الرباط تُدخِل المساعدات الغذائية إلى غزة المحاصرة و الصحفية الجزائرية “بن قنة” تزور يافا لتُسَوِّق “التسامح الإسرائيلي”
بـقـلـم:بن بطوش
قبل سنوات من الآن حين عشت الذهول و أنا أقرأ كتاب “طريق الأذى”، الذي دوّن فيه أعظم صحفي استقصائي عربي على الإطلاق “يسري فودة”، صاحب البرنامج الشهير على قناة الجزيرة “سرّي للغاية”، تفاصيل لقاءاته مع قيادات “تنظيم القاعدة”، و كيف كانت الدوحة تستغل جهده الصحفي و تُسرِّب المعلومات التي يتحصّل عليها من قيادات التنظيم كي تتاجر بها مع أمريكا مخابراتيا… و ما قاله عن لقائه بحاكم قطر السابق، “الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني”، في إحدى مطاعم لندن، حيث جالسه دون بروتوكول، و كان الأمير يرتدي الجينز الأمريكي على غير عادة حكام قطر…، و ما في ذلك من حمولات رمزية عن إعجاب الأمير بالحضارة الأمريكية الجامحة.
كان أهم سؤال طرحته و لم أجد له جوابا، عند إنتهائي من قراءة الكتاب اللغز (ٍ”طريق الأذى”) ، هو: كيف لصحفي بهذه الفطنة و بهذه المهنية و بهذا الذكاء…، و نحن نعرف أن “يسري فودة” صاحب مبادئ بما أنه رفض عرضا أمريكيا بـ 25 مليون دولار و كانت أمريكا لتمنحه 50 مليون دولار لو طلبها ستُغنيه عن ركوب تلك المغامرات لبقية حياته، مقابل أن يمنحهم التسجيلات التي تكشف أماكن تواجد “أسامة بن لادن” و نائبه “أيمن الظواهري”، و تحدِّد بدقة مواقع التدريب و مغارات تخزين العتاد و المؤن و الأموال الخاصة بهذا التنظيم الإرهابي وسط السلاسل المعقدة لجبال تورا بورا، حيث سجل لقاءاته الصحفية الفريدة…، أقول أتساءل: كيف لصحفي بهذه المواصفات و الموهبة أن يسمح لحكام قطر ليُحوِّلوه إلى مجرد عميل بالمناولة و طُعم لاصطياد قادة “تنظيم القاعدة”، و كيف مكّنهم بكل سذاجة من تلك الأشرطة التي تُعادل كنزا حقيقيا و هو يعلم – حسب ما جاء في كتابه – أن النظام القطري سيقوم بتحويلها على الفور إلى مكتب الرئيس الأمريكي ” جورج وولكر بوش” (الإبن) في قلب البيت الأبيض، و أن السلطات الأمريكية ستستدعيه لاحقا بسبب تلك اللقاءات الصحفية، للاستماع إليه خلال محاكمة “خالد شيخ محمد”، رئيس اللجنة العسكرية لـ “تنظيم القاعدة”، و “رمزي بن شيبة”، المنسق العام المفترض لـ “عملية 11 سبتمبر” (تفجيرات “التوين سانتر”)…، و تستخدمه بالتالي واشنطن كشاهد إثبات لإسكات الرأي العام الأمريكي و تبرير الحرب على أفغانستان… !!؟
روح هذا الكتاب ظلت تحضرني منذ خرجت أول طائرة أمريكية من “قاعدة العيديد” بقطر و هي تحمل الأسلحة و العتاد و المدرعات و فيالق من الجنود الأمريكيين…، و تتجه إلى مطار “بن غريون” في تل أبيب، كي تساعد الكيان الصهيوني الغاصب على تجاوز صدمة الهجوم الأول لكتائب “حماس”، و لم نسمع من قناة “الجزيرة” أي تعليق على الدعم الأمريكي و لم تحتج الدوحة على استغلال الأمريكيين لأراضيها كي يزودوا الجيش الإسرائيلي بالعدة و العتاد ليساعدوه على تجاوز النكسة، بل أرسلت قطر كاميراتها إلى الأنفاق لتفضح المقاومة، و بعد كل بث تقوم به “الجزيرة” لعملية رشق من “كتائب القسّام”، كان الطيران الإسرائيلي يُسوِّي المكان الذي ظهر على القناة بالأرض…
لم تتوقف مفاجآت قطر عند هذا المستوى، بل قبل حوالي الأسبوعين من قراءتك لهذا المقال، عندما قررت تل أبيب اجتياح القطاع برا، تحرك الأمير القطري “تميم بن حمد” في طائرته الخاصة إلى باريس، و الكل ظن حينها أن لقاءا سرّيا سيجمعه مع قيادات أمريكية أو إسرائيلية لمنع الاجتياح، لكن الأمير كان في مهمة أكثر تعقيدا مما يعانيه الفليسطينيون ، حيث التقى بـنجم كرة القدم، “كيليان مبابي”، لاعب فريق “باريس سان جيرمان” و نجم منتخب “الديكة”، و جالسه على طاولة الغذاء كي يقنعه بتجديد عقده مع الفريق الباريسي و بعدم الذهاب إلى فريق ريال مدريد…، و هذا الخبر بدوره تجاهلته القناة القطرية و لم يعلّق عليه أحد من العرب، فقط الإعلام الأوروبي الذي عالجه بسخرية، و اعتبرها اللقاء حربا فرنسية ضد رئيس الفريق المدريدي”فلورنتينو بيريس”، و ضد السطوة الرياضية الإسبانية.
فحين سُئِل “يُسري فودة” عن السبب الذي جعله يستقيل من قناة “الجزيرة” التي ربحت بسبب تحقيقاته مئات الملايين من الدولارات، و حقّقت أزيد من ملياري و نصف مشاهدة يومية عبر العالم، أجاب أن خطّها التحريري لم يعد يستجيب لطموحاته…. كان جوابا دبلوماسيا و يحفظ سنين الود التي جمعته بالقناة، لكن أصدقاء له شرحوا الأمر بالقول أن الخط التحريري للقناة أصبح منحرفا جدا، و يُدافع عن محور طهران – تل أبيب، و يرفض معاداتهم بل أصبح يُعادي كل العرب و يصفِّي الحسابات معهم، و دعم القناة لـ “الربيع العربي” فيه خدمة لهذه الأجندة الخبيثة…، و هذا التفسير يبدو مقنعا جدا، خصوصا حين بثت القناة – قبل يومين فقط من كتابة هذا المقال- صورا للصحفية الجزائرية “خديجة بن قنة” و هي تتكئ بغنج باسمة الثغر، على لوحة تدل على تواجدها بـمدينة “يافا” ، و كأنها سائحة معجبة بالديار الإسرائيلية،… بعدها نشرت مقطع فيديو يُظهرها و هي تؤدي صلاة التراويح من داخل القدس، و كأنها تقول للمنظمات الإنسانية و الحقوقيين عبر العالم و الأوطان العربية، أن إسرائيل أرض التسامح، و أن لا أحد يضايق المصلين، و أن “حماس” هي من أذنبت و اقترفت خطأ “قابيل” و هي تمد يدها لأذية الإسرائيليين… !!
رسائل “بن قنة” خطيرة جدا، و كان القياس أنها صحفية وجب عليها التواجد بغزة الحصار و الدماء و الوجع و الجوع و القهر… كي تنقل واقع الحال، لكنها فضّلت المكوث بفندق داخل إسرائيل و التجول بين شوارعها و نقل مستوى “التسامح” الإسرائيلي…، فيما على الجهة الأخرى أدهشني المحتل المغربي و هو يتعفف من المزايدة على المواقف، و يرسل قوافل المساعدات الغذائية و يفتح أول جسر بري لإغاثة أهل القطاع عبر الأردن…، دهشتي ليست لأن الرباط أول من عبر بالمساعدات برا و أتقن توظيف التطبيع ليكسر الحصار في الشهر الأبرك، و ليس لأن تلك المساعدات لم تتعرض للتفتيش و لا للمضايقات، و ليس لأن “لجنة القدس” وزعتها في ساحة وسط جنوب غزة متحدية الدمار و الآلة القاتلة للإسرائيليين في البر و البحر و السماء…، بل لأن الرباط ضغطت على مشاعرها و لم تُحمِّل الفلسطينيين أخطاء “حماس”، و لم تتوارى خلف الحجج و لم تزايد على المشاعر و الصور و المشاهد، بل أخذت بالأسباب و اعتبرت أن أخطاء “حماس” تخصها كتنظيم و لا تعني الشعب الفلسطيني.
ذلك أن الرباط قررت إرسال المساعدات المغربية على الرغم من أن “إسماعيل هنية” – قبل أيام- اتصل من غرفته بالفندق الفاخر وسط الدوحة، و لم يكن اتصاله من القطاع أو من الأنفاق، برئيس الحكومة المغربي الأسبق “بن كيران”، و أقحم أنفه في الشأن الداخلي للمغرب، عندما طالب من أمين عام “حزب العدالة و التنمية، بتحريك قاعدته الشعبية المفككة للضغط على سلطات البلاد، من أجل إنهاء التطبيع… و قبل أسابيع كان “خالد مشعل” – هو الآخر- قد دعا الشعب المغربي للعصيان في تسجيل عبر وسائل التواصل…. و الملاحظ أن هذه الجرأة من قيادات “حماس” في مخاطبة بعض الشعوب العربية تختفي عندما يتعلق بخطابهم مع طهران و “حزب الله” و قطر…، خصوصا و أن الإعلام الأمريكي سرّب مراسلة من طهران للأمم المتحدة تتبرأ فيها رئاسة إيران من دماء الإسرائيليين، و تقول أنها لم تكن تعلم شيئا عما كان تخطط له “حماس” و كتائبها.
ما أثار استغرابي أيضا و دهشتي، هو ردة فعل الإعلام الرسمي الجزائري على الخطوة المغربية، حيث على عكس الرأي العام العربي، اتهمت روجت الجزائر بأن المساعدات المغربية لم تكن لأهل غزة، بل تم إدخالها للإسرائيليين، و هو ما أثار سخرية و غضب المدونين العرب، الذين اتهموا الإعلام في الجزائر بالتضليل، و نقل الأخبار الزائفة و تحوير الأحداث و التأليف فيها… خصوصا و أن عملية توزيعها كانت مصورة وسط غزة و تمت مباشرة مع الأهالي، و خرجت وزيرة المرأة في فلسطين كي تشكر المملكة و قياداتها على الخطوة التي وصفتها بالمباركة لفك الحصار، في وقت عجز فيه كبار القوم على إرسال مساعداتهم و اكتفوا بإلقائها من الجو…، و منهم من لم يستطع حتى ذلك.
المدونون العرب ربطوا هذا الجسر البري بالجسر الجوي الذي كانت الرباط قد أحدثته عندما تعرضت قطر للحصار من دول مجلس التعاون الخليجي، كان جسرا معنويا أكثر منه ماديا، و كشف بأن الرباط لا تخضع لسياسة المحاور في وقت انشطر فيه الصف العربي إلى دول تدعم الرياض و أخرى تدعم الدوحة، و لم تستغل الوضع للانتقام من الخط التحريري القطري الذي فعل كل شيء لمضايقة الرباط، لكن المحتل المغربي ظل على الحياد المطلق و رفض الحصار على أي دولة عربية، و هذا السلوك المغربي يحتاج إلى دراسة؛ لأن قطر خلال “الربيع العربي” لم تدخر جهدا لإشعال الفتنة داخل دول شمال إفريقيا، و كانت وراء تفتيت نظام “معمر القذافي” و “عبد العزيز بوتفليقة” و “زين العابدين بن علي” و “حسني مبارك”،…. و تونس رغم مواقف رئيسها الحالي و اختلافه مع الرباط أرسلت سلطات المخزن مستشفى ميداني حين أعلنت تونس أن منظومتها الصحية انهارت بسبب الجائحة، و لا يمكن أن ننسى خطابات ملك المغاربة التي مد فيها اليد لقصر المرادية في أوج الخلاف و التوتر… أقول هذا الكلام عن المحتل المغربي لأنه إذا أردنا أن ننتصر في معركتنا ضده فيجب على قيادتنا أن تتعلم من تحركاته السياسية لأن مثل هذه المبادرات هي الميزان الحقيقي لهيبة و تأثير الدول.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة