محور باريس – أبوظبي يشعل محيط الجزائر، و قصر المرادية منشغل بالبحث عن روابط تقرب السلاح الإيراني من مناضلي الريف، شمال دولة الاحتلال
بـقـلـم:بن بطوش
إلى كل “الهنتاتة”…، إلى جيوش الفشل و كتائب اليأس و مفارز الغبن و الهزيمة…، إلى البيت الأصفر المنكوب و صحافته التي تمتهن تلميع الأحذية داخل الثكنات و الخمارات و الأقبية المظلمة…، أجيبكم بما قاله الرائع “جون جاك روسو”؛ بأن وظيفتي هي قول الحقيقة لا أن أجعلكم تؤمنون بها…، فلا تطاردوننا على الصفحات و لا تحاولوا عبثا ترطيب رأينا عبر البريد الخاص، لأن سر صمود هذه المنصة الإعلامية كونها لم تكن يوما مرفوعة على قوائم المال و المنافع، و لم تكن يوما بوقا لأحد و لم يسبق لها أن وضعت خطها التحريري للإيجار أو الرهن…، بل أنجحها إيمان طاقمها التحريري أن ثمة مكان للعقلاء وسط هذا الكم من الفوضى و الضياع، و أننا نستطيع نحت صخور التاريخ بقول الحقيقة حتى تطيب نفوس المقهورين و حتى لا يقال يوما أننا كنا جميعا متواطئون في تجميل المصائب، لأننا جيل مختلف يستطيع بناء وعي متجدد و متحرر، في مجتمع أراد له “هنتاتة” البيت الأصفر بالرابوني أن يكون كائنات صماء في ليلة ظلماء تحرصها أرواح عمياء.
نحن على يقين أن جميع العالم يتطور من حولنا، عدا “الهنتاتة”، فهم في حالة انحدار و تدحرج مستمر نحو الهاوية، و الموجع أنهم يتقهقرون و هم يحتضنون قضية بأكملها، يسيرون بها نحو الدركات السفلى من دورة التاريخ حيث الظلمات بعضها فوق بعض لا مكان فيها للدول و الشعوب الضعيفة…، ذلك أن آخر المتغيرات التي تصيب منطقتنا الموبوءة و تجعلنا أمام حيرة كبيرة، هي ما تم تسريبه في الإعلام الدولي، بأن وفدا عن المشير “خليفة حفتر” تم استقباله في نواكشوط من طرف حكومة بلاد شنقيط، و تقول المصادر التي لم تكشف عن تفاصيل كثيرة بخصوص الزيارة، أنها تدخل في إطار العمل و التعاون بين الدولتين و بأن “حفتر” أصبح يمثل ليبيا الموحدة.
يحدث هذا بعد يومين فقط من اللقاء الذي جمع بين قائد “الأفريكوم”، الجنرال “مايكل لانغلي”، و المشير الليبي “خليفة حفتر”، و حصل اللقاء ساعات قليلة بعد إعلان الجيش الليبي تمكنه من السيطرة على الحدود الليبية الجزائرية و تأمينها بشكل كامل، حيث نشرت الحسابات الرسمية للجيش الليبي صور أقدام الجنود في جيش “حفتر” و هم يقفون على علامة حدودية كتب تحتها “الجزائر”، لكن الجيش الجزائري لم يتحرك لإسترجاع العلامة الحدودية، و تراجع بضع كيلومترات إلى الوراء، مع تسريب الإعلام الإيطالي لأخبار أن جيش “حفتر” يمتلك معدات عسكرية أمريكية تحصل عليها عبر الوسطاء الإماراتيين، يمكنها أن تحسم أي معركة في ظرف ساعات، و تزامن ما نشره الإعلام الإيطالي مع أخبار عن منظومات الدفاع الروسية أمام نفس التكنولوجيا التي تستخدمها القوات الأوكرانية، ليقرر الجيش الجزائري الإكتفاء بخطة إعادة الانتشار نحو الخلف، عملا بإستراتيجية الأخ القائد “إبراهيم غالي” التي تتأسس على منطق المقولة المصرية الشهيرة : “بعِّد عن الشر و غنّي لو”، و نشر حساب “الأفريكوم” نهاية نفس اليوم تدوينة تقول أن الجنرال الأمريكي إلتقى قائد الجيش الليبي، و أن أمريكا تعتبر “حفتر” شريكا في السلام بالمنطقة، و تثق به.
التزكية الأمريكية للواء “خليفة حفتر” عدو النظام الجزائري …، و اللقاء الذي أجراه مبعوثو اللواء الليبي مع سياسيي نواكشوط، زاد من ضبابية الرؤيا عند الحليف الجزائري، إذ تلقى الإعلام في مكة الثوار تعليمات رسمية بأن يركز على تتبع الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري “تبون” المنتهية ولايته، و تقفي ما يقوم به “بن قرينة” مدير حملته، حيث لم تعلن أي جهة عن الموقف الرسمي للدولة الجزائرية من تحركات “حفتر” بمحيط الحليف الجزائري، لكن خطاب “عبد المجيد تبون” الأخير بولاية جانت، الذي يمكن تصنيفه في إطار سياسة المهادنة و تخفيف العداء مع الجيران، أعلن أن الجزائر تساعد جميع جيرانها و أنها تعتبر النيجر و ليبيا و مالي أشقاء…، و لم يذكر في خطابه موريتانيا و المغرب، مما يؤكد توسع هوة الخلاف بين قصر المرادية و “ولد الغزواني”.
هذا الأمر يزكيه الإعلام الفرنسي الذي قال بأن الجزائر لا تزال تنتظر إعلانا رسميا عن الزيارة التي قام بها الوفد الليبي إلى موريتانيا ليتعرف على النوايا، و زاد الإعلام الفرنسي بأن النظام الجزائري حاليا يحاول مهادنة الجميع و لا يسعى لفتح جبهة جديدة في المنطقة، خصوصا و أن الأزمة مع مدريد لا تزال مستمرة، فيما تتطور الأزمة مع قصر الإليزيه إلى مستويات صعبة، بعد أن إستعادت فجأة حركة الـ MAK حيويتها و نشاطها الدبلوماسي فوق التراب الفرنسي، إذ جرى تعيين “أكسيل بلعباس” وزيرا للخارجية من طرف حكومة المنفى لحركة تحرير لقبايل الإنفصالية، و هو الرجل المعروف بعلاقاته الدولية المتشعبة، و سبق أن تم اعتقاله من طرف السلطات الفرنسية نزولا عند طلب النظام الجزائري، لكن تصريحات الرئيس الجزائري أمام الصحافة و تهجمه على باريس، عجل بإطلاق سراح الدبلوماسي لقبايلي، و بمجرد أن تم تعيينه من طرف حكومة المنفى لانفصاليي دولة لقبايل، حتى راسل “أكسيل” عدة قادة دول ضمنهم رئيس مصر “عبد الفتاح السيسي” و رئيس الحكومة الإثيوبي “أبي أحمد”، و كذلك اتصل بمرشح الانتخابات الأمريكية “دونالد ترامب” من أجل الاطمئنان على حالته الصحية و إدانة محاولة اغتياله الفاشلة.
تحرك حركة “الماك” في هذا التوقيت الذي يتزامن مع إشتعال الحدود الجزائرية من كل ناحية، و تجرأ “حفتر” على الجيش الجزائري، و إفتقاد النظام الجزائري و أجهزته لقدرات إسخباراتية فائقة تمكنه من دراسة الوضع و الحصول على تقارير جيدة تشرح ما يقع، و توجه الدفة السياسة و الدبلوماسية للبلاد عبر وضع استراتيجيات مستعجلة و أخرى متوسطة و بعيدة المدى لاسترجاع التوازن المجالي و الاقليمي، جعل قصر المرادية الذي يديره الجيش حاليا، يكتفي بالإستنتاجات المبنية على الملاحظات، و بالتالي يتوصل إلى خلاصة مفادها أن الجزائر تتعرض لمؤامرة مدبرة من محور الرباط – باريس – أبوظبي، و تم بناء هذا الإستنتاج على ما يروج من أخبار في الإعلام الدولي، بخصوص التقارب الموريتاني مع “حفتر”و علاقته بالإمارات العربية و فرنسا، و بما أن الحليف لا يستطيع مواجهة باريس و ليست له القدرات لمجاراة جنون الإمارات و هيمنتها الاقتصادية و الدبلوماسية، فقد إلتفت قصر المرادية كعادته إلى أقرب نقطة أو كما سمّاه شنقريحة ذات خطاب بـ “العدو الكلاسيكي” ليُحمِّله نتائج القصور المخابراتي، و ينزل عليه إسقاطات استنتاجات بعض الجنرالات ممن يحملون معهم إلى اجتماعات “المجلس الأعلى للأمن” في الجزائر، ملفات تتضمن تجميعات لتدوينات فيسبوكية و أخرى من باقي وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يُقنعوا بها قائد الجيش أنها تسريبات رسمية تكشف مخططات نظام المخزن.
العجز الاستخباراتي الجزائري أصبح واضحا امام توالي الإنتصارات الدبلوماسية التي حققها المحتل المغربي بناءا على عمل سري تقوم به أجهزته الاستخباراتية ، و التي تؤكد أنه على قدر من اليقظة و الإختراق، فيما الحليف لا يزال يعتمد على النظريات المرتبطة ببعض التدوينات على منصات التواصل الاجتماعي، أو على مقاطع مصورة لمداخلات صحفيين لا يمثلون غير وجهات نظرهم، لكن الخطير في هذا الوضع أن الحليف الجزائري يتحرك بناءا على قناعات مصادرها عشوائية و غير مضبوطة، و حسب نشطاء مغاربة من منطقة الريف، فإن عناصر من المخابرات الجزائرية في ردة فعل عما سبق، حاولت التواصل مع معارضين ريفيين، من أجل تنظيم لقاء لهم مع ممثلين عن الجيش و الأجهزة السرية الإيرانية، كي يتدارسوا سيناريوهات و إمكانيات إدخال الأسلحة إلى منطقة الريف شمال المغرب و القيام بعمليات تخريبية، و بالتالي خلق جبهة داخلية تجعل الرباط تفقد توازنها في سياستها و في قدراتها العسكرية، و تزيد من تكاليفها الاقتصادية، بإطلاق الجزء الثاني من حرب الإستنزاف التي كان جزؤها الأول هو نصف قرن من الاستغلال للقضية الصحراوية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك