بـقـلـم : بن بطوش
لكل شيء زكاة، و زكاة القلب هي الحزن، و إنّا لمحزونون لما أصاب إخواننا في المغرب العميق و في مدينة درنة بليبيا، و كما يقال أن الذهب يُمتحن بالنار، لهذا اختار ربنا من فوق سبع سماوات الشعبين المغربي و الليبي و امتحنهما بما هو أشد من النار…، امتحنهما بالزلازل و الفياضانات… !!، و هو اختبار كانت لتزول من هوله الجبال…، و بينما أنت تطالع هذا المقال أيها القارئ الكريم، يستعد العالم ليصدر حكمه على الشعب المغربي بالنجاح في الاختبار القاسي و الموجع، بعدما شاهدنا كل قنوات الكوكب الأزرق تهتف من واشنطن إلى طوكيو للشعب المغربي لما قدمه من دروس في التضامن، و شاهدنا القوافل تخرج من مدن الصحراء الغربية تسابق الزمن نحو البؤرة لنجدة المنكوبين، و نقلت المنصات و المواقع و ترددات الإذاعات و القنوات…، صور الجمعيات الصحراوية و هي ترمي خلفها كل الخلافات السياسية و تنتصر للهبة الشعبية التضامنية، و تقدم الدعم للمنكوبين من دمها و قوتها و مشاعرها.
لكن حزننا على المأساة و مؤازرتنا للمنكوبين في القرى التي دمرها الزلزال موصول بحزننا على شهداء القضية الصحراوية، بعدما دفعت قيادتنا مرة أخرى بعدد من المقاتلين إلى المنطقة المحرمة، و بقية الحكاية تعرفونها، بأن نزاعة الأرواح، المسيَّرة “يعني”، من فوق السحب رصدت القافلة العسكرية و وجهت نيرانها إلى العربات، و سقط في القصف عدد من الشهداء، و المحزن أكثر أن قيادتنا و هي توجه القافلة العسكرية لم تحترم أيام الحداد الثلاث التي أعلنها نظام الاحتلال المغربي، و هذا شيء يتنافى مع أخلاقنا كصحراويين.
فقد ظنت هذه القيادة المفلسة أخلاقيا، أن قوات الجيش المغربي التي شاهدها العالم بالمروحيات و معها فرق الإنقاذ العسكرية و المسيرات التي يستخدمها الجيش المغربي لتحديد المناطق المنكوبة…، قد تم سحبها من ثكنات الصحراء الغربية التي تحمي خط التماس مع الأراضي المحرمة، و أن الجيش المغربي على جدار الذل و العار أصبح محروما من خدمات هذه التكنولوجيا…، ليتضح بعد القصف أن ما تم الإستعانة به هي مسيَّرات عسكرية حرارية خاصة بفرق الإغاثة العسكرية كان يحتفظ بها في المخازن و لا يتم إخراجها إلا في حالات النكبات و الحروب الشاملة، كانت الرباط قد تحصلت عليها في بداية الألفية الثانية و يشارك بها في عمليات الإنقاذ عبر العالم، و أن جميع الثكنات المغربية لديها فرق متخصصة في الإنقاذ و تمتلك أسرابا من هذه الطائرات الصغيرة الحجم.
فشل القيادة الصحراوية في تحقيق مكسب واحد حتى و جيش المحتل منشغل بتضميد جرح عميق، يؤكد إفلاس عطارة البيت الأصفر و ضعف الرؤية لدى المخابرات الجزائرية،… و الذين يؤاخذون علي دوما إشراكي للجزائر في مقالاتي، أجيبهم بأن تحركات الجيش الصحراوي لا تكون إلا بناءا على خطط تصدر من ثكنة بن عكنون حيث يجري تجميع المعطيات العسكرية عن جيش المحتل المغربي، و الدليل على ذلك أن الإعلام الجزائري نشر خبر توجيه فيلق صحراوي للهجوم على نقاط المراقبة لجيش الاحتلال المغربي ساعتين من سقوط الفيلق في كمين المسيرة المسلحة، و هذا يمنحنا حكما كاملا بأن جيش الحليف الجزائر أعمى مخابراتيا، و لا يزال يفكر بمنطق الحروب المناسباتية التي كانت تقع خلال سبعينيات القرن الماضي، ظنا بأن المحتل في الأعياد و المناسبات و النكبات يكون منشغلا بالأفراح أو الأقراح.
نترك أحزاننا و نخيط جراحنا لنناقش سر الجفاء بين الرباط و باريس، لأن هذا الجفاء يوم سينتهي و ينقلب إلى حب ستكون قضيتنا هي الثمن، و نكشف كيف أن الرباط في طريقها إلى وضع نهاية لفرنسا الإفريقية، و منعت “ماكرون” من العودة إلى شمال إفريقيا و لو من باب إنساني، حيث ظهر الرئيس الفرنسي مرتبكا أمام عدسة هاتف و خلفه إحدى النوافذ التي تظهر جزءا من الحديقة الخلفية للإليزيه في إشارة منه أنه يخاطب دولة إفريقية حيث الحديقة الخلفية لفرنسا…، و وجه ندائه إلى الشعب المغربي بالكثير من مشاعر التعظيم لهول ما وقع بالحوز، و كأنه يريد أن يقول للشعب المغربي أنه تأثر بالنكبة أكثر من النظام المغربي، و بينما هو يتحدث كان يفرك يديه بتصنع في مشهد درامي تقمص خلاله دور الرئيس الرومانسي المرهف الحس الرقيق المشاعر المتألم…، و كأنه ليس نفسه “ماكرون” الذي اتخذ قرارا قبل أيام بالتدخل العسكري لسفك الدماء في النيجر، رغبة منه في تكرار سيناريو التدخل الفرنسي في مالي، و لولا واشنطن لكان الأمر مقضيا، التي طالبته بخطوة إلى الوراء و عللت ذلك بأن لها مصالح إستراتيجية هناك.
الرئيس الفرنسي أراد مشاركة المغاربة أحزانهم رغم تجاهلهم لهذا التعاطف، و هي المرة الأولى التي يعلن فيها احترام سيادة بلد إفريقي، في محاولة منه ليبلغ دول الإتحاد الإفريقي أن فرنسا اليوم تختلف عن فرنسا الأمس، و كان ينقصه فقط اقتباس عبارة: “أنا فهمتكم” التي قالها “زين العابدين بن علي”، الرئيس التونسي المطاح به خلال الربيع العربي، كي تكتمل أركان الربيع الإفريقي ضد فرنسا _”ماكرون”.
فما أوجع أكثر فرنسا العميقة هو قبول الرباط بمساعدة أربع دول فقط، و هي أنظمة ملكية أو ذات حكم بالتوريث و ليست جمهوريات، و في ذلكم رسالة كاملة الوضوح بأنها معركة موروث ثقافي و حمولة تاريخية؛ فقد قبلت الرباط بدولتين من أوروبا، و هما إسبانيا و بريطانيا اللتان جلبتا التكنولوجيا و المعدات المتطورة جدا…، و دولتان من الجزيرة العربية، و هما قطر و الإمارات العربية المتحدة، اللتان ستساهمان بصناديقهما السيادية في إعادة إعمار المناطق المنكوبة، و لم يرفض مساعدات باقي الدول المتطوعة، التي تجاوزت الـ 70 دولة، بل تواصل مع حكوماتها التي عرضت مساعداتها بما فيها أمريكا و الهند و روسيا و السعودية و كندا و حتى الجزائر عبر قنصلها القائم بأعمال السفارة…، و أبلغهم أن تشخيص الوضع و تقييم الأولويات يظهر –في الوقت الراهن- عدم الحاجة إلى مساعدات إضافية تقنية في الميدان، و أن وصول المساعدات الدولية في وقت واحد قد يعيق الجهود أكثر مما سيساعد في الإنقاد.
و الواقع أن الرباط ليست في غنى عن المساعدات فحسب، و لكنها تمتلك خطة ميدانية أطلعت عليها الإعلام الأمريكي الذي نشر تفاصيلها، حيث نشرت القنوات الأمريكية التي تغطي على مدار الساعة عمليات التنقيب و الإجلاء تفاصيل خطة السلطات المغربية، و قالت الصحافة البريطانية التي ترافق فرق عمليات الإنقاذ و الانتشال أيضا، بأن الرباط قررت استعمال احتياطاتها الإستراتيجية من الأدوية و المواد الغذائية و المعدات العسكرية و المدنية و الخيام، و أن سلطات الرباط أقامت مدن مصغرة طبية و أخرى سكنية للإيواء…، و أضافوا بأنهم جد منبهرين لأنهم – للمرة الأولى – التي يرون فيها دولة إفريقية تتوفر على مخزون إستراتيجي من المواد الحيوية و الأولية و الأدوية…، و لها خطط طوارئ جاهزة بشكل مسبق، و ختم أحد الخبراء، بأن الرباط قررت التعافي من النكبة ذاتيا و بإمكانياتها التي رآها الجميع عبر الإعلام، و التي لا تقل عن إمكانيات دول شمال البحر المتوسط، و أنه لولا وعورة المسالك لكانت الجهود قد شارفت على نهايتها.
نحن لا نطبل لأحد ولا نمارس مسح الزجاج، بل ننقل الحقائق كما جاءت على ألسنة القريبين من الحدث، لأن الوجه السمح الذي أبانت عنه أوروبا ليس هو كل الحقيقة؛ فبينما تتوسل فرنسا و خلفها أوروبا النظام المغربي ليقبل بمساهماتها في الجهود المبذولة، تتجاهل فرنسا و خلفها العالم مأساة الإخوة في ليبيا التي ندين لهم بأجيالنا الذين درسوا عندهم و أقاموا بين ظهرانيهم، و لن ننسى دعم الراحل ” معمر القذافي” لنا في زمن كانت فيه الثورة الصحراوية أهون من بيت العنكبوت، و هذا التجاهل يدفعنا للتساؤل عن أسراره، و قبله تجاهل العالم مأساة الحرائق في الجزائر بينما هب الجميع لنجدة تركيا التي دمرها الزلزال و كأن في الأمر انتقائية… !!!
و هنا نجيب أن قوة الدولة من قوة النظام، و أن رفض الملك المغربي مساعدات الدول الكبرى ينبع من الإحساس بثقل الموروث الثقافي الشعبي و التاريخي عند الشعب المغربي، و الذي أشار له الرئيس “ماكرون” في ندائه، و أبدت الرباط برفضها فهما جيد للأحداث المحيطة، و كشفت أن لها أجهزة استخبار قوية جدا، و توفر كمّا من المعلومات تؤكد أن “ماكرون” يبحث عن مجد انتخابي له بين ركام قرى الأطلس الكبير، يستعيد به بعض الشعبية التي فقدها بين الجاليات المغاربية في أحداث مقتل الطفل “نائل” و قبله في غضب السترات الصفراء.
قضية رفض المساعدات الفرنسية من طرف الرباط أعقد مما يُروِّج له الإعلام الفرنسي، بأنه رغبة شخصية من النظام المغربي الذي يريد حرمان الشعب المغربي من هذه الهبات السخية، بل الأمر مرتبط بحملة يختلط فيها ما هو إفريقي بما هو سياسي و ثقافي و تاريخي بما هو مخابراتي، و هو ما يفسره نية الرباط قبول القافلة التي تقودها المعارضة الفرنسية برئاسة “إريك زمور”.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة