الزيارة المفاجِئة للرئيس الجزائري إلى البرتغال: هل كانت بأجندة مدروسة ؟ أم مجرد مقامرة لمحاصرة الرباط و لإغاظة مدريد و باريس
بـقـلـم:بن بطوش
ثمة مستجد في الحرب الروسية – الأكرانية قد تغيّر منطق الحروب في العالم، وحتما ستكون ملهمة للدول المتضررة من النزاعات الحدودية، و ستزيد جرأتها من أجل إيقاظ الفتن و النعرات و القوميات الغاضبة من الأنظمة الظالمة، حيث أعلنت روسيا أنها تعرضت لهجوم من جيش جديد ظهر فجأة على الساحة، يُسمي نفسه جيش”حرية روسيا”، و يتجاوز تعداد أفراده الخمسة آلاف مقاتل روسي، مدعوم من فيلق للمتطوعين الروس الغاضبين من نظام بلادهم و ضحايا السياسة العنيفة لـ “بوتين”، و جزء منه مشكل من أبناء ضحايا الجيش الروسي و عدد من جرحى الجيش الروسي المتخلى عنهم، و ضمنهم أيضا عددا من عناصر “الفاغنر”…
و الأخطر أن هذا الجيش الذي ظهر فجأة من العدم و قضم جزءا من الأراضي الحدودية الروسية، يسيطر حاليا على مساحة بعمق 40 كيلومترا من الخط الحدودي و يبسُط سيطرة شبه كاملة على مدينة “بيلغرود”، و لا يزال يشن الهجمات على الجيش الروسي بعنف كبير، و هو مجهّز بمدرعات روسية و مدجّج بصواريخ فرط صوتية، جزء منها روسي الصناعة و جزء منها غربي – بريطاني، حيث قالت المصادر من ساحة الحرب هناك، أن هجوما صاروخيا نفذته قوات “حرية روسيا” مستعينة بسلاح تكتيكي بريطاني من نوع “ستورم شادو”، الذي لم تستطع البطاريات الروسية الحدودية اكتشافه أو رصده و صدّه، و دمّر كل المنشآت التي استهدفها، بدقة إصابة بلغت 100%.
إلى حدود كتابة هذا المقال، أوكرانيا تنكر دعمها لهذا الجيش و تصفه بأنه انفصالي روسي، فيما أعلن الكريملن أنه جيش أوكراني مدعوم من “الناتو”، و مكون من مرتزقة روس و سجناء سابقين في الزنازن الأووربية، غير أن كتيبة خرجت برسالة بالصوة و الصورة، تعلن فيها تأسيس جيش “حرية روسيا” و الانشقاق عن موسكو، و محاربتها لتحرير الروس مما أسموه الاضطهاد و القمع و الاستبداد العسكري لنظام بلدهم ضد الشعب الروسي، و أعلنوا أيضا أنهم لا يمثلون أي جهة و أنهم يخوضون الحرب فقط لأجل الشعب الروسي و لا صلة بينهم و بين أوكرانيا و باقي دول الغرب…، و في سؤال طرحه صحفي على “جوزيب بوريل”، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، عما يحدث في “بيلغرود”، أجاب هذا الأخير أنه لا يعلم ما يحصل في “بلغراد”، قبل أن يصحّح له الصحفي أنه سأله على “بيلغرود” الروسية و ليس “بلغراد” الصربية، فردّ عليه: لا أعرف ما يجري، أخبروني أنتم ماذا يقع… !!؟
نفس الجواب هو ما وجدته عند قادتنا في الرابوني، و نحن نسأل محاوريهم عبر غرف الدردشة عما يحدث للقضية الوطنية على المستوى الدولي، و عن سبب عدم توفيرهم أو نشرهم لنتائج زيارة الدولة التي قام بها رئيس دولة الحليف “عبد المجيد تبون” إلى البرتغال، لأن الإعلام الجزائري عنون الزيارة بأنها فقط لمحاصرة نفوذ العدو المغربي و دعم الدولة الصحراوية، و قيادتنا – قبل زيارة “تبون” للشبونة- روّجت بأن البرتغال ستنقلب على الرباط، و أن الرئيس الجزائري سيقدم للمسؤولين البرتغاليين عروضا يستحيل رفضها، و أن لشبونة لن تكرر خطأ مدريد و تضيّع الفرصة، و ستعلن دعمها لتقرير المصير و مساندتها بشكل صريح لكفاح الشعب الصحراوي من أجل الاستقلال، و سترفع البرتغال مذكرة داخل الاتحاد الأوروبي تطالب فيها هذا الاتحاد بمراجعة مواقفه من القضية الصحراوية و الانتباه إلى وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية…
و أقسم أصحاب الحسابات التابعة للبيت الأصفر بالرابوني باليمين الغليظ، أن الرئيس”تبون” سيحدث ثورة داخل الاتحاد الأوروبي و سيدفع إسبانيا و فرنسا و ألمانيا لعضّ الأصابع ندما على فقدان السوق الجزائرية، و تحسّرا على خسارة شريك مهم مثل الجزائر…؛ الدولة القارة.
لكن ما لا يعرفه أو يرفض قادتنا استيعابه و معهم قصر المرادية، هو أن منطق الربح و الخسارة في هذا العصر لا يحسب بالتنازلات، بل بالتوافقات؛ بمعنى أن ما قام به الرئيس الجزائري خلال زيارته للشبونة هو فقط محاولة يائسة لإغاضة الإسبان و الفرنسيين و الألمان، عبر فتح الجزائر عن بكرتها في وجه الشركات البرتغالية كما سبق له أن فعل مع الشركات التركية و الإيطالية، و أن هذا الأسلوب هو بمثابة توقيع اتفاق”إيفيان” جديد مع البرتغال، التي تقول المصادر أن “تبون” عرض عليها بيعها الغاز بأسعار منخفضة إلى النصف لمدة خمس سنوات مثلما فعل مع الإيطاليين، و طالب بالمقابل حصوله على موقف برتغالي واضح من الصحراء الغربية، يحيي آمال الشعب الصحراوي في مشروع استقلال وطنه، ظنا منه أن البرتغال فعلا في “متناول” الجزائر، كما صرح الرئيس “تبون” خلال اللقاء الصحفي.
لكن المصادر نفسها تقول بأن الرئيس البرتغالي استشعر نبرة الاستعلاء في كلام الرئيس الجزائري، و أبلغه بأن الحكومة البرتغالية مثلها مثل جميع بلدان أوروبا تمتلك المال لشراء الغاز سواء بشكل مباشر من الجزائر أو من السوق الدولية، و أنها خصصت ميزانية ضخمة حتى لا يشعر الشعب البرتغالي بالخصاص من هذه المادة، و حتى يظهر بعض الاستغناء، كشف الرئيس البرتغالي لنظيره الجزائري عن مشاريع البرتغال بالشراكة الجهوية مع دول الجوار (دون أنت يحدد له اسم البلدان الشريكة حتى لا يثير غضبه) لأجل التحول الطاقي لتعويض الطاقات الأحفورية، كالغاز و البترول، بالهيدروجين النظيف و الطاقة الكهربائية من مصادر بيئية نظيفة، ثم شكره على العرض المغري دون أن يبلغه بقبوله أو رفضه.
كواليس الزيارة كان يرويها الإعلام الفرنسي بشكل دقيق و كأنه يتلقى تقارير من النظام البرتغالي، و علّقت عليها الصفحات و القنوات الفرنسية بأنها ردة فعل غريبة من النظام الجزائري على رفض الرئيس الفرنسي استقبال “تبون” في هذه الظروف، بعدما خذله في قضية سحب المتظاهرين الفرنسيين من أصول جزائري من شوارع باريس خلال المظاهرات، و أيضا بسبب رفض فرنسا الوفاء بوعد تسليم الجماجم المعروضة في متحف الإنسان بباريس للجزائر، و بسبب تطور قضية صفقات التسليح الأخير التي تبين أن النظام الجزائري لم يعد يرغب فيها بعد توقيع عقودها، و هناك حديث شبه مؤكد على أن الجزائر تريد تكرار سيناريو أستراليا مع فرنسا في قضية الغواصات.
من جهتها فرنسا تضغط على الجزائر عبر الاتحاد الأوروبي لإتمام تلك الصفقات التسليحية بما في ذلك صفقة حاملة طائرات عمودية من طراز “الميسترال”، و التي أعلنت مصر عدم اقتناعها بأدائها، بسبب مشاكل التواصل بينها و بين المروحيات الهجومية الروسية الصنع، و التي تتطلب تعديلا تكنولوجيا مكلفا لتستجيب إلى معايير الملاحة الحربية، و أيضا بسبب رفض فرنسا تزويد حاملة الطائرات تلك بأنظمة رادارية من نوع “طاليس”، خوفا من تعرُّف الخبراء الروس الموجودون داخل الجزائر على التكنولوجيا التي تعمل بها هذه الأنظمة الرادارية.
الإعلام الفرنسي كان ذكيا، و حاول التركيز على تفاصيل مهينة للرئيس الجزائري، وتهنئة لشبونة بالصفقات…، و أظهر هذا الإعلام إشارات تدل على أن البرتغال عاملت “تبون” بالكثير من المكر، و أن لشبونة قبلت بكل الهدايا/الصفقات التي عرضها “تبون” و لم تمنحه بالمقابل غير مفتاح العاصمة الرمزي من أجل الذاكرة، الذي هو عرف بروتوكولي يُقدّم لضيوف الرئيس البرتغالي خلال زياراتهم الرسمية، و أمعن إعلام الإليزيه في الاستهانة بزيارة الرئيس الجزائري بالقول أن جميع العروض الجزائرية انقضت عليها المؤسسات البرتغالية، و جرى توقيع الاتفاقات تحت رعاية الاتحاد الأوروبي لتوثيقها و للضغط على الجزائر حتى لا تتراجع عنها، و كما أظهرت الصور فإن علم الاتحاد الأوروبي دائما ما كان يوضع أمام الكاميرات حتى تطمئن بروكسيل على مستقبل الشركات البرتغالية التي ستعمل في الجزائر.
نفس الإعلام الفرنسي نشر مشاهد للجماهير الجزائرية التي حضرت لتهاجم الرئيس الجزائري و ترشقه بالبيض الفاسد، و تردد في وجهه شعارات #دولة_مدنية_ماشي_عسكرية، #تبون_مزوّر_جابوه_العسكر، و ظهر عدد منهم يطاردون سيارة الرئيس “تبون” المصفحة التي جاء بها من الجزائر، و كانوا يحملون حقائب على ظهورهم، مما يدل على أنهم جاؤوا يطاردونه من خارج البرتغال، و ليسوا من الجالية الجزائرية بالبرتغال، أو بعبارة أدق جرى حشدهم _ من طرف جهة ما- لإحراج الرئيس الجزائري.
ما يهمنا كرأي عام صحراوي هو وضع القضية الصحراوية وسط هذا الزخم من الصفقات، و حسب مواقف الرئيس البرتغالي، فالرجل كان دبلوماسيا إلى مستوى غير معقول، فهو لم يعلن دعم القضية الصحراوية، و لم يعلن الانقلاب على الرباط، بل قال كلاما خشبيا فضفاضا يحتمل كل التأويلات، و الأقرب أن البرتغال في الوقت الراهن لا يمكنها أن تُغضب الرباط، لأنها في شراكة استراتيجية معها، و هي جزء من مشروع تنظيم المونديال الكروي لسنة 2030، و كل ما حصل عليه “تبون” من هذه الزيارة كان شكرا كبيرا من الدولة البرتغالية للجزائر على الهدايا المجانية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
تنويه: نخبركم أننا أنشأنا قناة على اليوتوب (SAHRAWIKILEAKS MEDIA)، لذلك نرجو منكم الدعم بالاشتراك في القناة