بعد موقف دولة فنلندا، الشعب الصحراوي يتساءل عن سبب عجز البيت الأصفر و الحليف لتدبير حلول توقف موجة الاعترافات
بـقـلـم:بن بطوش
أصبح كل شيء على حافة الهاوية، و كنا نظن أن أصعب الأيام التي عشناها كصحراويين هي تلك التي شهدنا فيها المعبر الملعون و هو يسلب منا دون رجعة، لم نكن نظن أن تلك الخسارة هي بداية الخسارات الكبيرة، و نحن اليوم نعيش أبشع أيامنا و أفضعها، و يمكن التعليق عليها بما قاله الأنيق “دوستوفويسكي” أن الأفكار تنشأ من الألم… و إذا كان الإنسان سعيدا لم يفكر قط…، يالها من حكمة، لأنه و بالفعل قيادتنا لا تفكر مطلقا رغم هذا الكم من الوجع و المآسي و الدمار، رغم هذا الفقد الكبير و رغم الجنائز التي يفرضها علينا سلاح “يعني” الشيطاني بشكل شبه يومي، فلا تزال قيادتنا لا تستطيع التفكير و تنتظر أن يأمرها أحد من ثكنة “عنثر” أو من قصر المرادية حتى تخرج بيانا تندب فيه ما يحصل، و السبب في هذا العجز هو بكل بساطة المفكر الروسي الرائع “دوستوفيسكي”، أن هذه القيادة تعيش الغنج و السعادة، بعدما كنزت أموال القضية في حساباتها بمدريد و باريس و بنما…، و بعدما أمن “الهنتاتة” لأبنائهم المستقبل بمشاريع مخملية في أمريكا اللاتينية و أوروبا و الخليج، و انفضوا يتنافسون بينهم على من سيمضي أفضل عطلة صيفية،و يبدو أن القيادي “إبراهيم أحمد محمود” (كريكاو) نال هذا الشرف بعدما نزل بسواحل نواذيبوا بموريتانيا للإستجمام تحت أشعة الشمس الدافئة، رفقة وفد من أسرته أنفق على تنقله أزيد من 700.000 دينار جزائري، أي ما يعادل 5000 أورو…، صدقوني هذا الرقم لتنقلهم فقط.
السؤال الذي يسلبني راحتي هو كيف طاب لقيادتنا الاستجمام في هذا الظرف الكئيب…؟، و كيف أمكنهم الشعور بالراحة و التمدد قبالة أشعة الشمس على رمال الشاطئ و نحن في حالة حرب و انتكاسة دبلوماسية، مع العلم أن (كريكاو) كان ضمن نخبة “الهنتاتة” الذين قرروا من بيت الشر الأصفر المكتئب، إرسال دفعة جديدة من المقاتلين للرد على الاعتراف الفرنسي، بقصف نقاط المراقبة العسكرية لجيش الاحتلال على طول جدار الذل و العار، و عاد منهم شخصين يحملان ما استطاعوه من أشلاء الشهداء، كي توارى الثرى ليلا، حتى لا يشهد مهلكهم أحد من الصحراويين، و حتى لا تسرب الصفحات بشاعة صور أشلائهم…، و كان القياس يقتضي أن يُظهر “الهنتاتة” حد أدنى من الحياء القيادي، و أن يرابطوا في المخيمات إلى أن تهدأ الأوضاع و تطيب النفوس المكلومة بالاعتراف الفرنسي.
الأخبار اليوم تقول بأن الاعتراف الفنلندي و الدعم الذي أعلنته وزيرة خارجية هذا البلد الإسكندنافي، يؤكد أن الاعتراف الفرنسي قد غير الوضع داخل الأمم المتحدة و مجلس الأمن، لأن دولة فنلندا ليست كباقي دول الاتحاد الأوروبي، و هي أقرب في العقيدة السياسية و الدبلوماسية إلى بريطانيا، و كباقي الدول الإسكندنافية فهي لا تخضع للمواقف الأوروبية الدبلوماسية المباشرة، و لا تتأثر حتى بأزماتهم السياسية و لا تتفاعل معها، و لكنها تتبع الخطوات البريطانية التي لا تتخذ مواقف دولية إلى بناءا على التكتلات و المصالح التي تتحدد داخل الأمم المتحدة و مجلس الأمن، و هذا يؤكد أن الاعتراف الفرنسي أثر بشكل عميق في مواقف الدول أمميا و داخل مجلس الأمن، و أن القناعة السائدة اليوم عند دول العالم مبنية على أن المحتل المغربي هو صاحب الصحراء الغربية، و لا شيء آخر…، و لا مكان لدولة جديدة في المنطقة.
هذا الكلام موجع و محزن لنا كصحراويين، بل محبط حد الاختناق، لكنه الواقع، فموقف فنلندا مخيف جدا لأنه كسر الحياد أو “التعاطف” الإسكندنافي مع مأساة الشعب الصحراوي، و بالقياس على هذا الموقف يمكننا الحكم بأن التكتل الإسكندنافي هو من أعطى الضوء الأخضر لـ”هلسنكي” من أجل تقديم الاعتراف، الذي يدعم الرباط لترجيح مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد و أوحد لحلحلت ملف قضية الصحراء الغربية المحتلة، و كل ما بقي لنا كرأي عام صحراوي هوالمحاولة بيأس لفهم أسباب العجز الدبلوماسي الجزائري و الصحراوي لإيقاف هذا النزيف، الذي بدأ مع الإعتراف الأمريكي و تلاه فتح قنصليات بمدن الصحراء الغربية، و اليوم المحتل يخترق القلعة المحصنة لدول الشمال الأوروبي، و الذين وصفهم الأخ “إبراهيم غالي” في حواراته الصحفية بالأصدقاء المخلصين… !!
قراءة الموقف الفنلندي تؤكد بعض المعطيات أو الاستنتاجات التي وجب أن نتشاركها من باب العلم بالشيء، و تقول هذه المعطيات أن حكومة “هيلسنكي” استخدمت خبثها الدبلوماسي لتحول لحظة الاعتراف إلى موعد للاحتفال داخل مقر وزارتها الخارجية، حيث نزل الوزير المغربي “ناصر بوريطة” كضيف على وزيرة خارجيتها،و جرى إعلان الخبر في بيان مشترك،و عدم الإكتفاء بمجرد مراسلة دبلوماسية بين حكومة البلدين، بل خصصت الخارجية الفنلندية للحدث مؤتمرا صحفيا،استدعي له الإعلام الدولي و جرى تغطيته من طرف كبريات الصحف الأمريكية و الفرنسية و الإسبانية، و تم وصفه بالحدث التاريخي، و الأمر الثاني أن الإعلام الجزائري الرسمي لم يتفاعل مع الخطوة حتى الآن و لم يظهر أي ردة فعل، و كأن الأمر لا يعنيه، نفس الملاحظة بخصوص الإعلام بالرابوني و حسابات الدبلوماسيين الصحراويين المنشغلين بعطلهم الصيفية، مع العلم أن جريدة الشروق الجزائرية كتبت عشية الاعتراف الفنلندي، بأن الجزائر لديها ثلاثة أوراق للضغط على باريس من أجل تصحيح موقفها، و كان المقال طويلا و عريضا و لم يشر فيه الكاتب إلى الإعتراف الفنلندي و لو من بعيد، و هذا منتهى الجهل الإعلامي لأن مهنة الصحافة توازي فقه النوازل.
نضيف إلى هذه الملاحظات كون وزير الخارجية لدولة الاحتلال المغربي، ظهر منتشيا و هو يحتسي أشهر مشروب إسكندينافي(الشاي بالحليب)، و نشرت الخارجية المغربية على حساباتها صورا للوزير فاغر الضحكة، في إشارة إلى الوضع الدبلوماسي المريح للبلاد، بينما تجلس الوزيرة الفنلندية كموظفة تضع قدم على أخرى و تشاركه المشروب الساخن الذي تمنحه هيلسنكي لضيوفها الكبار كعربون كرم و حفاوة ترحيب و نجاح الشراكات…، مما يعني أن التوافق الدبلوماسي بين الدولتين بلغ مستويات يصعب اختراقها و يصعب إضعافها، و هذا يدفعنا للتساؤل عن قوة الدبلوماسية المغربية و قدراتها الكبيرة على تطويع المواقف و لي أعناق الدول، و عن عجز الدبلوماسية الجزائرية و الصحراوية لموازاة هذه الإنجازات أو كبحها و تعطيلها حتى داخل القارة المنكوبة.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك