بـقـلـم : بن بطوش
أن تولد من رحم قضية و تكتشف أنك دون وطن، فاعلم أنك إنسان غير محظوظ… ثم أن تولد دون وطن و تجد نفسك لاجئا في شعاب تتعف الذئاب عن سكنها، فأنت إنسان دون مستقبل…. لكن أن تولد دون وطن و لاجئ و يحكمك “الهنتاتة”، فتلك هي اللعنة و ذلك هو الخسران المبين؛ لأن “الهنتاتة” في مخيمات العزة والكرامة، الذين يحكمون هذا الشعب المسحوق تحت مسميات الثورة و النضال و الصمود و حرب التحرر…، يرسلون أجمل و أفضل شبابنا للموت بينما هم منشغلون بصناعة قوارب النجاة لأسرهم، ذلك أنه بعد أن أنهوا صناعة سفن الهروب، اليوم يجمعون الحطب لإشعال واحدة من أكبر الفتن في شمال إفريقيا، ظنا منهم أن تلك النار التي سيسعرونها لن يلتهم لظاها وجوههم، و لن تلفح ألسنتها مصالحهم…،إعتقادا منهم بأن تواجدهم خلف الحدود الجزائرية يمنع عنهم بطش المحتل المغربي إن هبت رياح الحرب الشاملة.
فالصورة التي توجد أسفل هذا المقال التقطها نشطاء موريتانيون، يقولون أنها لراجمة روسية الصنع قادها مقاتلون صحراويون، إلى أن وصلت شمال دولة موريتانيا حيث رُصدت، و يرافق الراجمة عدد من المقاتلين الصحراويين على متن سيارة عسكرية و أخرى مدنية، و أن الراجمة لم تُستخدم بعد لضرب أهداف داخل الصحراء الغربية، لكنها تنتظر الأوامر لشن الهجوم، و سيكون منطلق الهجوم من شمال موريتانيا… !!، مما يعني أن القيادة الصحراوية تسعى لتوريط الرباط و نواكشط في حرب حدودية، باستخدام الأراضي الموريتانية.
و أضاف الإعلام الموريتاني أن الرئيس “ولد الغزواني” ساعات بعد الترويج للصورة، أعلن أنه سيقوم بزيارة إلى “الحدود الموريتانية – المغربية”، و استخدام هذه العبارة (الحدود الموريتانية – المغربية) و هذا التوظيف الجديد للمصطلحات من الإعلام الموريتاني المقرب من نواكشط، فيه تطاول على حقوق الشعب الصحراوي و على قضيته المقدسة، لكن يبدو أن السلوك الذي تبنته القيادة الصحراوية أغضب النظام الموريتاني الذي رد بهذا الشكل عبر إعلامه الرسمي، رغم أنه لم ينشر أي صورة لزيارة الرئيس الموريتاني إلى الحدود الشمالية الموريتانية حتى الآن.
وصول الراجمة الصحراوية إلى شمال موريتانيا، هو ما دفعنا لإعادة فتح باب النقاش حول الخطاب الذي ألقاه الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” أمام قيادات الجيش الجزائري، من داخل مقر وزارة الدفاع، و جرى بثه عبر وسائل الإعلام الرسمية، و تضمن الخطاب عبارات في غاية الأهمية للشعب الصحراوي، خصوصا و أن الرئيس الجزائري ـ لأول مرةـ يتراجع عن تصريحات سابقة كان قد ألقاها في حضرة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، حينما قال أن روسيا الاتحادية هي الضامن لاستقلال الجزائر، لكن خلال الخطاب بمقر وزارة الدفاع، أعاد صياغة العبارة و قال أن بناء جيش قوي هو ما يحمي استقلال الجزائر.
كان خطاب “تبون” داخل وزارة الدفاع الجزائرية بمثابة خطاب تصحيحي لمعتقدات و قناعات قصر المرادية بخصوص التحالفات الاستراتيجية، بعد يقينه أن الجزائر لا تتوفر على حلفاء حقيقيين، و عند تطرقه للقضية الصحراوية قال “أن الشعب الصحراوي كان فيه الشبان و اليوم في أعمارهم 45 سنة، ازدادوا في المخيمات… خلاص، فقدوا الأمل، بغاو يفوتوا للعنف، أحنا ما نقبلوش ليهم العنف، و لكن لازم على الأمم المتحدة أن تقوم بدورها”… هذا الكلام وجب تمحيصه، لأنه في غاية الخطورة، و إقرار الرئيس الجزائري به يعني أن هناك أمور ترعبنا؛ أولها أنه يؤكد بأن غالبية الشعب الصحراوي الحالي باللجوء لا يرتبط بالصحراء الغربية إلا عن طريق الوراثة، و أن معظم الشعب الصحراوي الحالي في المخيمات يتشكل من الذين ولدوا في اللجوء و الشتات، و هذا يدعم ادعاءات المحتل المغربي الذي يترافع في مجلس الأمن بحجج تفيد أن أكثر من نصف الشعب الصحراوي اللاجئ ليسوا صحراويين و أنهم من مواليد إما جزائرية أو أزوادية أو موريتانية…
الشق الثاني من كلمة الرئيس الجزائري، يخبرنا فيها بأن بيانات الأقصاف و الدك التي تنشرها قيادتنا منذ 13 نوفمبر 2020، ما هي في الأصل إلى عنف يمارسه الجيش الشعبي الصحراوي، و لا يرقي إلى مستوى الحرب، و أن النظام الجزائري يرفض ذلك العنف…، و هذا ما يفسر غضب النشطاء و النظام الموريتاني من وجود راجمة صواريخ صحراوية بأراضيهم، و كان القياس أن تتواجد داخل الأراضي الجزائرية، و أن النظام الجزائري يرفض أن تكون أراضيه منطلق لأي عمليات عسكرية ضد جيش المحتل المغربي لكنه لا يمانع أن يتم استغلال الأراضي الموريتانية لتنفيذ الهجومات، و بالتالي فالرئيس الجزائري يعترف أن الرباط متحكمة بشكل جيد في الأحداث العسكرية بالمنطقة، و أن قصر المرادية لا يستطيع خوض أي تجربة أو مغامرة عسكرية قد تورطه في صدام مباشر مع الرباط، و هذا التصريح يصحّح كل التهديدات السابقة التي تحدث عنها الرئيس في خطاباته القوية، و التي قال فيها أن الحرب إن بدأت لن تتوقف… !!
تراجع الرئيس الجزائري في حدة خطابه تجاه المغرب، يُعزيه العديد من الخبراء إلى مدى قوة الحلفاء الذين تتوفر عليهم الرباط، و الأحداث الأخيرة التي أظهرت معطيات جديدة غيرت خارطة موازين القوى في البحر الأبيض المتوسط، فيما أن روسيا، الحليف الوحيد للجزائر، أبدت عدم رضاها على النظام الجزائري في ملف “البريكس” و في ملف الصفقات العسكرية الأخيرة، و هذا الغضب جاء كردة فعل روسية عن تراجع قصر المرادية على تنفيد مطالب موسكو لوقف ضخ الغاز باتجاه دول أوروبا خلال الأشهر الباردة، و فضل قصر المرادية الاستجابة لتهديدات الاتحاد الأوروبي و البيت الأبيض و عدم مطاوعة الكريملن.
توجس قصر المرادية من مخاطر التورط في صراع عسكري حدودي مع الرباط و دفعه بالجيش الصحراوي إلى المغامرة من الأراضي الموريتانية، يفسره الخبراء أيضا بأن النظام الجزائري على دراية كاملة بأن الرباط أعلنت رسميا أنها بدأت التأسيس لصناعات حربية من أجل ضمان الإمدادات للجيش في حال نشوب حرب… و هذا الإعلان وجب أخذه على محمل الجد، خصوصا و أن إسبانيا بدأت منذ الآن الضغط على البيت الأبيض لعرقلة نقل تكنولوجيا الصناعات العسكرية المعقدة من إسرائيل إلى الرباط، و تستعين في ذلك بفرنسا التي ترغب في لي ذراع الرباط، لأن باريس هي الأخرى تشعر أن تأسيس الرباط لقاعدة صناعات عسكرية سيدمر تجارتها العسكرية، خصوصا و أن النظام المخزني مرتبط بعلاقات قوية مع الدول التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي، و تحول العدو المغربي إلى منصة تصنيع عسكرية، سيجعل العقيدة العسكرية لباريس جزءا من الماضي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك