الأذرع الاقتصادية للرباط تُحكِم قبضتها على فرنسا الإفريقية و بروكسيل تنافس باريس لإرضاء المخزن في ملف الصحراء الغربية
بـقـلـم : بن بطوش
الصورة التي توجد أسفل هذا المقال هو مشهد من الحرب الأوكرانية لدبابة T-90؛ فخر الصناعة الروسية الحديثة، و هي دبابة القتال الرئيسية للجيش الروسي، و التي أصبح النشطاء في الخليج و في شمال إفريقيا يتنمرون عليها و يقولون أنها أصبحت تضع الحجاب الشرعي كتمويه حتى لا تتعرف عليها صواريخ “الجافلين” الأمريكية، و التي حوّلت هذه الأسطورة إلى خردة من المعادن لا تصلح لشيء، و ما إن يلمسها الصاروخ الأمريكي حتى يطير برجها و تلتهمها النيران و كأنها سيارة اقتصادية….. مع العلم أن ما يستخدمه الجيش الروسي هو النسخة الأصلية من دبابة الـ T-90، فيما النسخة التصديرية يمتلكها الجيش الجزائري بوفرة عددية كبيرة، و التي شوهدت في مخازن ميناء وهران و قد غطى الصدئ أجزائها السفلية بما فيها الجنزير…
و بتاريخ 19 مارس 2024، أي قبل أسابيع قليلة من الآن، أعلنت الخارجية الأمريكية أن وزارة الدفاع بواشنطن قد وافقت على صفقة تسليح للرباط بقيمة 260 مليون دولار، تخص بيع واشنطن لمنظومات صواريخ “الجافلين”، و جاء في بيان وزارة الخارجية الأمريكية ما يلي : أن الحكومة المغربية طلبت شراء (612) قذيفة FGM-148F من طرازJAVELIN، مرفوقة بـ200 وحدة إطلاق قيادية خفيفة الوزن من طرازJAVELIN أيضا، مما يعني أنه في حالة نشوب حرب بين الرباط و قصر المرادية، فسيكون جيش الحليف الجزائري مضطرا لإلباس دباباته الخمار الحديدي حتى تصمد أمام صواريخ الجافلين الشيطانية.
و حتى كتابة هذا المقال و بسبب صورة الدبابة المنقبة، تورط الجزائريون في حرب شرسة على مواقع التواصل ترافعا عن سمعة المصفّحة الروسية، غير أن النشطاء في الخليج العربي أجمعوا على عدم خوض أي نقاش معهم، واتفقوا أن يضعوا في حساباتهم صورة رئيس السلطة الوطنية الجزائرية للانتخابات “محمد شوقي”، مصحوبة بتصريحه الأخير الذي نشرته جريدة “الشروق”، و الذي جاء فيه “أن الجزائر دولة رائدة في الذكاء الاصطناعي و أن التصويت الإلكتروني غير مناسب للانتخابات الرئاسية في الجزائر”…، و أرفقوا التصريح بعبارة: “NO COMMENT“.
و في الوقت الذي ينشغل فيه الرأي العام الصحراوي و معه الجزائري بحرب الدفاع عن سمعة العتاد الروسي، و أيضا عن المُسيِّرات الإيرانية التي فشلت في الهجوم الأخير لطهران على تل أبيب، و هم يترقبون الرد الإسرائيلي الذي تأخر، و لا تزال أمريكا تحاول كبحه لاحتواء التوترات في الشرق الأوسط…، تكون الرباط عبر أذرعها الاقتصادية قد التفَّت على أقوى مؤسسة مالية فرنسية في إفريقيا، و ابتلعتها، أمام استسلام شبه كامل من باريس التي لم تبدي أي مقاومة لعملية شراء أحد أهم رموز قوتها المالية في إفريقيا، و يتعلق الأمر بصفقة أشرفت عليها مجموعة “سَهَام” المملوكة لرجل الأعمال المغربي و الوزير السابق, “حفيظ العلمي”، و التي استولت على بنك “الشركة العامة” الفرنسي بالمغرب و فروعه، أي أن المجموعة المغربية استولت حتى على الاستثمارات التي يشرف البنك عليها خارج المغرب، بما فيها تلك التي جرى التخطيط لها في العمق الإفريقي، و ضمن الفروع أيضا توجد شركة التأمين “المغربية للحياة”.
في البداية تبدو العملية كصفقة استحواذ طبيعية بلغت قيمتها الاستثمارية 745 مليون أورو، و تشبه عمليات الاستيلاء – عبر الشراء- التي قامت بها مجموعات مغربية اقتصادية استهدفت الشركات الفرنسية،… لكن بتأمل الصفقة و تتبع خيوطها يتبين أن الأمر متعلق بحرب استثمارات داخل العمق الإفريقي، فـ”حفيظ العلمي”، عندما كان وزيرا للصناعة، عمد – بتوجيه من الدولة المغربية العميقة – إلى بيع شركته المتخصصة في التأمينات إلى مجموعة اقتصادية جنوب إفريقية، في ملكية زوجة رئيس جنوب إفريقيا، و يتعلق الأمر بشركة “سنلام” و التي تجني عائداتها من سوق التأمينات بالمغرب، و هذا الربط الاقتصادي جعل خبراء الاقتصاد في جنوب إفريقيا يكتشفون عروض الاقتصاد المغربي و قدراته، مما تسبب في تراجع حدة موقف بريتوريا ضد الرباط بخصوص القضية الصحراوية؛ و الدليل تصريح وزيرة خارجية بريتوريا من أمريكا و حديثها عن مفاوضات سرية مع الرباط للاستفادة من تجاربها الصناعية.
حتى نفهم خطورة الصفقة الاقتصادية الجديدة، فلابد أن نعرف نوعية البنوك التي ضمّها رجل الأعمال المغربي”حفيظ العلمي”، و يتعلق الأمر بـ “SOCIETE GENERALE“، و هو بنك وطني فرنسي برأس مال فرنسي، و كان يشرف على الاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، و هو المعني بتمويل جميع المشاريع الفرنسية في المغرب و في العمق الأفريقي، و حين كانت فرنسا تريد تسهيل الاستثمار في العمق الإفريقي كانت تعتمد على شبكة هذا البنك، و لذلك فتحويل ملكيته إلى رجل أعمال مغربي، يعني سقوطه في أيدي خارطة الطريق الاقتصادية المغربية في إفريقيا، و بالتي سيصبح أحد البنوك التي تخدم الأجندة المغربية في العمق الإفريقي….ليبقى السؤال هو لماذا تنازلت باريس على هذا البنك الذي يمثل لها أهمية كبيرة و يعتبر جزء من هوية فرنسا و سطوتها المالية…؟، الجواب أن باريس فقدت سمعتها و مؤسساتها بما فيها البنكية التي أصبحت على شفى حفرة من الإفلاس، بسبب المخاض الإفريقي الذي يمكن تسميته بـ “الربيع الإفريقي”، أو “الخريف الفرنسي بإفريقيا”…
و حسب خبراء عالم المال و الأعمال، فإنه قبل أربع سنوات كان مشتري هذا البنك سيحتاج إلى أزيد من 10 ملايير دولار للاستحواذ عليه، لأن البنك كان يمتلك أسهم في شركات تعدين الذهب و الماس و الكوبالت و الأورانيوم و غيرها من المعادن في إفريقيا، لكن المواقف الأخيرة للحكومات الإفريقية الجديدة و عدائها لفرنسا بسبب السياسة الجشعة لهذه الأخيرة ، جعلت الشعوب الإفريقية و السياسيين معهم يطالبون بتأميم هذه المناجم، أو طرد فرنسا و شركاتها و تعويضهم بشركات تستثمر بعقلانية لصالح الإنسان الإفريقي…. و رجل الأعمال “العلمي” بعد شرائه للبنك و فروعه بما فيها مشاريعه، مستغلا سمعة الرباط لدى الحكومات و الشعوب الإفريقية، يكون قد أنقذ البنك من الإفلاس النهائي.
و قبل عملية الاستحواذ تحركت المخابرات المغربية في العمق الإفريقي للحفاض على تلك المشاريع التي كان يديرها البنك الفرنسي، و تحصلت الرباط على وعود إفريقية بالإبقاء على تلك المشاريع، و حصل الاتفاق مع باريس و العواصم الإفريقية تحت منطق رابح – رابح، مع تعهد الرباط بعدم محاربة المصالح الفرنسية المتبقية داخل هذه الدول.
بروكسيل كانت تنتظر في الخلف، و تراقب الوضع بهدوء حتى ترى ما سيتفق عليه الأوروبيون بخصوص موقفهم من الصحراء الغربية، كي تعلن موقفها النهائي في إطار الموقف الموحد للأوروبيين، لكنها اكتشفت بعد مدة من الانتظار أن الدول الأوروبية تماطل في العلن، و تحابي و تتودد سرا لسلطات الاحتلال المغربي من أجل مراضاة الرباط، فلم تتردد بروكسيل و أخذت المبادرة ثم نزلت بوفد يتقدمه رئيس الوزراء البلجيكي “ألكساندر دي كرو”و وزيرة الخارجية ذات أصول جزائرية”حجة لحبيب”، ليعلنوا دعمهم الصريح و غير المشروط لمبادرة الحكم الذاتي التي يدافع عنها المحتل المغربي…. و جاء موقف بلجيكا بهذا الانحياز لصالح الرباط؛ لأن بروكسيل تريد، مثل فرنسا و إسبانيا و البرتغال و ألمانيا، الحصول على موافقة أمريكا لدخول المناقصات في ملف مشاريع مبادرة الاتحاد الأطلسي الإفريقي، و أيضا حتى لا تفوتها كعكة المونديال لسنة 2030.
ما يحدث من تغيرات في العمق الإفريقي بتأثيرات اقتصادية تتحكم في دفة السياسة و الدبلوماسية، عجزت فرنسا عن التحكم به و من خلفها كل أوروبا التي بدأت دولها تبادر منفردة لإرضاء الرباط بكل الأشكال، قناعة منهم بأن الرباط أحكمت سيطرتها على إفريقيا بمخطط بعيد المدى و يصل إلى سنة 2050، و هي نتائج للزيارات المتكررة التي قام بها ملك المغرب قبل عدة سنوات لدول إفريقية و كنا حينها نعتقد بأنها فقط للاستجمام و السياحة…. فيما لا يزال الحليف الجزائري عاجزا حتى عن فهم ما يقع من تحولات في هذا العمق الاستراتيجي الذي أفلت من قبضة قصر المرادية بلا عودة.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك