فرنسا تُنفق 25 مليار دولار لتحقيق الصلح التاريخي مع المغرب و ترفع العلاقة بين البلدين إلى مستوى “الشراكة الوطيدة و الاستثنائية”
بـقـلـم : بن بطوش
كان القياس أن يكون هذا المقال خالصا للجولة التي يقوم بها الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” إلى المشرق العربي و الدول المحيطة بفلسطين، لكن فشل زيارته إلى مصر و ما ترتب عنها من نتائج زادت من الشحن الإعلامي و توثير الأجواء بين الدولتين، دفعتنا إلى تجاوز هذه الجولة الشرق أوسطية و التحول رأسا لتحليل مخرجات الزيارة التاريخية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى الرباط…، و بخصوص من سينتقدون تسميتي لها بـ “الزيارة التاريخية” و سيهاجمون هذا الموقع الحر بالتخوين، نخبرهم أن المركز الأمريكي “معهد بروكينغز” الذي يعد الأول في العالم بين مراكز الفكر و الذي كان وراء إنشاء “الأمم المتحدة” و “مشروع مارشال” و “مكتب الميزانية” التابع للكونغرس الأمريكي…، هو من أصدر تقريره تزامنا مع الحدث يصف فيه زيارة “ماكرون” إلى الرباط بـ “التاريخية” و ليس نحن… !!
فما عليك أيها القارئ الكريم إلا أن تتحمل هذا المقال حتى نتشافا جميعا من مرض الانتصارات الوهمية الذي أغرقتنا فيه القيادة الصحراوية و خلفها الحليف الجزائري، الذي مهما أخطأ نشكره على جهده و غيرته، و حين أتحدث عن التشافي لا نقصد اليأس بقدر ما نقصد الواقعية في التمني و الطموح؛ ذلك أن زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر و المشاهد التي وصلتنا من الندوة الصحفية بين رئيسي البلدين و الهجمة الإعلامية التي تقوم بها الجرائد الجزائرية ضد مصر بعد مغادرة الطائرة الرئاسية الجزائرية لأرض الكنانة، و وصف جريدة “الشروق” الجزائرية لمصر بالدولة التي تجري وساطة متواطئة بين الفلسطينيين و الإسرائيليين لحساب الإسرائيليين…، و ما أحدثته زيارة “ماكرون” من “تراندات” داخل الجزائر، لدرجة أن معظم المؤثرين الجزائريين يناقشون مضامينها و كأنهم الطرف الخاسر في الصلح التاريخي بين باريس و الرباط و يتجاهلون جولة “تبون” عن قصد…، بينما الحزن كل الحزن في البيت الأصفر المفجوع…، كل هذا يؤكد أن العالم تغير كثيرا بعد مرحلة الفراغ التي أحدتها طاعون “كورونا”، و أن الرباط وجدت لنفسها مكانا في المقدمة…، لهذا وجب منا التشافي سريعا حتى لا نكون عرضة للتهلكة بالكمد.
نحن في هذا المقال لن نناقش الحمولة التاريخية للاستقبال الذي حضي به “ماكرون”، و لن نناقش حجم الهدايا، و لن نضع لها مقارنات مع الزيارة التي كان قد قام بها “ماكرون” إلى الجزائر، حين أُخذ في جولة – ليست لها أي دلالة سياسية أو تاريخية- إلى أستوديو “ديسكو مغرب” أين مُنح له شريط للمغني الراحل “الشاب حسني” كهدية ، فيما عند حلوله بالرباط ثم أخذه من الطائرة إلى طاولة التوقيع على الاتفاقات، و تم خفره عند دخوله أبواب القصر بالرباط بفيلق من الخيالة هو الأقدم في التاريخ، و كان الموكب يضم التشكيل العسكري الكلاسيكي للفرسان الذي واجه به المغرب جيوش فرنسا في معركة “إيسلي” نصرة لـ “الأمير عبد القادر”،استجابة للنداءات بالإيالة الجزائرية…،تشكيل الخيول وُضع بخطة المعركة حيث يكون في مقدمة الفرسان طلائع الجيش و قارعوا الطبول ، و بقية الفرسان يتوزعون على في الميمنة و الميسرة و الخلف، ثم في قلب الفيلق يوجد موكب السلطان و ولي عهده و ضيفه، و قد تتاح لنا الفرصة لنشرح هذه الحمولة التاريخية، بما فيها استقبال الرئيس الفرنسي في مطار الرباط على أنغام نشيد “صوت الحسن”، الذي عُزف قبل زيارة “ماكرون” مرة واحدة في استقبال رسمي، حين استقبل الملك الراحل الحسن الثاني نظيره الجزائري “الشاذلي بن جديد”…، (سنخصص مستقبلا مقالا للبروتوكول المخزني و رسائله العميقة).
فاهتمام الرأي العام الجزائري بالزيارة التي يجريها الرئيس الفرنسي إلى الرباط يبدو منطقيا جدا، و يمكن شرحه بحجم الاتفاقيات التي وُقِّعت أمام أنظار رئيسي البلدين، و إستخدام الخبراء في وصف ما يجري بالخضوع الفرنسي المطلق للرباط له ما يبرره؛ لأن الرأي العام الجزائري اقتنع بأن بلادهم فقدت تلك الحظوة لدى باريس و أن المغاربة انتقلوا في شراكتهم مع الفرنسيين من مستوى “استراتيجية” إلى مستوى “وطيدة و استثنائية”، و سنشرح سببها تسميتها بدءا من الظرف الدولي الذي يمر منه العالم، إذ قبل الإعلان الرسمي عن تحديد تاريخ زيارة”ماكرون” بأسابيع، أعلنت مراكز الدراسات أن فرنسا تمر من أزمة اقتصادية خطيرة، و أن لها صعوبات مالية جعلتها تفرض على المهاجرين المتواجدين فوق ترابها دفع ضريبة التواجد فوق التراب الفرنسي سنويا بأداء 1500 أورو، كما رفعت من الرسوم الضريبية على الشركات…، و في ضل هذه الأزمة المالية لفرنسا فرضت عليها الرباط تعبئة ميزانية هائلة بقيمة 25 مليار دولار لاستثمارها في المغرب، منها 10 ملايير دولار موجهة بشكل مستعجل للبنية التحتية، و 07 ملايير دولار استثمارات صناعية طاقية، و 05 ملايير دولار استثمارات صناعية سرية بينها إنشاء شركات مشتركة لتطوير الأسلحة.
و ستستثمر فرنسا كذلك 03 ملايير دولار لإنشاء شركات مشتركة بين الصناديق السيادية الفرنسية BPI و AFD و STOA-INF و “صندوق محمد السادس للإستثمار”، الذي سيكون الواجهة الرئيسية للاتحاد المالي المحدث، من أجل الدخول بقوة إلى السوق الإفريقية، و هذا التحالف المشترك رغم أن الرباط لا تشارك في رأسماله إلا بربع القيمة، إلا أنها حصلت على نصف الأسهم و نصف العائدات المتوقعة، لأن الرباط ستستثمر بصفتها المنصة الموثوقة و التي تحظى بإجماع الأفارقة و رضاهم، و قد تضم الرباط إلى هذا التحالف شركاء أفارقة أو عرب خليجيين في المستقبل لتوسعة الوعاء الاستثماري و تفجير القدرة الاستثمارية.
مقابل هذه الأرباح التي حققتها الرباط، يأتي خطاب “ماكرون” داخل البرلمان المغربي كحدث عادي، و تأكيده دعم المحتل المغربي المطلق في ملف النزاع حول الصحراء الغربية و السيادة المزعومة للرباط على ترابها مجرد تحصيل حاصل، عطفا على القاعدة التي تقول بأن “رأس المال جبان”، بمعنى أن المحتل المغربي تمكن من تكبيل باريس بحبال الاقتصاد، و جرها لإستثمار ملايير الدولارات في الصحراء الغربية حتى يضغط على أي رئيس لفرنسا مستقبلي غير خاضع لرغباتها و توجهاتها، باستخدام الشركات و الأموال، و قد يرغم المحتل المغربي جيش فرنسا على التحرك متى أراد لحماية هذه المصالح دون أن يطلق هو رصاصة واحدة، و هذا ذكاء مرعب قد يقود البلدين لتطوير الشراكة إلى الدفاع المشترك…،الشيء الذي جعل الأمريكيين يبرمجون بشكل مستعجل زيارة لقائد الأسطول الأمريكي السادس رفقة وفد رفيع المستوى من الكونغرس الأمريكي، بعدما أحست واشنطن بالانزعاج من الزيارة الفرنسية و حجم الاستثمارات و كمية الصفقات العسكرية…، و هذا التنافس بين القوى الكبرى على أرضاء الرباط سيعجل بظهور القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة قبيل أيام من إجراء الانتخابات الأمريكية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمكنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك