خلفيات الاعتراف الفرنسي الغادر للقضية الصحراوية و تسويات باريس مع قصر المرادية لتمريره دون تصعيد … !!
بـقـلـم: بن بطوش
و أخيرا صدر بيان قيادتنا الصحراوية بالرابوني المُتماهي مع بيان الحليف الجزائري و المُندد بـ الاعتراف الفرنسي المنحاز للرباط في ملف الصحراء الغربية… بيان فرقة الندابات داخل البيت الأصفر المغدور، لكن قبل أن نخوض في ما تضمنه و قبل أن ننظر في تحليلات الطعنة الفرنسية، و قبل أن نجيب عن سؤال عدم سحب السفير الجزائري من فرنسا كما حصل مع الاعتراف الإسباني…، علينا أن نفتح قوس الألعاب الأولمبية بباريس، لأنها ستكون مدخلنا إلى هذا الموضوع، و من شرفتها سننظر إلى الأحداث كما يراها السياسي الفرنسي، ثم كما يراها الدبلوماسي الجزائري و كيف يفهمها الاقتصادي المغربي …
فخلال حفل الافتتاح الذي جاء بعد بيان الحليف الجزائري الغاضب من الاعتراف الفرنسي الذي لم نسمع عنه و لم نقرأ تفاصيله، إلا في صبيحة اليوم 30 يوليوز 2024 تزامنا مع احتفالات المغاربة بمرور ربع قرن على اعتلاء ملكهم عرش البلاد، مرّرت فرنسا العميقة خلال حفل افتتاح الأولمبياد رسالة ردا على البيان الجزائري، كانت بغاية الاستفزاز، حينما حمل الشعلة الأولمبية يافع ببشرة سمراء، ثم أشار له أسطورة كرة القدم ذو الأصول الجزائرية، “زين الدين زيدان”، كي ينطلق بها عبر أنفاق و دهاليز باريس السفلية، فظهرت الجماجم مع الفئران على الحائط بالمجاري، أسفل بالخنادق نهر السين، أين حصلت المجزرة الشهيرة حيت نثرت البعثة الأولمبية للحليف الجزائري ورود التحية على الشهداء، ضحايا الثورة فوق التراب الفرنسي…
ظهور تلك الجماجم لم يكن له من مبرر في حفل تقديم و افتتاح لبطولة أولمبية أساسها المنافسة الرياضية فقط، و لا متسع فيها للسياسة و لا للدبلوماسية و لا للحروب الناعمة، لكن الخبث الفرنسي لا يمكن أن يقارن درجة حقده بأي مستوى من الكراهية، لكن المحبط هو صمت النظام الجزائري على الاستفزازات الفرنسية، و الذي له ما يبرره، إذ يكفي التذكير بأن الجزائر حصلت رسميا على الضوء الأخضر من فرنسا – كما جاء في الصحف الأمريكية- حتى توفر الغطاء الجوي للمتمردين الأزواد في المعارك الحدودية ضد الجيش المالي و قوات “الفاغنر”، و التوقيع الفرنسي على هذا الأمر جاء بعد مفاوضات معقدة مع الطرف الجزائري كان ملف الصحراء الغربية و السماح بعهدة ثانية للرئيس “تبون” جزءا منها، حيث كان الطلب الجزائري مستعجلا بخصوص الغطاء الجوي بعد أن استباح الجيش المالي و قوات “الفاغنر” عددا من القرى الحدودية للرحل الجزائريين، و بالمقابل قدمت فرنسا للجزائر صور أقمار صناعية تظهر توغل قوات “الفاغنر” و الجيش المالي إلى حدود 30 كلم داخل الحدود الجزائرية.
نعود إلى بيان “الهنتاتة” بالرابوني الذي جاء متأخرا بـ 24 ساعة عن بيان قصر المرادية المسحوب، و كما كان متوقعا فقد جاء بصيغة فرقة الندابات التي كنا نشاهدها في مصر، و التي شخص النجم “عادل إمام” إحدى مشاهدها حين كان يصيح و هو يحرك يديه فوق رأسه، دون أن يعرف موضوع الكارثة: “آه ياختي…، دنا غلبان و مجروح… ياختي”؛ فبيان الخارجية الصحراوية كان شاعريا و يصلح للتلحين أو تحويله إلى أنشودة للمقهورين، و كأن البيت الأصفر يريد أن ينسينا بيان الحليف الجزائري أو أن يتحمل نيابة عن قصر المرادية انتقادات الشارعين الجزائري و الصحراوي، كي يمتص زلة النظام الجزائري الذي تهور و تورط قصر المرادية في استعجال الاعتراف الباريسي، بردة فعل وصفها الإعلام الفرنسي بالغبية و الهاوية و غير الدبلوماسية،
و قالت الصحف الفرنسية أن ما فعلته باريس كان اختبارا لنضج النظام الجزائري، الذي أكد أنه لا يؤتمن على الأسرار، و أن الأرشيف الجزائري في فرنسا لو كان بين يدي هذا النظام لأصبح متداولا بين العموم و لكان سببا في حروب طاحنة بالمنطقة، و كان القياس أن يبدي قصر المرادية بعضا من الاتزان، و أن يُعلن عن استدعاء السفير من باريس للتشاور كما جرت العادة، و إن كان اجراءا بروتوكوليا مؤقتا، لمعالجة كبريائنا كصحراويين.
و نحن على يقين كصحراويين أن مهما فعل الحليف الجزائري في الظرفية الراهنة فلن تعدل باريس عن خيارها الموجع لنا، فقط كان من اللائق و لتبرئة ذمة النظام الجزائري من فرية المتاجرة بقضيتنا، كان على قصر المرادية أن يكرر الأسلوب الذي قطع به علاقاته مع الرباط، بعقد وزير الخارجية لندوة صحفية لساعتين، إلى جانب وزير الخارجية الصحراوي… لقاء تُسرد فيه أخطاء فرنسا التي أضرت بمصالح و كبرياء النظام الجزائري و الشعب الصحراوي…، و القول أن القرار الفرنسي المنحاز للرباط بخصوص الصحراء الغربية هو النقطة التي أفاضت الكأس…،ثم تمنع الجزائر الطائرات الفرنسية من عبور الأجواء الجزائرية، و يتم طرد الشركات و البعثات الفرنسية، و يغلق الأنبوب الذي يغذي الاقتصاد الفرنسي، و تنتهي القصة عند الجزائريين بفك الارتباط نهائيا مع دولة متلونة كالحرباء، و إن كانت أوجاع ما فعلته بقضيتنا متقدة في صدورنا نحن الصحراويين إلى أبد الدهر.
لكن الطريقة التي أعلن بها قصر المرادية غضبه من الاعتراف الفرنسي، يدعو إلى الشك، خصوصا و أن لغة البيان الجزائري غير مقنعة و لم تشفي صدور الشعب الصحراوي، و توقيت إعلان الخبر فيه الكثير من الشبهات، لأن فرنسا الماكرة فتحت خلال الأيام الأخيرة النقاش الإعلامي على قنواتها بخصوص الوضع الصحي و العقلي للرئيس الجزائري، و تزامن ذلك مع اعتقال النظام الجزائري لثلاث ضباط من الأجهزة السرية الجزائرية، و الحكم عليهم بـ 10 سنوات سجنا بسبب سعيهم للحصول على الملف الطبي للرئيس “عبد المجيد تبون”، و يتعلق الأمر بـ”علي التوالي”، الرجل الثاني في “المديرية المركزية لأمن الجيش”، و مساعديه العقيد “عمرو ولد زميرلي” و المقدم “طارق عميرا”، يحدث هذا قبيل أيام قليلة من حصول الانتخابات الجزائرية، و أيضا قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأمريكية التي ظهرت بها المرشحة القوية “كامالا هاريس”، التي قد تحدث المفاجئة و تفوز على “ترامب” و هي تحمل فكرا يشابه الجمهوريين كثيرا.
خوف النظام الجزائري من قدرات فرنسا العميقة و سيطرتها على الحياة السياسية داخل الأحزاب السياسية و إمكانية تأليبها الرأي العام الدولي ضد الرئيس الجزائري الحالي، و خوف النظام الجزائري من عدم توقف فرنسا عن تقديم المعلومات للأجهزة الجزائرية حول ما يحدث في حدود هذا البلد الملتهبة منذ شهور طويلة، و خوف الجزائر من ردة فعل موسكو بعد توفير الغطاء الجوي و السلاح للمتمردين الأزواديين…، جعل النظام الجزائري يقبل بتقديم مصالحه على مصالح الشعب الصحراوي، و يتنكر لشعارات مساندة للثورة و الثوار، و ترك البيت الأصفر يتيه في صحراء شاسعة و يبتعد عن طريق الوطن، رغم علم النظام الجزائري بأن فرنسا اليوم هي قائدة الإتحاد الأوروبي الذي يجهز قضاءه حكما خلال الأسابيع المقبلة، بخصوص الاتفاقات الاقتصادية مع الرباط، و الذي يمكننا الجزم فيه من الآن بأنه حكم قطعي لصالح المحتل المغربي.
الموقف الفرنسي يعني أن الموقف الأوروبي لم يعد محايدا، و أن الرباط حسمت المعارك مع الحليف الجزائري بشكل نهائي داخل الإتحاد الأوروبي، و قريبا قد نرى توقيفا أوروبيا للمساعدات و قد نسمع عن تحقيقات و متابعات لقيادات صحراوية تحت تهم من قبيل جرائم الحرب و الاختلاسات في مساعدات دولية و التجارة المحرمة في البشر… ليبقى السؤال المحير هو: ما مصير اهالينا اللاجئون بمخيمات تندوف بعد أن حسمت الرباط معاركها معنا في أوروبا و أمريكا و حتى في إفريقيا اللعينة… !!؟
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمكنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك