الرباط تستعد لفتح معبر جديد مع موريتانيا و تُراجع حساباتها الاقتصادية مع مصر بسبب دعم هذه الأخيرة للجزائر داخل الإتحاد الإفريقي
بـقـلـم : بن بطوش
في تصريح غريب للجزائري “محمد دومير”، الشهير عند مناصري النظام الجزائري بلقب “البيطري المؤرخ” و لدى المعارضة الجزائرية بـ “شوشع المؤرخين”، أثناء استضافته في بودكاست تم بثه لاحقا على القنوات الرسمية الجزائرية، قال “أن الدستور الأمريكي كُتِب خوفا من الجزائر و أن البحرية الأمريكية تم بناء أسطولها خوفا من الجزائر”… هذه التصريحات جعلت رواد مواقع التواصل الاجتماعي يصفون النظام و شعب الجزائريين بالوصف الذي اختاره لهم ملك المغرب خلال خطابه الأخير بـ “العالَم الآخر”، و أضاف المؤثرون الذين أطلقوا وسم #الجزائر_العالم_الآخر، بأن الدستور الأمريكي كُتب سنة 1787 و أن الجزائر كدولة لم تتأسس إلا سنة 1962 بتقرير المصير.
رأي “شوشع المؤرخين” الذي تم إذاعته كان الغرض منه إظهار الجزائر في ثوب الدولة التاريخية القوية، لتعزيز نفسية الإنسان الجزائري و دفعه للافتخار ببلده، لكن عمليا هذا الرأي تحول إلى مادة للسخرية من المواطن الجزائري على المنصات في الدول العربية، و جعل الجميع يعتبر الجزائر دولة تصنع التاريخ من الروايات الشفهية للباحثين المزيفين، و ليت هؤلاء “الباحثين” كانوا متخصصين في التاريخ أو أن التاريخ خبزهم اليومي، بل هم مؤرخون انسلوا فجأة من تخصصات تدرس الحيوان لمحاولة إسقاطها على مسار الإنسان.
نترك أمر البيطري “دومير” لنفتح ملف الأزمة الصامتة بين الرباط و القاهرة، حيث قرر المغرب فجأة مراجعة معاملاته الاقتصادية مع مصر و منع صادراتها من دخول السوق المغربية و حرمان الخزينة المصرية من عائدات تقارب المليار دولار، و رفع مستوى الضغط على الاقتصاد المصري، كرد فعل من الرباط على الموقف الأخير للدبلوماسية المصرية التي دعمت ممثلة الجزائر كي تحصل على منصب نائب المفوض الإفريقي، بعدما رفضت منح الصوتين اللذان تحصلت عليهما للرباط و فضلت منحهما لممثلة قصر المرادية، و بالتالي فازت الجزائر بنتيجة 26 مقابل 22 صوت، و اعتبرت الرباط أن سلوك القاهرة عدائي و أضر بمصالحها الإستراتيجية.
الرباط كانت بين يديها الورقة الاقتصادية للضغط على مصر و ابتزازها قبل حصول التصويت، لكنها لم تستخدمها، عطفا على أن القاهرة و بسبب الأزمة الاقتصادية و برنامج تقييد الاستيراد، و رغبة منها في وقف نزيف العملة الصعبة، وضعت قبل سنوات العديد من القيود على السلع المغربية و بالخصوص السيارات و الأسمدة و الرقاقات الإلكترونية و بعض الآلات الصناعية…، رغم أن ذلك يتنافى مع اتفاقية أگادير، و الرباط ردت عبر وزير صناعتها آنذاك “مولاي حفيظ العلمي” بمنع جزئي للبضائع المصرية من دخول السوق المغربية، لكن بعد حوار حكومي بين البلدين تفهم الطرف المغربي الأزمة الاقتصادية المصرية، و قرر عدم الرد على سياسة مصر و تراجعت صادرات المغرب إلى مصر من 245 مليون دولار سنة 2015 إلى أقل من 50 مليون دولار سنة 2024، فيما تضاعفت صادرات مصر إلى المغرب من 351 مليون دولار سنة 2015 إلى 819 مليون دولار سنة 2024.
الإعلام المغربي يقول بأن الرباط كانت تنظر إلى النوايا الدبلوماسية للقاهرة بعين الشك، و حاول التعامل مع بعض المواقف بنوع من التجاهل، خصوصا مع ظهور قيادات عسكرية مصرية إلى جانب قيادات من دولتنا الصحراوية خلال الاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في منظمة “قدرة إقليم شمال أفريقيا”، و الذي برره الإعلام في مصر بأنه اجتماع روتيني – عسكري تحت غطاء الاتحاد الإفريقي، لكن تجاهل الرباط لم يدم طويلا، حيث أعلنت القيادة العسكرية بالرباط عن اتفاق عسكري مع إثيوبيا، جعل الإعلاميين المصريين يصفون الاتفاق بالخيانة، و رغم ذلك لم تقرر الرباط فض الاتفاق التجاري عبر المعاملة بالمثل…، و أثناء حرب غزة لم ترسل الرباط مساعدات عبر مصر و فضلت إرسالها عبر الأردن، و هو الأمر الذي زاد من تأكيد وجود أزمة صامتة بين البلدين.
غضب الرباط على القاهرة ليس وليد هذه الأحداث فقط، بل نتيجة تراكمات بدأت في عهد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” عندما عارضت مصر سنة 2017 عودة الرباط إلى الإتحاد الإفريقي، و رفضت التصويت لدعم رغبة المحتل المغربي، كما تروج الصحف في مصر خلال هذا الأسبوع إلى وجود أخبار عن عرض قدمته مصر “السيسي” لإسبانيا خلال الزيارة الأخيرة، يقضي بتحويل المنتجات التي رفض المغرب دخولها إلى بلاده عبر المدينتين المحتلتين سبتة و مليلية، و شحنها عبر خط تجاري بحري لتصريفها بالسوق المصرية، وبالتالي فك الحصار الذي يضربه المغرب على اقتصاد المدينتين، و رغم صعوبة الحل إلا أن مصر تريد إرضاء الإسبان لفتح أسواقهم أمام المنتجات المصرية.
ردة فعل المحتل المغربي لم تكن حصرية ضد مصر، بل كانت موجهة أيضا ضد الحليف الجزائري و ضد القيادة الصحراوية، و تدل على أن المحتل أصبح خبيرا بمواجع النظام الجزائري، حيث أعلن بعد أقل من 24 ساعة من حصول قصر المرادية على منصب نائب رئيس المفوضية الإفريقية، عن إطلاق معبر بري جديد يحمل اسم “معبر امگالا”، يربط بين مدينة السمارة المحتلة و منطقة بير أم گرين الموريتانية…، و المرهق في هذا المعبر أن الحليف كان قد أمضى منذ وصول الرئيس “تبون” إلى الحكم أزيد من 6 سنوات يحاول إغلاق معبر الگرگرات، و انتهت المحاولات بضم الرباط للمعبر بشكل نهائي و تحصينه بجدار عسكري جديد ابتلع مئات الكيلومترات من الأراضي المحرمة..
و اليوم الرباط تعلن عن إطلاق المعبر الجديد الذي كان مقررا إطلاقه منتصف السنة الحالية، ليضع الجزائر أمام واقع جديد، رغم أن الأشغال غير مكتملة و بلغت في الطريق المعبد حتى الآن 95%، و المؤلم في الخبر أن الجزء الموريتاني من المعبر، تكلف الحليف الجزائري بإنجازه، أي أن الطريق الذي أنشأته الجزائر لربط تيندوف بنواكشوط، هو نفسه الطريق الذي سيربط السمارة المحتلة بالعمق الموريتاني و باقي دول الساحل، و هذا ما نغّص على الحليف فرحة الفوز الإفريقي.
الرباط لم تحتاج لإذاعة الخبر إلى استدعاء رؤساء الدول و ممثلي الحكومات خلال حفل التدشين، بل فقط بعض كبار موظفي الدولة و مراسلين من وكالات الأنباء، و أطلقت على المعبر اسم إحدى المعارك التي شارك فيها قائد الجيش الجزائري “السعيد شنقريحة” و أسر بعد الهزيمة، قبل أن يُطلق سراحه في إطار تبادل الأسرى بين المحتل المغربي و الحليف الجزائري، و هذا ليس تجني صحفي و ليست دجلا تاريخيا كالذي يأتي به المؤرخ البيطري “دومير”، بل حقيقة لا تزال صورها في الأرشيفين الفرنسي و الأمريكي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك