Sahra Wikileaks Center
الصحراء ويكليكس يعمل على النهوض بالفعل الحقوقي بالمنطقة وذلك بإزالة كل شائبة عنه

حرب السودان تكشف جانبا من أسرارها و تجدد المخاوف الجزائرية من مسألة تواجد جيشين على تراب وطن واحد… !!؟

بـقـلـم : بن بطوش

      مع كل أزمة عربية، يطفو على السطح نقاش عربي تتدافع فيه الحسابات الذبابية و تتنافس، مدفوعة من الأنظمة الرسمية لبلدانها من أجل المزايدة بالقومجية والتنطع بالعنتريات على حساب مآسي الأشقاء…، ذلك أنه مع انهيار السلام داخل السودان و كشف الأطراف عن مخططاتهم لتقسيم هذا البلد إلى ثلاثة دول على الأقل، و تفريغه من أهله بتسعير نار حرب أهلية طاحنة، وقودها الناس و الحجارة، و بدء إجلاء رعايا الدول الأجنبية…، عمدت الحسابات من دولة الحليف الجزائرية – مرة أخرى- إلى نشر تدوينات تتبجح فيها بأن  السلطات الجزائرية هي أول من قام بإجلاء رعاياه عن هذا البلد و أنها قامت بتلك المهمة بمهنية و كفاءة عاليتين…، و كأن إجلاء الرعايا و المواطنين  من دولة شقيقة إنجاز عظيم، فيما لا أحد من تلك الحسابات تأسف على تلك الحرب الأهلية التي يبدو أنها بدأت في إنتاج جحافل جديدة من اللاجئين  و النازحين الذين شدوا الرحال باتجاه ليبيا و مصر و السودان الجنوبي و تركيا…، لكن غايتهم – كما هو التقليد- سواحل أوروبا.

      تمنيت أن تنشر تلك الحسابات مبادرة جزائرية لإطعام السودانيين العالقين في منازلهم وسط بؤر التوتر و ينشرون في كل لحظة مشاهد معاناتهم مع الجوع و العطش، و تمنيت أن أراها تنشر صورا لتبني الأيتام أو لجسر جوي من أجل الإمداد بالماء و الطاقة و وسائل الحياة للمستشفيات السودانية التي أعلنت توقف محولاتها عن مد المؤسسات الصحية بالطاقة الكهربائية اللازمة، و تمنيت أن تنشر مبادرة وساطة جزائرية تثمر اتفاق سلام و عدم الاكتفاء برسائل إلى الأمين العام الأممي و رئيس  الاتحاد الإفريقي و منظمة”إيغاد”، و تمنيت أن تنشر تلك الحسابات صور مستشفيات ميدانية جزائرية لصالح اللاجئين السودانيين، تمنيت أن أراهم ينشرون مشاهد لطائرات نقل جزائرية تحمل اللاجئين الهاربين من نار الحرب إلى الجزائر لاحتوائهم و حمايتهم و رعايتهم في مخيم…، و ليس للمزايدة بمن الأسرع في عملية إجلاء رعاياه، لأن إسرائيل كانت أول الواصلين إلى مواقع الحرب و كانت أول من رحّلت رعاياها، و لم تعلن عن الأمر في الإعلام الإسرائيلي الرسمي، بل كل ما تم بثه – حتى الآن- هو مبادرة الوساطة الإسرائيلية في فرض هدنة بين الأشقاء المتقاتلين على السلطة و مناجم الذهب…، تخيل معي أيها القارئ حجم المهانة أن يتحول اليهود إلى حمامة سلام بين المسلمين المتصارعين  !!

      قبل أسابيع كنا أمام مأساة أشد نكئاً للجراح، حينما اهتزت الأرض تحت أقدام الأتراك و السوريين، و كلنا تابعنا ما فعلته الحسابات و الإعلام في دولة الحليف الجزائري، حينما أطلقت حملة كبيرة تمجد فيها المساعدات الجزائرية التي وجهت إلى سوريا، و أنجرت البرامج لأجل تغطية عمل فرق الحماية المدنية الجزائرية لانتشال العالقين تحت الأنقاض، رغم بدائية الأدوات و الوسائل و التقنيات مقارنة مع دول دربت حتى الفئران و أشركتها في عمليات الإنقاذ…، و هاهي نفس الحسابات التي منَّت على السوريين، تعاود الكرة و تنشر عنترياتها و تحاول عرض عضلات الجيش الجزائري في إجلاء الرعايا الجزائريين و تستفز مصر، و كأنها تتحدى القوى المتناحرة و الجيوش التي تريق دماء بعضها، بأنها أضعف من أن تمنع الجيش الجزائري “القوة الضاربة” من إجلاء الرعايا الجزائريين، و هذا منتهى الإسفاف و الخذلان الإعلامي للسودانيين.

      نحن في هذا الموقع الحر نرفض المتاجرة بالمآسي، كما فُعِل ذات حملة مع قضيتنا و لايزال الأمر قائما إلى الآن حتى تعودناه، و سنضل ندعوا إلى القيم الإسلامية و الأخوية، و لا يشرفنا، مثلما لا يشرف الجزائريين الأحرار في بلاد الشهداء و مكة الثوار، أن تكون تلك الحسابات الذبابية تتحدث نيابة عنهم، و تكون لسان نخوتهم…، لأن القضية السودانية أكبر من مجرد صراع بين جيشين، و دروسها أصبحت مصدر قلق و خوف للنظام الجزائري قبل جميع الأنظمة، و هذه الحملة الإعلامية الفجة، فيها تحريف لمشاعر الجزائريين، و التي كشف عنها بعض النشطاء المغتربين حين قالوا بأن سيناريو ما يجري في السودان قد يتكرر في الجزائر، بسبب تواجد جيشين و رئيسين و حكومتين داخل الدولة الجزائرية، و تحريك هذه المخاوف في هذا التوقيت بالذات لديه مبرراته.

      و عطفا على التحري الصحفي الذي أجريناه على هذا المنبر الصحفي الحر، فإن التجربة السودانية بتوفرها على جيشين داخل الوطن السوداني الواحد، تؤكد أن هذا النوع من المغامرات يؤدي مباشرة إلى تفجير الأوضاع و فشل المؤسسات مع أول خلاف بين الجيشين؛ النظامي و الميليشيا، خصوصا و أن القوى الأجنبية غالبا ما تسخر أجهزتها السرية في حالة توفر الثروات كي تفجر الأوضاع و تجر البلاد إلى أم المهالك، حتى أن معظم الدول الأوروبية التي فرض عليها التعامل مع الجيش الموازي للجيش النظامي فوق ترابها، قد عانت من نزعة الإنفصال و التمزيق، غير ان الأوروبيين في النهاية نجحوا في تجريد تلك الجيوش الموازية من أسلحتها كما جرى سنة 2017 مع منظمة ETA الباسكية في إسبانيا، و قبلها مع جيش التحرير الايرلندي سنة 2011…، لكن في الأوطان العربية هذه الميلشيات و الجيوش ترفض تسليم السلاح، و تخدم أجندات أجنبية الغاية منها خلق منفذ إلى ثروات البلاد، و حتى الآن لا توجد تجربة واحدة لجيشين في دولة عربية ناجحة، و الوطن فيها ينعم بالرخاء.

      ففي اليمن حجم الدمار يصعب حصره حيث الجيش اليمني يتقاسم البلاد مع ميلشيات الحوثي الشيعية،  و في لبنان “حزب الله”  لا يزال يفرض التوتر الدائم و القلق المطلق على اللبنانيين و يقاسم الحكومة الهواء و الماء و التراب، أما في العراق فمليشيات الأكراد و مليشيات الشيعة التي نتجت عن أزمة السلطة و محاولة الانتقام من فترات حكم البعثيين تمزق هذا البلد…، و في سوريا لا يزال جيش بشار يتطاحن مع جيش الثوار و يتبادل معهم المجازر،  و في ليبيا أين يقود المشير “خليفة حفتر” حروبه بدعم من المرتزقة ضد الجيش الليبي، و في مالي المقاتلين الأزاواديين في الشمال يسعون للانفصال عن مالي بالنار و الدم، و لا تتوقف المعارك بينهم حتى تتجدد، و في فلسطين “حماس” تشيطن  حركة “فتح” و تنفذ في حقها عمليات اغتيال بالحدود، بينما تكتفي بإدانة جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي يدك غزة فوق رؤوس المستضعفين، ثم في النيجر “الفاغنر” يشكلون ميلشيات من القبائل و يعدون لبناء جيش كبير منها قد يقسم هذا البلد و يفتته…

      نصل إلى الجزائر لنفهم الوضع في هذا البلد الحليف، و أسباب خوف النشطاء و إثارتهم موضوع تواجد الجيش الشعبي الصحراوي و تسليحه، و إمكانية تكرار التجربة السودانية، دون أن نضطر للإجابة على سؤال أحد الجزائريين، حول سبب رفض ملك المغرب، الراحل “الحسن الثاني” تأسيس ميلشيات صحراوية مستقلة و تسليحها و توجيهها لإزعاج الجزائر و البوليساريو…، لأننا كرأي عام صحراوي نتفهم طرح النخب الجزائرية لهذا الموضوع في هذا التوقيت الحساس و الحاسم،  و أسرار مخاوفهم، على اعتبار أن الوضع عند القيادة الصحراوية، أكثر تعقيدا من باقي الحالات العربية، و الجيش الصحراوي يمثل دولة داخل التنظيم السياسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب، و لا يشبه الأمر حالة الفاتيكان داخل إيطاليا أو إمارة موناكو في فرنسا…

      فالجيش الشعبي الصحراوي لديه حكومته و مؤسسات دولته فوق التراب الجزائري و لديه  جزء من شعبه  يعيش في مخيمات داخل الدولة الجزائرية،  و هو ليس بجيش متكون من جزائريين، عكس باقي الحالات داخل الأوطان العربية التي يتكون فيها جيش الثوار من أبناء نفس الدولة، و أن هذا جيشنا الصحراوي له هدف واحد بعيد عن الداخل الجزائري، ألا و هو تحرير تراب الصحراء الغربية من الاحتلال المغربي، و المخاوف الجزائرية تقول أن الرباط حسمت بشكل كبير القضية لصالحها و سترفض عودة الصحراويين إلى أرضهم، و أن جزءا  لا يستهان به داخل الجيش الصحراوي لا تربطه أية صلة مع الصحراء الغربية، فهم إما موريتانيون أو عرب مالي أو صحراويو الجنوب الجزائري، و بالتالي قد يواجه النظام الجزائري مخاطر  مستقبلا في حال اضطر إلى تفكيك هذا الجيش و ليست هناك سبيل لإقناعهم – بعد هذه السنوات الطويلة-   بضرورة العودة إلى أوطانهم، و قد يحملون السلاح في وجه الجيش الجزائري و قد يفكرون حتى في احتلال مدينة تندوف…

      هذا الطرح يدعمه الصحراويون و يفسرون به سبب رفض الجزائر تمكين القيادة الصحراوية  من أسلحة نوعية أو تقديم تدريب نوعي للجيش الصحراوي، حتى لا تضطر في المستقبل – في حالة مواجهتهم- إلى بدل الكثير من الجهد و الدماء لتطويق أي محاولة للخروج على النص، خصوصا و أن المثقفين الجزائريين يقولون أن هناك جيل جديد صاعد داخل المخيمات يرى نفسه جزائريا و يرفض حتى فكرة النزوح إلى وطن تم تحريره أو السكن في الأراضي المحرمة أو توطينه بمنطقة الزويرات…، و أنه يعتبر نفسه من مواليد الجزائر و يمتلك حقوقا في هذا البلد مثل جميع الجزائريين، و من واجب الدولة الجزائرية معاملته كمواطن كامل المواطنة، و الدليل أن معظم الذين ينتقلون من الطلبة إلى المعاهد و المؤسسات الجامعية الجزائرية، يرفضون العودة إلى المخيمات للعيش فيها، و يندمجون داخل المجتمع الجزائر، و يعملون في مهن و وظائف غير رسمية، و يكترون منازل داخل المدن الجزائرية، حيث يعثرون على الحياة الكريمة بعيدا عن بؤس اللجوء في المخيمات…  

 

 

 

 

 

 

 

 

لإبداء ارائكم و مقترحاتكم

[email protected]

 

 

كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك

                                           

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد