة إنارة…، و المشكل راجع إلى ضعف الرقابة و عدم الاعتماد على شركات هندسة متخصصة و تفويت الصفقات إلى الأقارب دون مناقصات…، و هي المشاكل التي تجاوزتها حتى دول جنوب الصحراء، و لا نريد الخوض في هذه الأمور حتى لا نتورط في مناقشتها لأنها لا تعني خطنا التحريري في شيء.
و ثمة أمر آخر، يتعلق بالمشاريع الكبرى للحليف الجزائري فحين أعلن الرئيس الجزائري “تبون” عن إنشاء معمل الصلب الضخم، لم يتحدث عن مصادر المياه التي ستخصص للمشروع، لأن المصدر الوحيد في تلك المناطق هو سد جرف التربة، و هو مخصص لتزويد ساكنة بشار و تندوف بالمياه الصالحة للشرب، و تحويل مياهه إلى المعمل يعني أن سكان المدينتين ستزداد معناتهم… لهذا نقول بأن المخططات الجزائرية في تدبير الموارد المائية، أسوء من تصاميم المهندسين الجزائريين و أشد تطرفا من أخطائهم، بينما على الطرف النقيض نجد المحتل المغربي و قد حقق أهدافه التي شيد لأجلها سد قدوسة، الذي يدر على المنطقة دخلا مهما و يحقق التنمية، ليصبح من الضروري على سلطات الجزائر أن تعجل ببناء سد جديد في مكان يحترم نقطة التجميع المائي، أو تعديل مسار المياه بحفر قنوات مباشرة نحو السد و وضع مضخات ضخمة لتحويل مياهه، أو البحث عن فرشة مائية جوفية ضخمة تغني الجزائر عن سد جرف التربة، أو انتظار معجزة مناخية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك