كبير الأمنيين المغاربة يُوَشّح في تونس بأرفع الأوسمة العربية في المجال الأمني… أبعاد و دلالات الحدث !!
بـقـلـم :بن بطوش
و بينما أتصفح منصات التواصل الاجتماعي في ختام يوم مرهق، قفز إليّ من بين المقاطع مشهد يظهر فيه وزير التعليم الجزائري، “كامل بداري”، و هو يتحدث إلى وسائل إعلام بلاده ليخبرها بلغة الأرقام و بصوت الواثق من معطياته بأن “عدد الطلبة في الجزائر الجديدة هو 116 مليون طالب”…، أي أن الطلبة الجزائريون أكبر من عدد سكان البلاد أربع مرات…، أثارني الرقم إلى حد الضحك و السخرية، و تذكرت وقائع مماثلة لساسة الجزائر، فقررت ترك المقطع و الانتقال إلى فيديو آخر، لعلّي أعثر على مناظرة أو نصيحة أو لربما أجد بين المقاطع رجل أكاديمي جزائري يُقوّم ما أفسده “كامل بداري”، ليفاجئني مقطع جديد لوزير الإتصال الجزائري، محمد مزيان”، و هو يضع يده اليسرى خلف ظهره و يرفع سبابة اليد الأخرى و كأنه يحمل سيفا في يده، و يخطب في الحاضرين باندفاع في خطبة حماسية لدرجة انه ابتعد عن المنصة و الميكروفون و كأنه يتشاجر مع أحدهم ليقول: “تخيلوا أن حوالي 9000 صحفي عبر العالم يهاجمون الجزائر صباح مساء…، ها هي مني انشروها” (و كأنه يُعطي سبقا صحفيا).
كان المقطع قصيرا جدا و كأنه مشهد كوميدي، فأثارني فضول ما صرح به، و بحثت عن المقطع كاملا إلى أن عثرت عليه، لأجد الوزير طيلة حديثه أمام وسائل الإعلام و الصحفيين الذين جرى استدعاءهم لشحنهم، لم يقدم معطيات مسنودة بأرقام و لم يكشف عن إسم مراكز دراسات التي أنجزت التحقيق و لم يظهر أسماء الصحفيين الذين يتزعمون الحملة، و لا الجهات التي تُوجههم للتهجم على “بلاد المليون و نصف شهيد”، و لم يخبرنا عن مصدر عدد الصحفيين المناوئين للجزائر و كيف أحصاهم و عدّهم عدا…، و بعد يوم من محاضرته التي تشبه الخطابات الشعبوية لحفيد المجاهد “بوبغلة”، نشرت قناة CNN على صفحاتها الرسمية خبرا يقول بأن الجزائر نشرت أزيد من 77 ألف منشور مضلل عن المغرب…، و أضاف المقال بأن الإحصائيات هي منقولة عن محركات البحث الأمريكية التي تلقت مئات الآلاف من التبليغات عن تلك المنشورات… !!
هذه المعطيات تؤكد أن ثمة فعلا أزمة كفاءات بالجزائر حتى لا نقول أزمة رجال (كما جاء على لسان الراحل “الهواري بومدين” ذات خطاب له)، و المٌفزع أن هؤلاء الوزراء و المستشارون و الكوادر الذين يتورطون في زلات خطابية، هم نفس الوجوه التي يوكل لها مهام الدفاع عن قضيتنا الصحراوية، تخيلوا معي مستوى إقناعهم لمخاطبيهم، لهذا لا يجب أن نستغرب من هزائمنا المتتالية و لا من سرعة تغيير النظام الجزائري لدبلوماسييه و وزراءه …، و لا من سر صمت النخب الجزائرية و الصحراوية عن مناقشة هذه القرارات لعلم مسبق بأن هناك فعلا أزمة كوادر داخل مكة الثوار.
في المقابل نجد النظام المخزني يتحرّى الكفاءة قبل التعيين في المنصب، خصوصا المناصب السيادية (الدفاع، المخابرات، الأمن، الدبلوماسية…) و هذا ليس مدحا في العدو بقدر ما هو واقع وجب الاعتراف به ليتدارك حليفنا هفواته في هذه النقطة، و لنفهم أكثر سنضعها على منصة المقارنات لاستيعاب الفوارق، عطفا على حدث توشيح كبير الأمنيين المغاربة، “عبد اللطيف حموشي“، الذي يترأس جهازين أمنيين (الديستي و الأمن الوطني)، بوسام الأمير “نايف” للأمن العربي من الدرجة الأولى،… و هو التوشيح الذي يحتاج منا إلى قراءة متأنية جدا، لفهم بعض الرسائل و أيضا لكي نحصل على الخلاصات الكبرى التي سنقدمها كورقة استشارية للحليف و سنقيمها كحجة و كدليل على فشل “الهنتاتة” في الرابوني.
التوشيح كان خلال أشغال الدورة الثانية والأربعين لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي احتضنته العاصمة تونس التي تُلقب عند “الهنتاتة” في الرابوني – و حتى عند الإعلام بمكة الثوار- بـ “الأخت الصغرى”، حيث الرئيس “قيس سعيد” لا يتخذ أي قرار دون التنسيق مع أخيه الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون”، و استضافة بلاده للحدث الأمني العربي، يعني أن تونس من تترأس الدورة الوزارية لوزراء الداخلية العرب، و بالعودة خطوة إلى الوراء لتذكر مشهد استضافة تونس في غشت من سنة 2022 لقمة “تيكاد” حيث استقبل “قيس سعيد” الرئيس الصحراوي و أصر على مشاركة الدولة الصحراوية في القمة رغم أنف المعارضين و رغما عن اليابان التي أصدرت فيما بعد بيانا تتبرأ فيه من دعوة الدولة الصحراوية آنذاك، لنكون قد حصلنا على تفسير مُقنع للتناقض بين التوشيح و الميول الدبلوماسي، و إذا ما كانت المصالح الأمنية للدولة التونسية تتعارض مع رغباتها الدبلوماسية ، أو أن هناك تغيرات جديدة تحدث في تونس العميقة…؟
فهذه المرة “قيس” لم يتجرأ على استدعاء الدولة الصحراوية في شخص مدير الأمن الصحراوي، و لم يوجه وزير الداخلية التونسي دعوة لنظيره الصحراوي للمشاركة و إرضاء قصر المرادية، و لم تحظى استفزازات الوفد الجزائري بالترحيب من التونسيين الذين استضافوا القمة، و رفضوا أن يكون هناك أي تشويش يعيق الاجتماع الأمني العربي، بل الأكثر أن سلطات تونس سمحت بتتويج كبير الأمنيين المغاربة على مرأى و مسمع من الوفد الجزائري و الإعلام الدولي الذي نقل الحدث عبر القارات الخمس، دون أن تكثرت “الأخت الصغرى” لمشاعر أشقائها الجزائريين و الصحراويين.
الإعلام الجزائري ربط هذا التوشيح بالمناورات الإماراتية، و قال أن ما حصل كان بتخطيط من أبوظبي و الرباط…، لكن بتفكيك المعطيات و تتبع خيوط التسريبات يتضح أن الأمر لا شأن للإمارات العربية به، و أن تطور الأحداث الأمنية و مساهمة أجهزة الرباط الامنية في حل عدة قضايا دولية و تجنيب المجتمعات كوارث أمنية، و التنسيق الكبير مع الأجهزة العربية، و التفوق الإقليمي و الجهوي و حتى الدولي بتفكيك خلايا بعيدا عن الحدود بآلاف الكيلومترات، و استخدام الأجهزة التي يرأسها لتكنولوجيا من الجيل الحديث…، جعل من “حموشي” مديرا أمنيا متفردا عربيا و دوليا.
ثم أن ثمة جانب خفي في هذا التوشيح يرجع لرغبة الدولة التونسية في إصلاح ذات البين مع الرباط، و التكفير عن ما وصفته الحسابات التونسية بخطأ الرئيس “قيس سعيد” الذي أحدث شرخا كبيرا في العلاقات بين الرباط و قصر قرطاج، عملا بنصائح أوروبية لدولة تونس بخصوص هذا الامر، حيث أن جميع الدول الأوروبية التي توترت علاقاتها مع الرباط، كانت كلما سعت لاستعادة الود ا مع المغرب إلا و استبقته بتوشيح كبير الأمنيين المغاربة و اعترفت للرباط بدورها الأمني، و بقدراتها على المساهمة في الأمن المشترك، كما حدث مع فرنسا و إسبانيا و بلجيكا و هولاندا…، و هي دول عريقة و تعرف ما هو تأثير الدبلوماسية الأمنية و دورها الفعال في تسهيل مأمورية الدبلوماسية الكلاسيكية، في عصر الفوضى الخلاقة.
تونس ربما قررت لعب نفس الورقة لإرضاء الرباط و لإظهار حسن النوايا، و قبلت بالتوشيح على أراضيها حتى تذيب الجليد، خصوصا و أن هناك وفود دبلوماسية مغربية و تونسية تتبادل الزيارات منذ نهاية السنة الماضية، و تهيئ الأرضية لإصلاح العلاقات و إعادتها إلى طبيعتها.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك