بـقـلـم:بن بطوش
يظل الشيء الثابت هو ما قلناه ذات مقال؛ بأن المجازفة باتخاذ القرار ليس هو الجزء الأصعب في الخيارات القليلة المتاحة أمامنا، و لكن كل الخطورة تكمن في رحلة التعايش مع تبعات هذا القرار، في تكلفته و في فواتيره الباهظة…، الصعوبة أن خيارات القيادة الصحراوية – منذ تولي الأخ “ابراهيم غالي”- تقرب المسافات بين فهم ما يقع و بين النهاية التي تشعرنا بالذعر، و تقودنا دون رحمة إلى الإيمان بأن وطن المنفى هو آخر ما تبقى لنا من خيارات، و قد يكون سببا في فشل المشروع الوطني ككل، و الدليل أن القرار الذي دُفعت إليه قيادتنا ذات محاولة لقطع الطريق بالمعبر الملعون “الكركرات”، أظهر فيما بعد خطئها الكبير و تدبيرها الضعيف و أنها لا تمتلك فكرا استراتيجيا و تسيء كثيرا تقديرها لمنحى الأحداث، و يِؤكد أن المحتل المغربي عرف كيف يستثمر لصالحه ذلك التهور من قيادتنا و يعطيه كل الصلاحيات لابتلاع ما تبقى من الأراضي المحررة، التي كانت تمنحنا بعض الحرية في التنقل بين ما بقي من ثغور المحيط و المخيمات… !!
و حتى لا يُؤخذ هذا المقال من جانبه المظلم، و لكي نرفع اللبس و نجنبك أيها القارئ إثم تخوين خطنا، فنحن لن نخفي إعجابنا بـ “الإنجاز العسكري”، و الوصول إلى استهداف مدينة السمارة المحتلة بمقذوفات “غراد122″، و إسقاط الضحايا و مشاهدتنا الجثث للمرة الأولى على الضفة الأخرى بعد ثلاثة سنوات من الحرب…، لأننا انتظرنا حتى “البيان 901” لقيادتنا العسكرية، كي نسمع و نتأكد من سقوط ضحايا…، بعدما تعبت قلوبنا من صور شهداء الجيش الصحراوي الذين قصفتهم مُسيِّرة الشيطان “يعني”…، إعجابنا بما حدث في السمارة كان – في بداية الأمر- أشبه بفرحة الطفل بيوم العيد؛ فهو يعلم أنه يوم و سيرحل، و ستعود الأمور إلى سابق عهدها، و سيعود إلى المدرسة و بطش قوانينها و جبروت مدرسيها، لكنه يفرح و في قلبه الذعر من سرعة عقارب الساعة و قرب المحاسبة مع مدرسه الذي أثقل عيده بالواجبات المدرسية…، هي المرة الأولى التي يفرح فيها الشعب الصحراوي و هو خائف و يعرف أن ثمة فاتورة يجب دفعها.
ما حدث ليلة الـ 29 من أكتوبر2023، حوالي الساعة الواحدة، و حسب صور و شهادات من عاينوا الانفجارات بمدينة السمارة…، يؤكد أنه قصف صاروخي لبطاريات “غراد “122، و أن الأمر يتعلق بأربع صواريخ أطلقت من مكان واحد و من نفس المسافة، و مما لا يمكن التشكيك فيه أنه أدى إلى مقتل شخص واحد، لم يكن عسكريا مغربيا، بل مواطنا مدنيا يقيم بفرنسا و زامن تواجده في سطح منزله سقوط أحد الصواريخ عليه، ليلفظ أنفاسه لحظتها، و تسببت باقي الصواريخ في إصابة ثلاثة أشخاص…، أحدهما رجل مسن متقاعد كان بعيدا بقرب مكان سقوط الصاروخ حين تواجده خارج بيته لإطعام قطط الشارع، و قد أصيب في قدمه و رقبته، و الثاني كان شرطيا اخترق الصاروخ سقف طابقين من المنزل ليزوره في طابقه السفلي بمسكنه و تصيبه الشظايا بجروح في أماكن متفرقة من جسمه…
الجريحان – للأسف- هما من أهالينا الصحراويين في الأراضي المحتلة؛ فالمتقاعد هو من قبيلة الركيبات و الشرطي من قبيلة آيتوسى، و هنا تبدأ المأساة، لأن أهداف القصف كانت جميعها داخل حي سكني مأهول، و لم تستهدف ثكنة و لا حتى نقاط مراقبة عسكرية و لم تقترب من المطار كما تزعم بعض الروايات الصحراوية… !!
نحن لسنا خبراء عسكريين و غير مؤهلين لتقديم تحاليل تقنية عن سيناريو القصف و كيف نجح مقاتلو الجيش الصحراوي في رشق مدينة السمارة المحتلة بالصواريخ الأربعة؟ و لن نمارس التنجيم عن إمكانية وجود أنفاق أرضية أوصلت المجموعة المهاجمة إلى مكان يبعد عم المدينة بحوالي 40 كيلومترا، و لا يمكننا تأكيد أو نفي تورط منقبين موريتانيين في عملية التسلل هاته، و لن نخوض في أساليب التمويه الذي نجحوا بفضله لتجنب الرصد من السماء و الأرض،…، بل سنتوقف في سرد المعطيات عند هذا المستوى كي نفتح قوس العودة في الزمن إلى أيام قليلة من هذا الأسبوع، كي نفهم حجم الخطأ الذي تورطت فيه قيادتنا، و كي نتخيل منذ الآن تكلفة فواتير هذا الدك و القصف الذي استهدف مدنيين.
فعندما تقدمت أمريكا بمسودة قرار مجلس الأمن، الذي قد يتم نشره قبل أن ننتهي من كتابة هذا المقال، بعدما سرب ممثل الجزائر تفاصيل تحصل عليها من ممثل موسكو في مجلس الأمن، تخص التقرير النهائي الذي أعدته واشنطن عن القضية الصحراوية، و الذي يتهم جبهة البوليساريو بالتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار بشكل منفرد، و يدعوها بلغة الأمر للعودة إلى وضع ما قبل 13 نونبر 2020، و أن الصين و روسيا لم تبديا معارضة شديدة لخمسة محاور جلها تتهم البوليساريو بمحاولة عرقلة جهود الأمين العام و مبعوثه الشخصي، و تحاول زعزعة استقرار المنطقة، و الأخطر أن التقرير لا يتضمن – و لو من باب الإشارة- مسألة الاستفتاء.
و حسب ممثل الجزائر فإن أمريكا مارست ضغوطًا شديدة للحيلولة دون عقد اللقاءات الروتينية لممثل تنظيمنا السياسي مع رئيس مجلس الأمن، ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بالشؤون السياسية و قضايا السلام، وذلك بغرض منع إيصال موقف البوليساريو تجاه مسودة القرار إلى مجلس الأمن، كما أوقفت تحركات ممثل الموزمبيق الذي اقترح إعادة صياغة المسودة بكاملها…، و بتاريخ 24 أكتوبر كان المبعوث الأممي “دي ميستورا” قد التقى “فيكتوريا نولاند”، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية، و التي أطلعته على مسودة القرار التي صاغها الأمريكيون، و وافق “دي ميستورا” على الصيغة التي تفرض الحكم الذاتي كخيار نهائي، و ترفض خيار الاستفتاء، و تمنح البوليساريو هامشا لإيداع مقترح يتطابق مع مقترح الحكم الذاتي أو يطوره.
هذه التطورات صادفت وصول “مايك جونسون” صديق الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” إلى رئاسة مجلس النواب الأمريكي، و جرى دعمه حتى يسمح للكونغرس بتمرير عديد القوانين من أجل تسريع تمكين الدول الصديقة لأمريكا من الدعم العسكري، خصوصا إسرائيل و أوكرانيا، و إخراج قانون يسمح بتصنيف الحركات المسلحة التي تستهدف المدنيين و تأسرهم و تقصف الأحياء المأهولة في خانة الإرهاب، لمنع إدانة اسرائيل من طرف القانون الأمريكي و بالتالي تجنيب هذا الكيان الغاصب مستقبلا أي مساءلة قانونية في مجلس الأمن!!…..وسط هذه الحمأة و هذه المتغيرات الدولية فقدت الدولة الصحراوية دعم ائتلاف أحزاب “السومار” الإسباني بعد تحالفه مع “سانشيز” لتكوين الحكومة، و استجابت رئيسة الائتلاف لشروط رئيس الحكومة الإسبانية من أجل المشاركة في الائتلاف الحكومي، و تقضي بقبول رؤية “سانشييز” للعلاقات الخارجية مع الجار المغربي، و أن تدعم طلب إسبانيا بإحصاء ساكنة المخيمات…
و بينما العالم منشغل بحرب غزة خرج علينا شاب صحراوي ملثم بخطاب متطرف على الطريقة الداعشية، يهدد فيه المحتل المغربي، و يعكس خطابه مستوى اليأس و فقدان الأمل الذي أصبح عليه الإنسان الصحراوي…، و بعد أيام قليلة من هذا التهديد سقطت مقذوفات صواريخ الغراد على بعض الأحياء السكنية بمدينة السمارة، و خلف الهجوم ضحية و ثلاثة جرحى مدنيين، و لم تستطع قيادتنا تبني الهجوم و لا نفيه، و اكتفت بروتين بيان الدك و الأقصاف المثير للشبهة (البيان رقم 901)، و الذي يورطها أكثر مما يبرئها، مع مقطع مصور لأفراد ملثمين يرتدون الزي العسكري الصحراوي، و يوثقون لحظة إطلاق الصواريخ على السمارة المحتلة دون تمييز بين الصحراويين و غيرهم.
المحتل المغربي أظهر وعيا جبارا بهذه المعطيات، و أكد تفوقه على القيادة في بيانه الهادئ و المتوازن، و لم ينجرف خلف العواطف و لم يظهر غضبه و لم يتوعد بالرد و لم يتهم جهة معينة، كما فعلت الجزائر حين استُهدفت الشاحنتين و قتل مواطنوها، و هددت بأن ذلك الفعل لن يمر دون عقاب، بل نشرت الرباط بيانا تقول فيه أنها ستجري تحقيقا أمنيا و بالستيا لتحديد مصدر القصف…. و استعمال المغرب لمصطلح “التحقيق البالستي”، يعني ضمنيا أنه سيتم إشراك أطراف دولية في التحقيق كالولايات المتحدة الأمريكية و الخبراء العسكريين الأمميين، و كأن الرباط تحصلت على ما كانت تنتظره من أدلة لتوريط الجزائر و ليس البوليساريو فقط.
و الرباط اليوم لديها الشريط الذي يهدد فيه ذلك الشاب الملثم مدنيي و عسكري دولة الاحتلال المغربي، و لديها بيان القصف الدك 901 الذي يتضمن استهداف قطاع السمارة، و تناقلت كل وسائل العالم السمعية و البصرية مشاهد الضحية المدني الذي قضى بسبب القصف، لأنه – حسب ما يروج-يحمل الجنسية الفرنسية، و سيكون لديها التقرير البالستي للخبراء العسكريين الدوليين، الذي يوثق البصمة الجزائرية في التعديل الذي خضعت له صواريخ “غراد122″، وقد يجد الخبراء ما يشير إلى “حزب الله”، في حال تأكد وجود أنفاق أوصلت المجموعة المهاجمة إلى المكان التي قصفت منه مدينة السمارة.
و مع وجود رئيس لمجلس النواب الأمريكي من الجمهوريين يستطيع الضغط على الكونغرس، ستكتمل أركان و شروط تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية ترعاها الجزائر، و سنكون أمام وضع جديد، يصعب التعايش معه؛ لأن الشعب الصحراوي هو من سيدفع فاتورته، و لأن “الهنتاتة” الحمقى أخذهم الحماس من مغامرة “حماس”، و قرروا توريط الشعب الصحراوي كما ورطت “حماس” شعب غزة في حرب ظالمة، رغم علمهم أن المقارنة بين البوليساريو و “حماس” لا يمكن أن تحصل، لاختلاف القضيتين… فالشعب الصحراوي ليس كشعب غزة، و نحن لاجئون خارج أراضينا، و المدن التي نستهدفها سوادها الأعظم من الصحراويين، ناهيك على أن من نستهدفهم هم مسلمون.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة