بـقـلـم: بن بطوش
ما يحدث اليوم لا نجد له من تسمية غير الفوضى العبثية التي تقودنا بجنون نحو المصير المجهول، و وسط هذه الفوضى نرى قضيتنا كحبة رمل في صحراء شاسعة، تذرها الرياح حيث عصفت، و يبدو أن قياديينا وجدوا في حرب غزة متنفسا لهم، و هم اليوم مثل الجميع يجالسون هواتفهم و شاشات التلفاز و يتابعون الأخبار كبقية العالم، دون مركبات نقص، بعدما وجدوا في مأساة أهالي غزة وجعا يفوق أوجاع الشعب الصحراوي…
قيادتنا اليوم مطمئنة و تعيش سلاما دبلوماسيا و تطبيعا سياسيا غريبا مع واقع الحال الذي أصبح سجالا و روتينا متكررا، فيوم ندفن فيه أشلاء شهدائنا الذين يرسلون إلى أم المهالك في الأراضي المحرمة، لمواجهة نزاعة الأرواح الشيطان “يعني” كي يثبت الأخ القائد أن ثمة حرب مع العدو، و في اليوم الثاني نقرأ رسالة الأخ القائد إلى الأمين العام يستنكر فيها موقفا لدولة فتحت قنصليتها بمدن الصحراء الغربية و يصفه بخرق للقانون الدولي، و في اليوم الثالث يتم اختيار قيادي و يدفع به إلى كرسي “إذاعة الزملة” ليخبرنا فيها بتأليفه فرية جديدة كتلك التي قالها “ولد اعكيك”، بعدما اتهم الرباط بإسقاط مبنى وزارة الدفاع الصحراوية و استهدافه بالصواريخ، لكن لسوء حظه فظحته نشرة الأرصاد الأممية، بعدما أعلنت أن المنطقة تقع في ذيل إعصار “برنارد”، الذي تجاوزت رياحه الـ 100 كلم الذي ضرب كذلك مدنا مغربية…، أما باقي أيام الأسبوع فالأخ “غالي” يمنحها لـ “الهنتاتة” كي يمارسوا طقوسهم التهريبية للكزوار و المخدرات و تحويل المساعدات إلى أسواق الزويرات.
صدقوني قيادتنا مقتنعة أنها لم و لن تبني دولة، و لا تقدر على ذلك لأنها تعوزها الوسيلة، و لا تتوفر على فكر حضاري لبناء دولة، بما أن مجرد رياح قوية فتكت بأعتى مباني مؤسساتها، الذي شيد ليكون مركزا للتخطيط و إدارة الحروب، و كان القياس أن يتحول المركز الذي كشفه الإعصار و دك جدرانه إلى المبنى الأكثر مقاومة لكل الظروف بين كل المؤسسات، و أن يخضع للاختبار حتى بالصواريخ قبل تسلم مفاتيح مرافقه، كما تفعل الدول التي تحترم شعبها و مؤسساتها…، و المضحك أن تكلفة المبنى الذي لم يقاوم رياحا بسرعة الـ 100 كيلومتر، و حسب الوثائق التي تنعم بالراحة داخل البيت الأصفر المنقوع، تتجاوز المليون دولار، و أن القيادة تحصلت من جنوب إفريقيا و كوبا على هبة مشتركة قبل سنوات غابرة من أجل بناء مؤسسات محصنة و تستطيع الصمود أمام هجمات المحتل المغربي في حالة الحرب…
تخيل أيها القارئ الكريم حجم الفضيحة و المأساة، بأن المليون دولار بالكاد بنت للقيادة مركزا لوزارة للدفاع بسقف قصديري و جدران بسمك 20 سنتمر و ارتفاع الثلاثة أمتار على مساحة 300 متر مربع، و الجيد أن المبلغ المرصود أوفى بعهده و مكّن “الهنتاتة”، رغم كم الاختلاسات، من طلائه باللون الأصفر المؤذي للعين.
دولة تهدم الرياح أقوى مؤسساتها هي في الأصل ليست دولة هشة و لا ضعيفة، بل هي وهم حقيقي، و بيضة فاسدة، و قمحة مقلية لن تنبث أبدا و إن تم سقيها بماء الذهب…، و نحن كرأي عام صحراوي نلقي اللوم على الحليف الجزائري الذي يرى كل هذا العبث و كل هذا الفساد و كل هذا الجرم…، و يصمت عليه، بل يدعم قيادتنا التي تفرق أموال الدولة الصحراوية على قيادييها كي يحيوا سنن الزواج من الثانية و الثالثة و الرابعة، و كي يراضوا أبنائهم و يحققوا لهم الأمان بعيدا عن القضية الصحراوية و حربها الوهمية ضد المحتل، حيث تقدم القرابين للشيطان “يعني” كل مساء…
الحليف لا نلومه في هاته فقط، بل لومنا له كبير و عظيم و جلل، و هذه المرة سنقسو في خطابنا معه، لأن الخيانة نرفضها بكل أشكالها و إن كانت ليست ضدنا، و القضية الفلسطينية التي تربينا عليها كمقدس لا يمكن المزايدة عليها، و حلمنا بحل لها يمسح جراح الأمة و يحفظ دمائها و كبريائها، تفرض علينا قول الحقيقة كشهادة أخلاقية و أدبية للتاريخ، و يوم أعلن وزير الخارجية الجزائري المقال “رمطان لعمامرة” أن قصر المرادية قرر عدم تجديد عقد نقل الغاز إلى أوروبا عبر الأنبوب المغاربي، لمنع الرباط من الاستفادة من الغاز الجزائري، فرحنا و صفقنا و أحيينا الليالي الملاح، و يوم قرر قصر المرادية أن يحول جزءا من الحصة الإسبانية إلى إيطاليا، عزفنا الأناشيد القومية الصحراوية و رددنا ترانيم الحرية لمكة الثوار…، و اليوم بعدما ملئت الجزائر ثالث ناقلة إسرائيلية بالغاز المسال و المستخرج من أرض الشهداء، و هي نفس الناقلات التي رفضت مصر مدها بالغاز…، لم نعد نقدر على الصمت، و أصبحنا نشعر بالإهانة و الخذلان و الغدر و الإحراج و الوجع، لأن المحروقات الجزائرية هي التي أصبحت تحرك الآلة العسكرية الصهيونية لقتل أهالينا في غزة.
مجرد التفكير في الوضع مرعب؛ ربط صور جثث الشهداء و الدمار و الدموع التي تحرق أعين الأرامل و الثكلى و المكلومين بإمدادات الغاز الجزائري للكيان الغاصب، يجردنا من كل التعاطف و يحرمنا الحب و يطمس كل روابطنا بالنظام الجزائري، و لا نريد الخوض في الإكراه الاقتصادي و ملكية اليهود لحقوق الغاز الجزائري الذي سبق و تطرقت لها العديد من الصحف الأوروبية…، بل الأمر مرتبط بالعقيدة و الأخلاق و المبادئ التي يحاضر فيها الرئيس الجزائري يوميا أمام الإعلام الجزائري.
هذا الوضع يفسر و يبرر سر غياب الجزائر عن قمة القاهرة، و التي أراد الإعلام الرسمي في مكة الثوار أن يُحرِّفها و يصنع منها قضية قومية، حيث نشرت جريدة “النهار” أن الجزائر رفضت تلبية الدعوة التي وجهها “أبو الغيط” إلى قصر المرادية، لكن النشطاء الجزائريين تحدوا القيادة في الجزائر بنشر صورة للدعوة…، و الحقيقة أن “الجزيرة” كشفت بأن دعوات الحضور وجهت باتفاق بين الأردن و مصر و الجامعة العربية؛ لأن مصر هي المعني الأول بالصراع و هي من تتعرض لضغوط عالمية يومية من أجل فتح المعبر للاجئين الفلسطينيين، و الأردن ترى أنها ثاني الخيارات على القائمة، و تضيف “الجزيرة” أن الدعوات استثنيت منها إيران و الجزائر و تونس، و أن إيران لم تستدعى لأن العالم يراها وكر كل الشرور و إسرائيل ترفض الجلوس معها، بينما لم تُستدعى الجزائر لأن مصر و الأردن توقعتا أن تتسبب مشاركتها في عرقلة البيان الختامي، و أنها بالمؤكد سترفض إدانة إيران في تأجيجها للصراع بغزة، و ستتسبب في شق الصف العربي، و لم تُستدعى تونس لأن “قيس” أخبر فرنسا و الجامعة العربية أنه لا يستطيع مغادرة بلاده، و أن الوضع الداخلي بتونس ينذر بقرب حصول انقلاب ضده، و أن مغادرته قصر قرطاج فيه هدية لما أسماهم بـ “الظلاميين” الذي يسعون للإطاحة به.
ستقول أيها القارئ الكريم أن ما يوجه ضد الجزائر من الاتهامات، تشترك فيه معظم الدول العربية، و أن جميع فروع “ماكدونالدز”، حتى تلك التي تعمل في العربية السعودية قررت تغيير لون الشعار و جعلته أزرق بلون علم إسرائيل دعما للصهاينة و حربهم ضد الأطفال و العزل بغزة، و أن الدول العربية رفضت إغلاق تلك الفروع، و في هذا قبول ضمني من الدول العربية بدعم إسرائيل، و أيضا ستقول أن أسطول “طيران العال” الإسرائيلي فتح جسرا جويا بين القواعد الأمريكية في الخليج بقطر و العراق و الكويت و الأردن من أجل نقل العتاد و الذخيرة و المؤونة و التكنولوجيا إلى إسرائيل، و أن اللوم لا يجبب أن نُركزه على الجزائر لوحدها… !!؟
هنا أجيبك أيها الكريم، أن ورطة الجزائر أكبر من كل الوضعيات المحرجة التي وجدت الدول العربية نفسها تواجهها، و أن سببها غباء السياسيين الجزائريين و تهورهم في الكلام الشعبوي/القومجي؛ فحين قال الرئيس “تبون” أنه يتتبع شخصيا القضية الفلسطينية، منح نفسه قبعة الوصي على الشعب الفلسطيني و هي القبعة التي ترفضها كل الدول لأن الصف الفلسطيني غير موحد و يعاني من الانشقاق منذ مدة طويلة، و لأن الرئيسين “صدام” و “القذافي” سبق لهما و أن وضعا تلك القبعة/الوصاية على رأسيهما و قادتهما إلى أم المهالك، و حين قال “تبون” أنه “مع فلسطين ظالمة و مظلومة”… !!، فهو قدم وعدا للشعب الفلسطيني بالنصرة مهما كلف الأمر…، و هنا تكمن الخطورة في الموقف الجزائري.
و حسب النشطاء الجزائريين، من أصحاب الرأي الحر، فإن “عبد المجيد تبون” تلقى خبر عدم استدعاءه إلى قمة القاهرة بالكثير من الارتياح، لأن تواجده في ذلك الاجتماع ليس محرجا للجزائر فقط، بل كان سيُدينها تاريخيا، و سأسرد عليك أيها القارئ ، الجوانب الإيجابية في عدم مشاركة الرئيس الجزائري في قمة السلام بالقاهرة، و هي كالتالي :
- الجزائر مطالبة بحد أدنى من الدعم للفلسطينيين، يحفظ لقصر المرادية ماء وجهه بين العرب، لكن الفلسطينيين يرون أن الجزائر خانت العهد و عليها التضحية كثيرا من أجل هذا الشعب الكريم، و تسليح المقاومة و فتح جسر جوي لتزويدها بأدوات الصمود، تجسيدا لشعارها الرنان : “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
- الرئيس الجزائري – في حال شارك في القمة- كان سيكون مجبرا على الاصطدام بأصدقائه الأوروبيين؛ أولهم رئيسة الوزراء الإيطالية،”ميلوني جورجا”، التي حضرت لإدانة الفلسطينيين كإرهابيين و دعم إسرائيل و التي تحصل على الغاز الجزائري بشكل شبه مجاني و ترفض دعم القضايا التي تناصرها الجزائر و أيضا كان سيتواجه مع المستشار الألماني، “أولاف شولتز”، الذي حرك أقوى فرقة خاصة في مشاة البحرية بالجيش الألماني، رفقة مدمرتين و فرقاطة من آخر جيل لحماية السواحل الإسرائيلية، و جاء إلى القمة يحمل شروط “نتنياهو” لإنهاء الحرب باستسلام “حماس” و تحريرها الرهائن، و كلنا نعلم أن ألمانيا مثل إيطاليا تحصل على الغاز الجزائري أيضا بشكل شبه مجاني.
- ثم أخيرا أن الرئيس الجزائري يعرف أن تواجده أمام قادة العالم و كبار السياسيين لا يشبه جلوسه أمام صحافة بلاده، حيث يصرح بشكل عشوائي و بحماس قومجي أن “الحرب إذا بدأت و الله لن توقف… !!“
ففي القمة أي كلمة سينطقها الرئيس “تبون”، و هو المعروف عنه عدم التزامة بالنص المكتوب له، ستُحسب و تُسجل ضد الجزائر، و هذا سر انسحاب أمير قطر الذي لم يستطع الكشف عن موقفه، بعد إتهام الإعلام الأمريكي لقطر أنها تلعب على الحبلين؛ تأوي قيادات “حماس” و تتوسط لليهود من أجل تحرير رهائنهم دون شروط، و تسمح لـ “طيران العال” بإقامة جسر جوي لتزويد الإسرائيليين بما يحتاجونه، و لا تعارض نقل الفلسطينيين إلى مخيمات بالحدود مع الأردن أو بسيناء، و تطالب بإرضاء إيران…، “تميم” وجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، و ظن الجميع أن إنسحابه كان نصرة لفلسطين، و في الواقع كان هروبا من الانتقادات.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة