الرئيس الجزائري في حواره مع جريدة “لوبينيون” يتهم اليمين الفرنسي بتسميم الأجواء بين البلدين، و يرحب بالتطبيع مع إسرائيل
بـقـلـم : بن بطوش
وقف الكاتب بقبعته الأوروبية داخل المقهى ثم تأمل الزبائن فلم تلمح عيناه غير امرأة تجلس في عمق المقهى بكل أناقتها الصباحية، اندفع إليها ثم سألها: “هل تدخنين… !!؟”، فأجابته بكل عصبية: “نعم أُدخن و أشرب و مُلحدة و هذا ليس شأنك فأنا حرة و لن يستطيع المجتمع الذكوري أن يكسرني… “!!، تعجب الكاتب من نرفزتها ثم قال لها: ” كنت فقط أريد القداحة لإشعال سيجارتي !!“...سؤال الكاتب كشف أن تلك المرأة تعيش فوضى نفسية يصعب ترتيبها، و حربا عاطفية بين قناعاتها و مجتمعها الذي لا رحمة فيه…. و الكاتب لا دخل له بسؤاله بما يحدث في دماغها، فقط كان يبحث عن قداحة يشعل بها سيجارته كي يكمل روايته التي بدأها قبل أيام… !!
ردة فعل تلك المرأة المضطربة تشبه إلى حد كبير ردة فعل الرئيس الجزائري أمام الصحفي الفرنسي الذي أوفدته جريدة “l’opinion” لمحاورته، بعدما رفضت كبريات الصحف الفرنسية المقربة من وزارة الخارجية و جهاز DGSE، كجريدة “Le Parisien” و “Le Monde” و “Libération” و “Les Echos” و “L’Express” و “Libération” …، دعوة النظام الجزائري لإجراء حوار صحفي مع الرئيس “تبون” لتوضيح آراءه، ردا على ما قالته اليمينية الفرنسية “ماري لوبين“، التي هاجمت في ندوة صحفية النظام الجزائري، و قالت أنها حين تصل إلى قصر الإليزيه ستعامل النظام الجزائري كما عامل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” كولومبيا بعد رفضها استقبال المُرحَّلِين من أمريكا و ستفرض العقوبات.
و خروج الرئيس الجزائري إلى الإعلام كان للرد على اليمين الفرنسي الموعود بالحكم في الفترة التي ستعقب انتهاء عهدة الرئيس الفرنسي “ماكرون” (كما جاء في توقعات مراكز الدراسة)، و بناءا على تحركات رجل الأعمال الأول في أمريكا “إيلون ماسك” داخل أوروبا و التي تزعج كثيرا اليساريين و الديمقراطيين و الليبراليين الأوروبيين، و هنا نفتح قوس لنجيب الذين يعتبرون هذا الكلام رجما بالغيب أو تحاملا على الأنظمة الأوروبية، حيث نخبرهم أن “إيلون ماسك” شارك في تجمع لحزب “البديل من أجل ألمانيا”، و ألقى كلمة باسم أمريكا عن بعد عبر تقنية الفيديو، و مشاركته كانت باسم حكومة الرئيس “ترامب”، و عبر عن دعم صريح من البيت الأبيض لهذا الحزب اليميني، الشيء الذي جعل الحزب يحصل على شعبية كبيرة، و يقفز في استطلاعات الرأي من المراكز الأخيرة إلى المراكز المتقدمة.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تشعر بالحياء في دعمها للأحزاب اليمينية داخل أوروبا؛ لأن الرئيس الأمريكي يعتبر أن اليساريين و الأحزاب الديمقراطية و الليبرالية الضعيفة في أوروبا هي من تسببت في الحرب الأوكرانية، و هي سبب الضعف الأوروبي و هي من تطلب الدعم من أمريكا و تعجز عن حل أزماتها، و النظام الجزائري يعرف أن صعود اليمين في أوروبا يُنذر بسنوات عجاف في العلاقات مع قصر المرادية، و يعلم أن اليمين الأوروبي يحمل فكرا أشبه بفكر الديكتاتوريات الأوروبية خلال القرنين 19 و 20، و التي كان يقودها الجنرالات أمثال “فرانكو” و “دوغول” و “موسيليني” و “هتلر”…، ما نراه و نعيشه اليوم و كأنه تكرار للتاريخ.
إذ لا يمكننا تحليل الحوار الذي أجراه “عبد المجيد تبون” بعيدا عن السياقات و الارتباطات الكبرى في هذا العالم؛ فخوف النظام الجزائري من الرئيس الأمريكي أصبح واضحا، و حوار الرئيس الجزائري يُلقي بالكثير من الإشارات إلى أن الجزائر تريد حصر مشاكلها في العداء مع الأحزاب اليمينية الفرنسية فقط… !!، و لا مشاكل للجزائر مع حلفاء أمريكا أو مع أمريكا نفسها، حتى في حديثه عن العدو المغربي أراد “عبد المجيد تبون” أن يظهر بعض الود و الكياسة المستفزة، بأنه يُقدم خدمة جليلة للرباط الحليف الأول لواشنطن في القارة اليائسة، و قال أن جيشنا الشعبي الصحراوي و قياديينا بالرابوني يطالبون و بإلحاح من قصر المرادية الحصول على أسلحة متطورة، لكن النظام الجزائري يرفض تسليح الجيش الشعبي الصحراوي بأسلحة نوعية، و هذا التصريح/الزلة و القول المتهور، لوحده يحتاج إلى مقالين أو ثلاثة لتحليله و لصبر معانيه المكلفة جدا.
ثم فجأة تخلى الرئيس الجزائري عن العنترية في حديثه عن ملف التطبيع، و لم يُقسم بالأيمان الغليظة، و لم يتوعد إسرائيل و لم يطالب بفتح المعبر و لم يتحدث عن استعدادات الجيش الجزائري للقيام بتلك الأشياء التي سبق أن عبر عنها…، بل أبلغ الصحفي بكل بساطة أن بلاده لا تعارض التطبيع مع الكيان الغاصب، و اشترط لذلك نفس شرط الأمير السعودي “محمد ابن سلمان” (قيام الدولة الفلسطينية) و إن كان حصول ذلك على الأوراق فقط، مع العلم أن الجزائر أنهت لتوها رئاسة مجلس الأمن و لم تتجرأ على عرض الفكرة أو طرحها، و لو من باب الاقتراحات و لم تشارك في المفاوضات بين الفلسطينيين و الإسرائيليين…، بل رأينا سفير الجزائر بالأمم المتحدة، “عمار بن جامع”، يتودد لممثل الدولة العبرية بعبارات الترحيب في مجلس الأمن و يتفادى إغضابه.
خفض “عبد المجيد تبون” لسقف العداء مع إسرائيل، و هو الذي كان يشترط لعودة العلاقات مع الرباط تجميد التطبيع مع هذا الكيان، و كان يتهم النظام المخزني بإحضار العدو التاريخي للعرب إلى حدود الجزائر… !!، يؤكد أن الجزائر تعيش مرحلة من الرعب الداخلي، و أن سيناريو سقوط النظام السوري لازال يؤرق النظام الجزائري الذي لا يأتمن الأمريكيين و الإسرائيليين و يسعى لإرضائهم مؤقتا، و أرسل لهم رسائل ود و محاباة مغلفة ببعض التنازلات.
اهتمام “تبون” بمحاولة إرضاء أمريكا و إسرائيل و تقريع اليمين الفرنسي و نصح الرئيس “ماكرون”…، جعلت جميع المهتمين للشأن الجزائري لا ينتبهون لإغفال الرجل عدة نقاط ساخنة، كقضية هزائم جماعة الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (ISWAP) في بلدة “أساماكا”، المتاخمة للحدود النيجيرية – الجزائرية، و إصدارها بيانات تتبرأ فيها من احتجاز أي سائق مغربي، كما عللت الجماعة هزائمها و ربطتها بتدخل الجيش المغربي لمساعدة قوات النخبة النيجيرية، و جاء في تصريحات قيادييها أن المغرب أرسل عناصر عالية التدريب و استخدم في المعارك التي حسمها مسيرات انتحارية تعمل بالذكاء الصناعي و تحمل وسم “صنع بالمغرب”، و أنه اليوم أصبح يبسط سيطرته على مساحات شاسعة بالحدود النيجيرية – الجزائرية، و قالت الجماعة أن الرباط تقوم بهذا استعدادا لحرب محتملة مع الجيش الجزائري… !!
كان منصة الجريدة الفرنسية “لوبينيون” فرصة لتبرئة الجزائر من حرب الساحرات، التي تقول المعطيات الإستخباراتية أن النظام الجزائري يشنها ضد السائقين المغاربة في العمق الإفريقي، لهذا فإن كان الرئيس الجزائري قد تعمد عدم ذكر ما يحصل بالقرب من حدود بلاده، فالرجل لا يعرف شيئا عن السياسة و الدبلوماسية و لا يجيد تدبير الأزمات…، و إن كان غير معلوم من طرف الجيش أو أنه استلم ورقة المواضيع التي سيتحدث عنها منقوصة من هذا الملف، فالرجل لا يحكم الجزائر… !!، و المرجح أن هذا سبب عدم إرسال قصر الإليزيه لجريدة فرنسية من العيار العالمي، و سلوك الإليزيه يذكرنا بحوار من التاريخ كان قد جرى بين “على بن أبي طالب” (رضي الله عنه)، المحارب اليافع حين موقعة الخندق و القاتل “عمرو عبد بن ود”، الخبير في القتال و عدو المسلمين الأول، حين وقف الفارسان في المبارزة فقال “ابن ود” متهكما: “استصغروك فأرسلوك لتكون طعاما لحد سيفي…، لماذا أرسلوك و لم يرسلوا أحدا منهم… ؟”، فأجابه “علي بن أبي طالب”: ” بل أرسلوني إليك لأني أقل منهم شأنا وأنت لا تستحق واحدا منهم !!” … لهذا فباريس هي الأعلم بحال الحليف و كفى.
و حين قال الرئيس الجزائري أنه لا ينوي البقاء في الكرسي و الخلود فيه، فالرجل لا يتحدث عن خيارات ديمقراطية بقدر ما أنه يريد أن يخبر الرأي العام الدولي أنه جاء لأداء دور في مرحلة معينة، و أن مهامه تنتهي بانتهاء المرحلة، و قد يكون سقوط “نظام بشار” سببا في استمراره بالحكم، و قد يكون سببا في التضحية به، و هذا ليس تحاملا على الرجل بقدر ما أنه قراءة للأحداث، و محاولة لفهم المشهد الجزائري الذي هو أساس ما يحدث في المشهد الصحراوي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك