بـقـلـم:بن بطوش
من كان يناصر نظام “الأسد” فـ “بشار” قد فر و تبدد حكمه و هان على الناس بعد أن تسلل إلى العراق و منه إلى موسكو حيث قدم له القيصر “بوتين” “لجوءاً إنسانيا”، و من كان يدعم الشعب السوري، فشعب سوريا باق و يتمدد، و حين قلنا في المقال السابق و نحن نختم سلسلة مقالات جرد العهدة الأولى للرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون”، بأن سقوط حلب كان نتيجة صفقة لبنان و إسرائيل من جهة و صفقة ثانية بين تل أبيب و موسكو، فالأولى جعلت “حزب الله” و “الحرس الثوري” الإيراني يخرج من قصور “بشار الأسد”، و الثانية جعلت مرتزقة الفاغنر و عناصر الجيش الروسي يسحبون المقاتلين من الثكنات و الجبهات و يخرجون بطاريات الدفاع الجوي S-400 و S-300 و غواصات الثقب الأسود و المدمرات و الفرقاطات من الموانئ العسكرية و المطارات، مقابل تعهد الجيش الإسرائيلي بوقف تصدير المسيرات العالية التقنية إلى أوكرانيا…، فإننا لم نكشف عن الصفقة الثالثة، و التي وقعتها إسرائيل مع الخليفة العثماني “أردوغان”.
صفقة تل أبيب مع موسكو و طهران كان الهدف منها تخفيف الضغط الدولي على الدولة الصفوية التي بهتت و إنكشفت في حرب غزة، بينما الصفقة التي عقدها “الطيب رجب أردوغان” و من خلفه قطر دمرت كل مقاييس الأخلاق، و جعلت المتتبعين للشأن السياسي في الشرق الأوسط يفقدون عقيدتهم الدبلوماسية، و يتساءلون عن السبب الذي جعل “أردوغان” يوافق على إشراك أسراب من مسيرات “البيرقدار” و “الأكنجي” في قصف آخر معاقل الجيش السوري حول القصور الرئاسية بدمشق و حلب و اللاذقية جنبا إلى جنب مع الطيران الإسرائيلي…، و المفاجئة أن أحد تلك الأقصاف كان سببا في مقتل أزيد من 300 جندي جزائري من قوات الصاعقة، الذين كان يقودهم اللواء الجزائري “طير حمود” المقرب جدا من قائد الجيش “سعيد شنقريحة”، و هو اليوم أسير لدى قوات “الجيش الحر” السوري، و لا يستبعد أحد تسليمه للجيش الإسرائلي، رغم أن الجزائر تفاوض الثوار السوريين عبر قطر لإطلاق سراح 120 أسير من قوات الصاعقة و أزيد من 70 مقاتل صحراوي.
الأتراك كشفوا عن أوراقهم و كيف يرون في الجزيرة العربية أنها مكان لتصريف أوساخهم، بمعنى أن الأتراك مثل الإسرائيليين تحصلوا على وعود بمنح الأكراد وطنا بديلا لهم بعيدا عن تركيا قد لا يصل إلى الإستقلال، لكنه سيكون تجميع لأكراد العالم بحكم ذاتي، مثلما حصلت إسرائيل على عمق ترابي تحرسه، و يمثل أراضي عازلة تشبه تلك التي فرضها المحتل المغربي في الصحراء الغربية، هذا العمق يضع دمشق على بعد كيلومترات بسيطة من أنظمة إسرائيل الصاروخية و أسرابها المسيرة الإنتحارية.
الصفقات التي عقدها الثوار و الدول القوية في الشرق الأوسط، الجميع يراها عادلة، حتى القومجيين والناصريين و البعثيين العبثيين الذين دفعوا بالشرق الأوسط إلى الوضع الذي هو عليه اليوم، يرون أن الثوار تصرفوا بحكمة، و فجأة شهدنا بيانات لحكومات كانت تدعم بشار قبل ساعات من سقوط نظامه، و تصف دخول الثوار إلى دمشق بالنصر العظيم، و المضحك هو بيان قصر المرادية الذي تغير كليا بعد 48 ساعة من وصف الخارجية للثوار بالإرهابيين، و بعد أقل من 24 ساعة على الإتصال الذي قام به وزير الخارجية الجزائري “أحمد عطاف” مع نظيره السوري “بسام صباغ”، و هو أسرع إنقلاب دبلوماسي و تغيير للموقف في العالم، كتبت الخارجية الجزائرية تصف فيه ما حصل في سوريا بالنصر الشعبي للسوريين، حتى المعلق الرياضي الجزائري “حفيظ دراجي” الذي سبق أن تورط في مكالمة هاتفية مع الناشطة السورية “ميسون بيراقدار”، و تطاول على الشعب السوري و اجرح في المعارضة السورية و بجل الرئيس “بشار” المطاح به…، أنزل – قبل كتابة هذا المقال- تدوينة له على حسابه بمنصة X، يصف بها الثوار بالأبطال و الشجعان… !!
المثير في الملف السوري هو الدروس الممكن إستخلاصها من سقوط نظام “بشار الأسد”، و أولهما أن الدعم الروسي لا يمكن الإعتماد عليه مطلقا، و هذا يعود بنا إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” لموسكو، و لقائه “بفلاديمير بوتين”الذي وصفه و هو مرتبك بصديق العالم، حينها قال “تبون” مرتجلا في كلمة غريبة “أن روسيا هي ضامن إستقلال الجزائر”… !!، و كأنه يقدم مفاتيح الجزائر على طبق من التنازل إلى الدب الروسي و الجيش الروسي لإرضاء موسكو و رئيسها القوي…، أو لنقل أنه كان يطلب حماية شخصية من الرئيس “بوتين” تشبه تلك التي كان يوفرها لـ “بشار الأسد”، و هذا الدرس يؤكد ضعف بصيرة الاستراتيجيين في قصر المرادية، أو بعبارة أدق يؤكد خوف الرئيس الجزائري من مصير مجهول.
الدرس الثاني نستخرجه من بيانات قصر المرادية، و ما حصل لكتيبة المغاوير في سوريا، و الذي يؤكد أن الأجهزة العسكرية للحليف الجزائري أصبحت تتحرك في ظلمة مخابراتية كاملة، بمعنى أن الكتائب العسكرية الجزائرية لا تحصل على التقارير المخابراتية الدقيقة، أو بمعنى أدق أن الحليف لا يمتلك مخابرات قوية خارج و داخل البلاد، و الدليل أن الكتيبة الجزائرية لم تتحصل على معطيات تؤكد لها أن ثمة صفقة عقدها الثوار مع إيران و إسرائيل و الأتراك و الروس…، و نتج عنها إنسحاب “الحرس الثوري” الإيراني و خروج الفاغنر و العتاد الروسي و مقاتلي “حزب الله”…، و أنهم أصبحوا دون غطاء دفاعي، و كأنهم كانوا نائمين و استيقظوا فجأة على خبر سقوط دمشق و أسرهم، لم يخبرهم أحد أن حتى الجيش السوري هرب و بقوا لوحدهم في الساحة يواجهون الثوار.
الدرس الثالث و هو الأهم و الأخطر، هو أن الحليف لا يمتلك سياسيين بنظرة ثاقبة، أي أن قصر المرادية تعوزه المواهب السياسية و الدبلوماسية، و الدليل أن العالم كله راهن على سقوط “بشار” و أن المعطيات كلها كانت تشير إلى أن نظام “الأسد” سينهار تلقائيا، عدا الرئاسة الجزائرية التي ضلت تدعم “بشار” و تعادي الثوار إلى أن تأكد هروب الرجل نحو بغداد، حتى الجيش العراقي الذي كان على الحدود ينتظر الضوء الأخضر للدخول إلى سوريا، بعد تأكده أن الأمور حسمت في واشنطن و موسكو، عاد إلى ثكناته و كل ما إستطاعه هو توفير ملاذ آمن للرئيس “بشار”.
و ثمة أمر أخير وجب التطرق إليه، مرتبط بتورط مقاتلينا في الحرب السورية كمرتزقة، هنا نؤكد أن الخبر صحيح، و أن المقاتلين الصحراويين الذين يتواجدون في سوريا كرهائن ضمن فيلق تابع للجيش الجزائري، كانوا يحاربون باسم “الجيش الجزائري”، وهم في الأصل عناصر متدربة من الصحراويين الذين كانوا يخضعون للتكوين في تقنيات إسقاط المسيرات داخل إيران، لكن ظروف الحرب في الشرق الأوسط جعل نظام “الملالي” في إيران يفرض على المتدربين المشاركة في الحرب السورية، كتطبيق ميداني لما تعلموا في التداريب، و نحن هنا نلقي باللائمة على القيادة الصحراوية الضعيفة، و التي لم تستطع معارضة القرار، و هذا التورط سيسهل في عهدة الرئيس “ترامب” تصنيف الدولة الصحراوية كحركة مارقة أو إرهابية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك