الإمارات تُضيِّق الخناق حول الاقتصاد الجزائري و الرئيس “تبون” يُهدد بسياسة “الحجارة لمن خرج على الصف”… !!؟
بـقـلـم:بن بطوش
أشعر أن ثمة الجزء الأكبر من كلام الرائع “دوستويفسكي” يخصنا و يعنينا و فيه عتاب لنا، بل و يصف حالنا بكل التفاصيل، بخيباتنا و أفراحنا و هزائمنا و حتى انتصاراتنا التي لا تراها غير قيادتنا بالرابوني…، ذلك أن له عبارة غاية في الدقة يقول فيها: “كان عليك أن تغادر منذ انقباضة صدرك الأولى، لكنك غامرت !!” … هنا أجيبه بنبرة الغاضب مهما بلغ يقيني أن الرجل مُحق، أننا لن نغادر رغم كمد الخيبة، لأننا أضعف مما نبدو عليه، و لأنه ليس ذنبنا أننا عشقنا قضية قادتها و سدنتها و سياسيوها و حكماؤها و مجانينها و مهربوها و لصوصها و بلطجيوها و صحافيوها و مشردوها… مولعون بـثقافة “التْهَنْتِيتْ”،… ابتلينا بقضية فقط المسحقون من الشعب هم من يقبعون أسفل رحاها، ممن لا يملكون من الأدوار في هذا المنفى الطوعي، غير الانقياد زُمرا إلى أم المهالك حيث الأرض المحرمة، هؤلاء المسحوقون هم الفئة الناجية من “التْهَنْتِيتْ”، لكنه عِتق ملعون، لأن الناجين من “التْهَنْتِيتْ” عليهم أن يواجهوا نزّاعة الأرواح التي تراهم من فوق السحاب و لا يرونها…، الناجون من “التْهَنْتِيتْ” هم الحطب التي تسعر به قيادتنا نار التاريخ النضالي الصحراوي.
معدل الإحباط و كمية الطاقة السلبية عند الصحراويين و التي أجدها في غرف النقاش و منصات الرأي، تكاد تدفعني لاعتزال الكتابة، و الانطواء في زاوية مظلمة و انتظارانقضاء العمر…، و نحن كصحافة رأي لا نلوم الإنسان الصحراوي على ما يشعر به من إحباط، و لا نجادله في ما فعلته القيادة بهذه القضية، و لا نُجرّم أحكامه التي تُشيطن سياسة “الأمانة الوطنية” و تتهمها بالفساد، لكنني أستشعر في قلب كل فرد يجادلني على المنصة أنه مشروع “هنتات”، بعدما فهم أن لعبة الحرب كانت حركة خادعة استدرجت إليها القيادة الصحراوية كي تخدم أجندة معينة، لكنها فشلت و لم تحقق المراد، و أصبح الجميع في المخيمات يعي أن ثمة طريقان لا ثالت لهما؛ إما أن تكون “هنتاتا” فتحصل على جزء من الكعكة، أو تُغير جلدك و تمتهن المعارضة فتَعْلَق بين التخوين و التخويف.
وسط حرب الهوية الصحراوية، و “الانزياح” حتى لا نقول الضياع الذي يعيشه الإنسان الصحراوي الكريم المُهان…، يكون المحتل المغربي قد حصل على موقع متقدم بين الشعوب الإفريقية، بعدما أعلن الصحفي المالي “حمدي ديورارا”، المقرب من دوائر القرار أن جولة من المفاوضات السرية بين نواكشوط و باماكو، ستجري هذا الأسبوع بالرباط، من أجل وقف العنف الحدودي بين الدولتين، و إخماد شرارة الحرب التي توشك أن تستعر بين الجارين… و حسب الصحفي ” ديورارا” فإن الرباط سترعى الحوار الذي عجزت الجزائر عن تبنيه، بعدما قرر قصر المرادية دعم مالي ضد موريتانيا بالعدة و العتاد، و وعدت الجزائر القيادة العسكرية المالية أنه في حال إعادة العلاقات مع النظام الجزائري إلى وضعها الطبيعي، فإنها ستمدها بسلاح المُسيّرات و خبراء الحرب.
و حسب ما رد به الإعلام الموريتاني، فإن الحليف الجزائري يسعى بكل ثقله لإخضاع نواكشوط، خصوصا بعد أن قررت موريتانيا الاستعانة بالمساعدات الإماراتية لتجنيب بلاد شنقيط و شعبها من أزمة العطش، و أيضا كردة فعل ضد قبول موريتانيا بإلغاء الرسوم الجمركية على البضائع القادمة من دولة الاحتلال المغربي عبر معبر الگرگرات، بعد أن كانت قد رفعتها قبل أشهر بشكل مضاعف، استجابة لطلب النظام الجزائري الذي وعد النظام الموريتاني بمد السوق الموريتانية بخضروات و فواكه أكثر جودة، و بوفرة أكبر و أثمنة أرخص من تلك التي تبيع بها الشركات الفلاحية المغربية، و ذلك في إطار العراك الاقتصادي الذي يريد به الحليف الجزائري تعطيل الآلة الاقتصادية للرباط.
محاولة الجزائر توريط موريتانيا في حرب مع دولة مالي لضرب المصالح المغربية – الإماراتية، جعل النظام الإماراتي يسارع الخطوات لتضييق الربقة على عنق الاقتصاد الجزائري، حيث عرض الصندوق السيادي لدبي على شركة “ناتورجي” الإسبانية شراء حصتها بمبلغ لم تكن الشركة الإسبانية لتحلم بتحقيقه، و إن حصلت على الغاز الجزائري لسنوات بالمجان…، و يبلغ مجموع أصول الشركة الإسبانية 47 مليار دولار، و العرض الإماراتي يضاعف هذا الرقم عدة مرات، و يضم الاحتفاظ بقيمة و كميات الواردات الإسبانية من الغاز الجزائري، و أيضا الاحتفاظ بالصفقات التي عقدها العملاق الإسباني مع المورد الجزائر “سوناطراك“، بمعنى أن الإمارات العربية ستواصل الحصول على الغاز الجزائري بثمن رمزي، و ستُعيد ضخه في الأنبوب الموقوف بشكل عكسي لتموين مشاريعها الطاقية بالمغرب.
الآن قصر المرادية يشعر بأن الاقتصاد الجزائري يتعرض لأكبر عملية سطو باسم القانون و الصفقات الدولية، بمعنى أنه في الوقت الذي كانت تدرس فيه الجزائري سبل شراء عقد التصدير بخسائره من الشركة الإسبانية، مع تحمل فارق التكلفة بين القيمة الحقيقية و القيمة التي تقررها الشركة الإسبانية و حكومة مدريد، أصبحت أمام معطى جديد، بأنها مطالبة بإلغاء العقد و دفع المترتبات و التي هي عبارة عن قيمة الصفقة التي حازت بها الإمارات العربية مع حقوق استيراد الغاز الجزائري، و دفع الأرباح التي تحددها الشركة الإماراتية و التي كان يُتَوقع تحقيقُها…، و في حال قامت الجزائر بقطع الإمداد دون تصفية قانونية تبيح لطرف الإماراتي الحصول على أمواله المستثمرة و الأرباح، يكون على الجزائر أن تواجه مساطر العقوبات الأوروبية، لأن إسبانيا حين وقعت مع الجزائر عقد التوريد كانت تفاوض قصر المرادية باسم الإتحاد الأوروبي، و الأمارات العربية اشترت العقد بشروطه و تفاصيله.
مهما بسَّطت الأمور في هذا المقال، لا يمكن أن تتخيل أيها القارئ الكريم حجم الضرر الاقتصادي الذي يُحيق بالجزائر، و لا يمكنك أن تتخيل حجم الشماتة الإماراتية على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن ثمة من شبه الاستحواذ الإماراتي على عقد الشركة الإسبانية بهجوم “وحش الكراكن” الذي ابتلع سفينة اللؤلؤة الزرقاء في فيلم “قراصنة الكراييب”، بعدما أعلنت الشركة الإسبانية أنها بصدد إنهاء عملية التفويت، و توريط الجزائر مع الإمارات العربية في علاقة اقتصادية غير شرعية، قد تدمر الاقتصاد الجزائري، و في حال اكتمال نقل الملكية تكون الإمارات العربية أصبحت تحيط بالجزائر من كل جانب، فهي متواجدة في ليبيا و في موريتانيا و في النيجر و المغرب و إسبانيا و في إيطاليا و في فرنسا.
الرئيس الجزائري بعدما تحوّل الخبر إلى يقين، خرج كعادته بتصريحات قوية، خلال مشاركته الكادحين عيدهم خلال فاتح ماي، و قال:”تْجِيني بالكلام لَحلو ماعليهش ..كلامك راني نديرو على جيه … بصح أني شاد حجرة في يدي …تخرج من صف نعطيك” (بمعنى أنه يأخذ حذره و لا يغتر بالكلام الحلو)، و كان يريد الرئيس الجزائري بهذا الأسلوب الشعبوي أن يوصل الرسالة بأنه لا يفاوض بدبلوماسية الكلام المنمق بل يفرض رأيه بالتهديد، و أنه في مواجهة الإمارات العربية لا نية له إحياء الأخوة و العروبة، بل هو يُبيِّت النية (الحجر) و سيُهاجم أي أحد لا يوافقه الرأي (تخرج على الصف نعطيك… !!).
حتى الآن النظام الجزائري كل ما استطاعه لحماية الاقتصاد الجزائري أمام السطوة الإماراتية، هو التهديد بوقف إمداد الشركة الإسبانية بالغاز، و هو التهديد الذي لقي صداه ببروكسيل، حيث وجهت المحكمة الأوروبية تهديدات مضادة للنظام الجزائري، و أبلغته أنها ستتخذ كل الإجراءات لحماية الشركة الإسبانية من قرارات جزائرية سيادية، قد تضر بالمعاملات الاقتصادية الطاقية، خصوصا و أن ملف الطاقة في أوروبا بغاية الحساسية بعد توقف الإمداد الروسي، و تدرس المحكمة الأوروبية إضافة شروط و تقييدات إلى الصفقات الأخرى بين الشركات الأوروبية و الدولة الجزائرية، كتلك التي تعتمدها فرنسا في “اتفاقية إيفيان”.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك