الجزائر تحتج على فرنسا بسبب التمرين العسكري مع المغرب “شرگي 2025” في منطقة الراشيدية التي تبعد بحوالي 100 كلم من ولاية بشار
بـقـلـم: بن بطوش
في تعليقه على مخرجات القمة العربية في القاهرة، رد “دونالد ترامب” بعبارة: “ثمة أمر ما سيحدث مع إيران قريبا…”، هذا التعليق جعل الخبراء يؤكدون أن طهران أفسدت على العرب قمتهم في القاهرة، و كانت سببا في انسحاب الرياض و أبو ظبي من الخطة التي أعدّتها مصر، و التي أصرت الدوحة و القاهرة بأنه لا يمكن تطبيقها إلا بمساعدة من حركة “حماس”، فيما القيادات السعودية و الإماراتية رفضت أن تفتح صناديقها السيادية لإعمار غزة دون تفكيك الحركة نهائيا، و تسليم إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية و إلى اللجان العربية التي ستتألف من الدول المانحة.
الخلاف بين التيارين اشتد حينما قالت الإمارات العربية أن أي إعادة للإعمار في ظل حكم حركة “حماس” سيكون مؤقتا، و وزعت الإمارات على الدول العربية تقارير مالية حول أنفقته في غزة قبل تدميرها، و عن خسائر الدول العربية و خسائر ساكنة غزة، و قالت بأن على “حماس” إن أرادت الاستمرار في حكم القطاع أن تُعيد الأموال التي صُرفت على الإعمار خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة، و أن تُعوِّض العائلات الغزّاوية عن خسائرها و أن تتكلف لوحدها بإعمارها و حينها يحق لها البقاء، لأن خطط “حماس” هي التي أوصلت القطاع إلى هذا المستوى من الدمار و جعلته أرضا لا تصلح للحياة.
الخلافات العربية اشتدت بين المانحين و وجدت كل من مصر و الأردن نفسيهما في وضع حرج جدا؛ لأن الخطة لم تحظى بالإجماع العربي و بالتالي سيصعب تمويلها، و دولة قطر لا يمكنها أن تتحمل لوحدها المبالغ الرهيبة التي ستحتاجها عملية إعادة الإعمار، و الجزائر التي يٌساند الطرح القطري ترفض منح 30 مليون دولار فقط للفلسطينيين، كان قد وعدت بها القيادة الفلسطينية، فما بالك المساهمة لجمع مبالغ تم تقديريها بأزيد من 100 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج الخام للاقتصاد الجزائري السنوي…
و حسب تصريح الرئيس الأمريكي، فإن السبب وراء الفُرقة العربية هو اقتناع قطر و الجزائر بالطرح الإيراني، الذي يدفع في اتجاه بقاء “حماس” داخل القطاع كسلطة، رغم أن إيران التي ورطت الحركة في حرب ظالمة و اغتالت قائد الحركة “إسماعيل هنية” و رفضت الدفاع عن القطاع في عز الفتك الهمجي للجيش الإسرائيلي، لا تزال تضع يدها على القرار داخل حركة “حماس” و تحرك قياداتها حسب هواها، و تدفع بالمنطقة للمزيد من الخراب، و قد تهدي الرئيس الأمريكي ما لا يمكن رفضه، و تكون سببا في تهجير الغزّاويين.
نترك ملف الخيبة العربية و البلطجة الصفوية، و نفتح واحدا من أشد الملفات حساسية هذا الأسبوع يتعلق بالضجة الإعلامية حول المناورات العسكرية “شرگي 2025″،حيث أصدرت الخارجية الجزائرية بيانا تقول فيه “أن الأمين العام للخارجية الجزائرية استدعى السفير الفرنسي في الجزائر من أجل لفت انتباه الدبلوماسي الفرنسي إلى خطورة مشروع المناورات الفرنسية – المغربية، المزمع إجراؤها شهر شتنبر في الراشيدية بالقرب من الحدود الجزائرية، و ذلك تحت مسمى شرگي 2025 و ما لذلك من دلالات” (في إشارة إلى ما تسميه الرباط حقوقها التاريخية في الصحراء الشرقية)… و أضاف البيان “أن السيد الأمين العام أوضح لمحدثه بأن الطرف الجزائري ينظر إلى هذا التمرين على أنه عمل استفزازي ضد الجزائر، مضيفا بأن تصرفا من هذا القبيل سيؤجج الأزمة التي تميز العلاقات الفرنسية – الجزائرية و يرفع من حدّة التوتر إلى مستوى جديد من الخطورة.
الجزائر نفسها تقوم بمثل هذه التمارين العسكرية على الحدود و الرباط لم يسبق لها أن غضبت من هذا الأمر، و لذلك فخروج بيان من هذا القبيل لدولة تتحدث عن حدث عسكري داخل تراب دولة مجاورة لها، لا يمكن إصداره إلا لسببين؛ أولهما أن يكون فعلا ثمة ما يدعو للخوف بأن يكون التمرين يشمل تقنيات ستجرب فعلا للتأثير على الجيش الجزائري و الذي لا تبعد قواعده العسكرية الرئيسية سوى بـ 100 كلم عن موقع التمرين، و الثاني أن تكون الجزائر تريد من فرنسا الانسحاب فعلا و إظهار بعض التراجع لتسوق الحدث كنصر للنظام الجزائري تبني عليه عملية صلح و تطبيع شاملة مع النظام الفرنسي.
الآن نحن بحاجة للتفصيل في الطرح الأول الذي يشكل الركن المظلم في مخاوف النظام الجزائري كي نفهم أسباب الفزع الجزائري من المناورات العسكرية “شرگي 2025″، و هنا نقول أن البيان جاء بعد 24 ساعة فقط من تسلم الجيش المغربي مروحيات الرعب الأمريكية “الأباتشي” نسخة AH64E Guardian، لكن المفاجئ أن الرباط لم تضع هذه المروحيات الشرسة داخل ثكنات جيشها بالصحراء الغربية المحتلة، بل تم وضعها في ثكنة وسط المملكة، بمعنى أن الرباط لا تنوي استخدامها ضد الجيش الشعبي الصحراوي و ترى بأن مُسيِّرة واحدة كافية لردعه، بل هي موجهة بالأساس ضد الجيش الجزائري الذي ترى الرباط أن قيادته لا يمكن الوثوق في قراراتها…. بالإضافة إلى أن فرنسا قبل أسبوعين كانت قد سمحت بتسليح “خليفة حفتر” بطائرات من الجيل الخامس، و الأكثر أن هناك حديث عن إرسال فرنسا لخبراء من أجل تدريب الجيش الليبي (حفتر) على عمليات إجتياح برية… !
ثمة مؤشر آخر يُخيف الجزائر، و يعود إلى تمارين “الأسد الإفريقي“، حيث كانت قوات الجيش الأمريكي خلال المناورات تقوم بتعطيل الدفاعات الجزائرية، بسبب أن رادارات بطاريات الدفاع الجوي للجيش الجزائري المثبتة بالقرب من الحدود الغربية، يبلغ مداها 1000 كلم، و تغطي مساحة 500 كلم داخل التراب المغربي، و إدارة تمرين “الأسد الإفريقي” في إطار التدابير الاحترازية كانت تخشى من التفعيل التلقائي للبطاريات الجزائرية عند استخدام الذخيرة الحية، أو عند تحرك الطائرات المقاتلة المسلحة، مما كان يفرض على القوات الأمريكية تعطيل رادارات بطاريات الدفاع الجوي الجزائرية، و هذا ما كان يُزعج قيادة الجيش الجزائري، التي لم تكن لتجرؤ على استدعاء السفيرة الأمريكية أو الاحتجاج عبر بيان تصف فيه ذلك السلوك العسكري بالاستفزازي.
عطفا على هذه المعطيات فإن قرب التمرين “شرگي 2025” من الحدود الجزائري و الذي ستشارك فيه مروحيات الأباتشي المتطورة جدا و مروحيات فرنسية، و الذي هو في الأصل تمرين تقليدي كان ينظم منذ 2015 و تمارس فيه نفس الطقوس العسكرية التي تمارس في تمرين “الأسد الإفريقي” بتعطيل الدفاعات الجزائرية، سيحدث هذه السنة في ظل توترات دبلوماسية بين قصري الإليزيه و المرادية، و الجزائر تعتبر أي استخدام تكنولوجي فرنسي لتعطيل الدفاعات الجزائرية من أجل تنفيذ التمرين، سيكون بمثابة عملية لتمكين جيش العدو المغربي من خبرات و تكنولوجيا متطورة جدا، و سيكون عبارة عن مساعدة كبيرة من فرنسا لإضعاف قدرات الجيش الجزائري لأجل تحقيق التفوق العسكري المغربي المطلق.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك