بـقـلـم : بن بطوش
اختلطت علينا الأحوال و تراكبت و تناقضت ثم تشابهت حتى أصبحنا مثل حاطب الليل، لا يدري ما يقع في يديه، حتى إذا كشفه النهار ضحك ساخرا من عمل ليله الذي كان جهدا ضاع في الظلام…، هذا حال كل القضايا التي تدار من خذر المومسات، و تتخذ قراراتها المصيرية في جوف الخمارات، و تحت ترانيم شعراء ما هم بشعراء و لكن أصواته كعويل الذئاب، و تستشار في الخطط الحربية “أم العيال” و جارتها السياسية و صديقتها الدبلوماسية و الوزيرة الحديدية.
ذلك أن في جيناتنا العربية هناك مُوَرِّثٌ أحمق و متهور نتشاركه مع كل العرب، حيث شاع على وسائل التواصل مقطع مصور لعرس فلسطيني بولاية ميشيغان الأمريكية ذكرني بفضائح قياداتنا الصحراوية بأوروبا، المقطع هو لأحد أبناء القيادات الفلسطينية في غزة التي تغرق تحت الحصار و تسيل الدماء في شوارعها ليل نهار…، و قد عقد قرانه على فلسطينية من نطفة القضية و التي اشترطت أن يكون عرسهما في أكبر قاعة أفراح بميشيغان، حتى تتفوق على الزفاف الذي أقيم قبل شهر برام الله، و الذي تسبب في ضجة بسبب تكلفته المادية التي قاربت الثلاثة ملايين دولار.
و وجه العريس و أهله دعوة الحضور إلى عائلات سياسيين من السلطة الفلسطينية و “حركة حماس”…، و كان حفلا مشهودا نقل المؤثرون الفلسطينيون في أمريكا أحداثه مباشرة على مواقع التواصل، حيث ظهر السياسيون الفلسطينيون متعايشين بينهم و مرحون دون خلافات، و يرقصون على أنغام الدبكة الجبلية و الطبل الذي يجلد لأجل الفرح…، و عدد من أبنائهم يحملون رزما من الأوراق الخضراء و يرمونها على العريسين اللذان يرقصان بكل انفتاح فوق أرض الحريات، و بلغ حجم الأموال المرمية فقط وسط منطقة الرقص 150.000 دولار – حسب “الواشنطن بوسط” – التي أعجب صُحُفيّها بالتعايش الذي أبداه السياسيون الفلسطينيون خلال الحفل و على الأرض الأمريكية، و الملاحظ أن العلم الفلسطيني لم يتذكره أحد و لم يُرفع في هذا الحفل، و بلغت خسائر العرس مليوني دولار… و كل هذا يحدث و غزة في حالة حصار و حرب ضد إسرائيل و ضد الفصائل الفلسطينية… !!
أعلم أيها القارئ الصحراوي الكريم و أنت أيها القارئ الجزائري الذي يشعر بالتضرر من هذا الخبر، أن في جوفكما آلاف الأسئلة عن سبب إرسال قصر المرادية ملايين الدولارات إلى السلطة الفلسطينية، التي تعيد توزيعها على السياسيين كغنائم تعاطف مع القضية الفلسطينية التي هي القضية الأم التي ولدنا على أنغامها: “على عهدى على دينى على أرضى تلاقينى…، أنا لأهلى أنا افديهم…، أنا دمى فلسطيني… فلسطيني… فلسطيني…”، و إني – أيها القارئ الكريم- بكل تجرد من القومجية و أناشيدها و بكائياتها، و تعففا من الشعارات التي تختطف القضية الفلسطينية و بعيدا عن أي ارتباط عاطفي…، سأجيبك عن كل ما يقع في سريرتك و يقض راحتك و يزعج نخوتك كرجل حرم الحياة و تبنى قضيتين، يحق له الغضب و أن يشعر بالخيانة و يحق له يبدي رأيه العقلاني بعدما رأى أن حصاده منهما ليس غير الحرمان .
الأمر لا يتعلق بمحاولة إيقاع العداوة بين القضايا و الشعوب بقدر ما هو غضب ضد الفساد و ضد الانتهازية و النخبوية في القضايا التي أفرغت من القيم الثورية، و هذا الرأي كرسه رد رئيس السلطة الفلسطينية “عباس أبو مازن” عن مبادرة السعودية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، حيث سرب الإعلام الفلسطيني أن “أبو مازن” لا يعارض الخطوة إذا ما احترمت الرياض شروط الشعب الفلسطيني و قيادته…. !!؟
هنا ظن الجميع أن شروط الفلسطينيين ستكون عودة اللاجئين و الاحتفاظ بمدينة القدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية، و دخول مسجد قبة الصخرة ضمن اختصاصات السلطة الفلسطينية و إعلان قيام الدولة الفلسطينية على حدود 47، و وقف الاستيطان و إطلاق العملة الفلسطينية…، لكن لا شيء من هذه الشروط وثقه رد السلطة الفلسطينية على ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، إذ قال الإعلام أن السلطة الفلسطينية طالبت من الرياض بناء مطار و ميناء دوليين في الضفة و في غرة، و أن تتكلف السعودية بأداء رواتب الحكومة الفلسطينية و موظفيها، و أن تدعم الموازنة السنوية للسلطة بمليار دولار سنويا…، أما قضية القدس و قيام الدولة فأمرهما عند الله، أو كما قال “عبد المطلب”: “للبيت رب يحميه”.
“بن سلمان” – حتى الآن- لم يرد على الشروط الفلسطينية التي تبدو مستفزة إلى حد ما، و تجاهل الخوض فيها في اللقاء الصحفي الذي عقده مع قناة fox news الأمريكية، و اختار التحدث عن هواجس المملكة بدءا بطموحات إيران النووية و قرب التطبيع مع إسرائيل و عن خطأ مقتل الصحفي “خاشقجي” صاحب العمود الشهير في “الواشنطن بوسط”، و أعطى رأيه في إنتاج “الأوبيك” و تحكم المملكة في الأسعار العالمية…، و حاول الظهور في ثوب القيادي المنفتح الذي قرر أخذ المملكة السعودية إلى مستوى متقدم من الحريات.
نترك الشروط الفلسطينية الوقحة و التي أخاف أن يستنسخها البيت الأصفر كي يطرحها على الحليف الجزائري يوما للقبول بالتطبيع بعد تسرب أنباء أن ثمة مفاوضات سرية تجري حتى مع قطر بوساطة أمريكية…، و نخرج مشرط التشريح لتحليل المقابلة الصحفية لـ “بن سلمان” و التي لم تكن في الأصل مجرد روتين إعلامي للأمير القوي، بل كانت بطلب من تل أبيب و واشنطن اللتان أرادتا من الرياض توضيح موقفها بشكل رسمي من التطبيع، بعد خروج إشاعات في الإعلام الإيراني تخبر بتوقف مسار الحوار بين إسرائيل و السعودية، و رد الأمير عن تلك الإشاعات بأن الطرفان يتقدمان باتجاه إعلان التطبيع الشامل للعلاقات بين المملكة و إسرائيل.
التصريح الجريء من الأمير السعودي يؤكد أمرين؛ الأول أن الغرب لا يمانعون في حصول السعودية على السلاح النووي إذا ما تحصلت إيران عليه شريطة أن يكون تحت مراقبة اللجان الدولية و هذا يجعل السعودية أول بلد عربي و ثاني بلد إسلامي يتحصل على هذه التكنولوجيا العسكرية الفتاكة و المدمرة و يحقق توازن الرعب في الشرق الأوسط مع القوى الأخرى كتركيا و إيران و إسرائيل، و الثاني أن تلك التصريحات هي إعلان رسمي بتخلي الرياض عن التطبيع مع إيران و الذي أغضب واشنطن و لندن، و زاد من مشاكل السعودية مع حلفائها.
بعد إذاعة الحوار على “الفوكس نيوز” الأمريكية جاء الرد الإيراني بشكل مستعجل، عبر هجوم عسكري على القوات البحرينية في اليمن تسبب في مقتل عدد من ضباط الجيش البحريني، و قال بيان البحرين أن الهجوم كان غادرا و أن القوات البحرينية لم تكن في حالة دفاع بسبب الهدنة التي خلفها التطبيع السعودي–الإيراني، و قد خلف الهجوم غضبا عربيا عارما و أدانته جل الحكومات العربية، و لم تدنه الحكومة الجزائرية التي بقيت وحيدة خارج الإجماع العربي، و الغريب أن قصر المرادية أعلن بعد يومين من الهجوم تضامنه المطلق مع الحكومة الباكستانية بعد التفجيرين اللذان استهدفا موكبا دينيا في إقليمي “بلوشستان” و”خيبر بختونخوا”، بحيث كانت لغة البيان قوية، الشيء الذي جعل النشطاء العرب يستفسرون عن سبب تجاهل الحليف الجزائري الهجوم الحوثي على القوات البحرينية حتى إعلاميا، و تعاطفه مع دولة باكستان، و وصفوا الصمت الجزائري بالفضيحة التي تكشف تورط الجزائر في علاقات غير تقليدية مع طهران.
انتقائية الحليف و الإحراج الذي يعيشه كلما تعلق الأمر بحساسية القضايا العربية التي تتقاطع مع القضايا الإيرانية و تشكل نقاط خلافية معه، ازدادت وضوحا بعد أن تسبب مجسم لتمثال الجنرال “قاسم سليماني” في إلغاء مقابلة لكرة القدم كانت ستقام في ملاعب إيران، بين الاتحاد السعودي الذي يلعب له النجمان “كريستيانو” و “بنزيمة”، و بين فريق أصفهان الإيراني، بعد إصرار ممثل المرشد الأعلى و محافظ أصفهان على عدم إزالة تمثال “قاسم سليماني” من مدخل الملعب، و الذي وضع لاستفزاز الفريق السعودي و رئيسه “ياسر المسحل” المقرب من الأمير “محمد بن سلمان”، و رفض الفريق السعودي الدخول إلى الملعب قبل إزالة التمثال من الممر، و ردد أنصار الفريق الإيراني عبارات “الخونة” تعبيرا عن سخطهم من تصريحات الأمير السعودي.
الجدال تحول إلى سجال و تسبب في إيقاف المقابلة من طرف مندوب الاتحاد الآسيوي، بعدما أبلغه الفريق السعودي أنهم يضعون مجسما لقائد عسكري دموي كان تخصصه قتل المسلمين في العراق و سوريا و اليمن و لبنان، و أن أمريكا اغتالته بمسيرة في بغداد إرضاء لإسرائيل التي صنفته مع “هتلر” كأحد مجرمي التاريخ المعاصر، و كانت تستعد للحرب ضد إيران بسبب هذا الرجل و مخططاته الدموية…، هذه الواقعة أدانتها جميع الاتحادات الكروية العربية التي وصفت سلوك طهران بمحاولة تلويث الرياضة بالإيديولوجية الشيعية المتطرفة، و بمحاولة إهانة الفريق السعودي العريق، غير أن الاتحاد الجزائر لم يصدر بيانه إلى حدود كتابة هذه الأسطر، مما يزيد من شرخ التباعد بين الجزائر و باقي دول الجامعة العربية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة