قراءة تحليلية للحركة التي قام بها “نتنياهو” و اعتبرها البيت الأصفر انتصارا جديدا للقضية الصحراوية… !!
بـقـلـم :بن بطوش
بعد استشهاد 15 شخصا من المنقبين في قصف للجيش الجزائري من مسيرة، عاد مدون لينشر صور و مشاهد لجثت صحراويين من بني جلدتنا منسية في الأراضي المحرمة و تغطيها الرمال بشكل مهين للمشاعر، و قد تحللت تحت تأثير الرياح و أشعة الشمس و الحرارة…، فلم أجد من تعليق يشفي الصدور على ما يحصل للشعب الصحراوي المهدد بالقتل و المطارد من العدو و الحليف، غير اقتباس للأديب الروسي الرائع “دوستويفسكي” الذي يُعرف بأنه أعنف رومانسي نعى خسائره الكبيرة، حيث كتب: “لقد سرقوا مني كل شيء، و أعطيتهم ما تبقى من تلقاء نفسي…”، و كأني بشعبنا يقول و هو في أرض اللجوء، لم أعد أطمع في المزيد، لقد قايضوني فحصلت منهم على حصة مستوفاة من اليأس و الوجع و الكمد و القهر…، و أخذوا مقابلها كل رصيدي من الفرحة و السعادة و الأمل، و لا متسع في قلبي لحزن جديد…، حاولت استفزاز ذلك المدون في مراسلة خاصة لأجره إلى نقاش أعيد به ترتيب قناعاته و أصلح له ما أفسده “الهنتاتة” عليه من حياته…، لكنه أجابني بالصمت و التجاهل، و كأنه هو نفسه الشخص الذي وصفه الروائي العظيم “نجيب محفوظ” حين قال: “ثم تتحول فجأة إلى شخص لا يعاتب أحدا، يتجنب النقاشات…، ينظر إلى الراحلين بهدوء، و يستقبل الصدمات بصمت مريب…”.
هكذا أصبح الإنسان الصحراوي في المخيمات بعد صمت القيادة و المناضلين و الحقوقيين و المنظمات الدولية…، عن الجريمة البشعة التي نفذتها مسيّرة الجيش الجزائري ضد مُجالدين يحملون صخر العيش على رقابهم، و ينبشون كبد الأرض بحثا عن معدن يضمن لهم بعض القوت الكريم الذي فقد في أرض اللجوء…، و الموجع أكثر أن يد الغدر لم تكن من العدو، بل كانت اليد التي كنا نعتقد أنها تربت على أكتافنا و تواسينا و تطمئننا…، و هذا يذكرنا بقصص مثيرة للسخرية، و التي تقول إحداها “أن الخرفان تقضي حياتها خائفة من الذئب، لكن الذي يأكلها هو الراعي”… !!
و المحبط أكثر ليس صمت القيادة الصحراوية بالرابوني و لا حتى الشلل الذي أصاب أذرعها في المخيمات و أوروبا و الأراضي المحتلة و بالشتات…، بل ما تفتق عن أخلاقها و قناعاتها التي يبدو أنها أصيبت بلوثة الكفر الثوري، لتخرج لنا بمواقف تزكم المشاعر و تحبط الطموحات التحررية التي أسست عليها القضية الصحراوية، و هي تدفعنا لتمجيد الموقف الذي أبان عنه “النتن – ياهو”؛ السفاح الذي لا يفرق بين البشر و الحجر في غزة، و تُطالبنا حسابات تنتمي للذباب الهنتاتي بأن نشمت في المحتل المغربي و أن نفخر بحركة القاتل “نتنياهو” و ندخل في العراك السيبيراني مع المغاربة ترويجا لنصر عُصِر نَخْبُه من دماء الفلسطينيين…. لذلك أيها القارئ الكريم عليك أن تتوقف عن التفكير بعاطفة ضعيفة و مهزوزة، و أن تتوقف عن ابتلاع عقاقير البيت الأصفر بالرابوني، حتى لا تتوهم بأن الكيان الصهيوني سيُفضل إرضاء الصحراويين أو الحليف الجزائري على حساب الرباط، و حتى تفهم هذا الكلام، أدعوك لأن تحضر كأس الشاي المعتاد، و أن تُطفئ كل أجهزتك و أن تقرأ هذا المقال بعناية حتى تستوعب ما خفي في خرجة “نتنياهو”… !!
رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، أو القاتل بالجملة للعزل في غزة أو كما يناديه الإعلام الأوروبي “سفاح مخيم رفح”…، يشعر بالإحباط الشديد من مواقف الرباط، و ردة فعله جعلت العرب من الخليج إلى المحيط يتعاطفون مع المغرب، بل إن ذلك الخرجة الإعلامية لثواني من “نتنياهو” على قناة فرنسية، وحّدت موقف كل العرب (باسثتناء الجزائر) من “قضية الصحراء الغربية”؛ لأن المحتل المغربي هو الوحيد الذي أوجع حكومة “نتنياهو” حتى الآن، و ردة فعل رئيس الوزراء للكيان الغاصب كشفت محدودية تفكيره التي أصبحت تقتصر على الاستفزازات…، و أثبت أن خط المقاومة الأول الذي يعاني منه اليوم هذا المجرم ليس كتائب “حماس”، بل تحركات دول التطبيع، التي وضعته في مأزق سياسي على المستوى الداخلي و جعلته يعيش أزمة حقيقية أخلاقية مع المنظمات العالمية و مع الرأي العام في أمريكا وبريطانيا و مع باقي الدول الآسيوية و الإفريقية .
و ما لا يعلمه المواطن العربي البسيط المنشغل بشظف العيش اليومي و محاربة الغلاء و الندرة…، هو أن النظام المخزني يمتلك لوبي قوي جدا داخل إسرائيل، و أنه يُحركه لمحاصرة “نتنياهو” الذي حاول أكثر من مرة زيارة الرباط بشكل رسمي لإرضاء اليهود ذوي الأصول المغربية، و الذين يسيطرون على ثلت “الكنيست”، و نصف الحقائب الحكومة اليمينية في إسرائيل، و يشكلون حوالي 13% من سكان الدولة العبرية، و يؤثرون بشكل قوي في الانتخابات الإسرائيلية، و لديهم حزبان قويان؛ هما: “الليكود” الذي يقوده “نتنياهو” و حزب “شاس” الذي يرأسه المتطرف من أصل مغربي “أرييه درعي”، و الذي يلقب بالرجل الثاني في إسرائيل و هو ابن مدينة مكناس، و المغرب بتحريكه للوبي المتحكم في الجالية اليهودية من أصول مغربية ضد “نتنياهو”، جعل التحالف الحكومي يختل داخل إسرائيل و أصبح رئيس الوزراء يعاني أمام غياب الإجماع على خططه الحربية، الشيء الذي جعل السفاح “نتنياهو” يحاول التوصل مع النظام المغربي الرافض لأي حوار خارج شرط وقف الحرب على غزة، و أظهرت له الرباط أنها كانت و لا تزال ترفض زيارته حتى لا تقدم له خدمة في الانتخابات المقبلة، و ليفهم أيضا أن الرباط تنتظر سقوطه في الانتخابات المقبلة، لإعادة تفعيل اتفاقيات”أبراهام” التي توقفت عند مكتب التمثيلية و لم تتفاعل الرباط مع طلبات إسرائيل بفتح سفارة بالمغرب.
نحن لا ندافع عن خيارات المحتل المغربي، و لكننا تحصلنا على معطيات وجب إبلاغها من باب الأمانة المهنية و تنوير الرأي العام الوطني حتى نكشف الجوانب الخفية من الحروب السياسية التي تخوضها الرباط بعيدا عن قضيتنا، لأن المحتل المغربي لا يستعمل جاليته اليهودية في إسرائيل فقط، بل أيضا يحرك اللوبي الأمريكي داخل الكونغرس و البيت الأبيض، من أجل دفع أمريكا للضغط على إسرائيل حتى توقف القصف.
و قد نجحت الرباط قبل أسابيع عبر ضغطها من إدخال المساعدات برا عبر الأردن، و حكومة الرئيس الأمريكي “بايدن”اليوم تحاول مراضاة الرباط بعقد مؤتمر دولي حول الصحراء الغربية، حتى تحقق الإجماع العالمي على دعم ما يسمى “مخطط الحكم الذاتي”، و لتنهي الجدل في هذا الملف، و هذا القرار الأمريكي غير مرتبط بخرجة “نتنياهو” و انزعاج الرباط من خارطة تفصل إقليم الصحراء الغربية عن شمال إفريقيا و العالم العربي، و تنسبها لإفريقيا جنوب الصحراء، بل لأن حكومة “بايدن” تريد إبقاء الرباط و خلفها الإمارات العربية و مجلس التعاون الخليجي في معزل عن حرب الانتخابات الأمريكية، و البيت الأبيض يعرف قوة التحالف المغربي – الإماراتي – السعودي في أمريكا، و يعرف أن هذا التحالف هو من دفع بالأمين العام الأممي “غوتيريش” إلى رئاسة الأمم المتحدة، و هو المعول الذي يهدم سمعة الرئيس الفرنسي حاليا و يدمرها عند الشعب الفرنسي و بين المؤسسات الدولية، و هم الذين أنجحوا خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي…، و في حال دعمهم لحملة “ترامب”، ستتغير الموازين في الانتخابات الأمريكية.
نعود إلى “نتنياهو” و حركته التي أعجب بها “الهنتاتة” في المخيمات، كي ندقق فيها قليلا، عبر إظهار بعض الملاحظات، بدءا من أنه اختار التلفزيون الرسمي الفرنسي TF1، و هو يعلم أن ثمة صراع كسر أصابع بين الرباط و فرنسا، و نحن نعلم أن باريس تستغل مثل هذه المواقف السياسية لربح بعض النقاط في علاقتها مع قصر المرادية، و “نتنياهو” ليس أول من أستغل قضيتنا لاستفزاز المحتل المغربي، فقد فعلت قبله ذلك دولة جنوب إفريقيا عدة مرات و لا تزال تفعل، و أيضا إسبانيا “سانشيز” و فرنسا “هولاند” و تونس “قيس سعيد” و قطر و الدنمارك و السويد و إيران و “حزب الله” و حتى حركة “حماس” و السلطة الفلسطينية عندما يحتاجون إلى أموال الجزائر…
و الكل يعلم أن مثل هذا السلوك الإعلامي هو مجرد استفزاز لا يرقى إلى مستوى قرار، و لا يمكنه أن يغير شيء من حقيقة أن الرباط تحتل الصحراء الغربية و تسيطر عليها، و الجزء اللاجئ من الشعب الصحراوي حاز الوجع و الضياع …، و أن إشهار الخريطة بذلك الشكل فيه فقط محاولة لتقطير الشمع على جلد الرباط، ثم أن الخريطة كانت بها دول شمال إفريقيا و الخليج العربي مرسومة باللون الأخضر، فيما الصحراء الغربية باللون الأبيض مع دول جنوب الصحراء في إفريقيا، و هذا محبط لنا لأن “نتنياهو” يرانا خارج الأمة العربية-الإسلامية، و كان الأولى به أن يضع خطا يفصل بين التراب المغربي و الصحراء الغربية و كأنه يريد أن يقول بأنها أرض غير عربية البتة، و هذه حركة مسمومة…، و أيضا تظهر في الخريطة دولة إيران باللون الأسود، حيث أراد أن يقول للدول العربية أن عدوكم الحقيقي هو إيران و جعل إسرائيل باللون الأخضر و كأنها جزء من الوطن العربي، فيما غزة اختار لها اللون الأحمر، كدليل على التمرد.
ساعات بعد ظهور تلك الخريطة، أصدر مكتب رئيس الوزراء في دولة الاحتلال العبرية بيانا يصف فيه ما وقع بالخطأ غير المقصود، و برره بأن “نتنياهو” اعتمد خارطة قديمة على مكتبه، و أن المشرفون على تسيير مكتبه لم ينتبهوا إلى الأمر، و أن اعتراف إسرائيل لا رجعة فيه، و لم يتوقف الاعتذار عند مكتب الرئيس الوزراء، بل نشر الناطق الرسمي في الخارجية العبرية بيانا يؤكد فيه أنه محض خطأ لن يتكرر، كما أن رئيس الوزراء نفسه اعتذر عن “الخطأ” في تدوينة له على منصة X…، و هنا يتضح حجم المعاناة التي تسبب فيها المحتل المغربي للرئيس الإسرائيلي، و نحن نعرف غطرسة “نتنياهو” و تكبره و رفضه للاعتذار، لكن اللوبي اليهودي التابع للرباط داخل إسرائيل و تحرك بقوة و بسرعة و تسبب لـ “نتنياهو” في مشاكل سياسية و دبلوماسية كبيرة، دفعته للاعتذار حتى لا يفتح على نفسه جبهات أخرى داخلية و خارجية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك