بـقـلـم : بن بطوش
فشلت هذه الأمة بسنييها و شيعتها في كل الحروب، لأنهم اختاروا القتال قبل أن يستعدوا لذلك في القرنين الماضيين، كان عليهم أن يخوضوا حربا من نوع خاص أسلحتُها الكتب و قادتُها المفكرون و ضحاياها الجهل و التخلف…، لكنهم اختاروا التورط في حرب عنوانها الفوضى و وضعوا العمائم فوق رؤوسهم لتنال حروبهم القدسية، قناعة منهم بأن إقناع البشر بحمل البندقية باسم الجنة و الحور العين، أهون و أسهل من إقناعهم بحمل الكتاب و بناء الأوطان لبنة لبنة، ذلك أن الكيان العبري عندما اختار الصمت الاستراتيجي ضد استفزازات “حزب الله” و إيران، فهو لم يكن مذعورا من قوة المليشيات و الكتائب و تهديدات “حسن نصر الله”، بل كان يراهم كتابا مفتوحا يمكن طيه في أي وقت و أي لحظة، كان ينظر إليهم كطعام فوق الموائد يمكن التهامه في أي وقت و ليس كخصوم…، و حتى اللبنانيين كانوا على يقين بأن “حزب الله” لن يصمد في وجه إسرائيل و إن حضر “الحرس الثوري” الإيراني بكل عدده و عتاده لمساندته.
وحين سرب الإعلام الأمريكي بأن الرئيس الإيراني كان له لقاء سري مع الرئيس الإسرائيلي في واشنطن، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام قليلة من كتابة هذا المقال، و عطفا على ما صرح به الرئيس الإيراني للإعلام الأمريكي بأنه على استعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات لأجل عقد اتفاق نووي جديد دون شروط، أيقن الجميع في الشرق و الغرب أن ثمة صفقة مرت بين طهران و تل أبيب، فنشر بعدها “حزب الله” خطابا لـ “حسن نصر الله” يُودِّع فيه أتباعه؛ لأن الرجل أدرك بأن نظام الملالي الصفوي باع جنوب لبنان بشعبه و مقاتليه و خرائط أنفاقه و مخازن أسلحته و مكاتب قادته و أسواقه و أزقته و أشجاره و قططه…، طهران كررت الجريمة التي سبق و اقترفتها مع الراحلين “هنية” و “السنوار”، و هي من أرغمت “حسن نصر الله” على الخروج على عجل من مدينة أصفهان بإيران و طالبته بالعودة إلى لبنان للاجتماع مع 38 من قادة فيالق “حزب الله”، و حددت مكان الاجتماع بعد صلاة الجمعة أسفل تجمع سكني مكشوف و سهل الاستهداف،…. فما كان على إسرائيل غير توجيه صاروخ جوّال إلى كرسي الرجل، و إنهاء المهمة…
لكن المرعب لنا كصحراويين و نحن نتابع ما يجري في الشرق الأوسط أنه بدأت تتكون لدينا قناعة بأن قضيتنا مصابة بلعنة ما، فكلما اقترب أحد منها ليدعمها إلا و أصابه سوء الطالع، و أصبح نكالا للعالمين، لأنه و منذ قصف مدينة السمارة المحتلة من طرف مقاتلينا و ما بثه إعلام “حزب بالله”، بأنها بداية تغيّر إستراتيجي في الحرب بين جيشنا الشعبي و جيش الاحتلال المغربي، و ما أبداه “حسن نصر الله” من تعاطف مع قضيتنا الصحراوية، و التدريبات التي خضع لها العشرات من مقاتلينا على أيدي خبراء عسكريين من “حزب الله” الذين أشرفوا بثكنة سرية على مشارف المخيمات على تكوين جيشنا على حروب العصابات و حفر الخنادق، و من أجل وضع الخطط و تدريب المقاتلين على مواجهة المُسيًّرات…، منذ ذاك الحين و “حزب الله” يعاني من الخسائر، و كأن لعنة عظيمة حلت عليه و على جنوب لبنان.
و المخيف أيضا أن الرباط لديها نفس الصبر الاستراتيجي الذي أصبح يرعب الخصوم في الحروب، فالنظام المخزني لا يُظهر أي رد و لا يتفاعل مع المجاهرة الجزائرية بالعداء، و حتى الآن لم يعلق أحد من مسؤوليه على إعلان الحليف الجزائري فرض التأشيرة على الجوازات المغربية، تحت ذريعة أن الكيان الغاصب يستغل الجوازات المغربية و الجنسية المغربية كي يصل إلى الجزائر، و يتجسس على الثكنات و المنشآت الحساسة، و هي الذريعة التي أثارت سخرية عارمة بين الجزائريين و المغاربة، اعتبارا أن الكيان الإسرائيلي لا يحتاج إلى الجوازات المغربية كي يتجسس على الحليف الجزائري، خصوصا و أن معظم العملاء الإسرائيليين يفضلون الجنسيات الأمريكية و الفرنسية حتى يحضوا بالحماية الدولية داخل الجزائر، و هم في الغالب يدخلون أرض الحليف بقبعة رجال الأعمال أو البعثات الإنسانية أو كسياح أو كمبشرين…، لكن ليس لغاية التجسس بقدر ما أن زيارتهم تكون لإزعاج السلطات الجزائرية و تحذيرها في رسالة مشفرة.
النظام الجزائري و كما سبق و أشرنا في مقالاتنا السابقة، يعرف أن التجسس في هذا العصر لا يكون بإرسال الأفراد بل بالاستثمار في التكنولوجيا العالية الدقة، و أن معظم المغاربة الذين يتحركون بين الجزائر و المغرب هم من الحرفيين و التجار و المياومين…، اعتبارا أن دولة الحليف لا تستهوي السياح من دولة الاحتلال المغربي و لا يفضل مثقفوها و طبقاتها الميسورة زيارة الجزائر بسبب الخلافات السياسية بين البلدين، غير أن قرار فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة جعل بعض المثقفين الجزائريين يصفون الخطوة بأنها تمهيد لطرد أنيق للمهاجرين المغاربة الذين سيتم مطالبتهم بالحصول على التأشيرة التي لن تمنح لهم…، و بالتالي فإن كل مغربي ستنتهي إقامته سيتم ترحيله بدعوى عدم توفره على التأشيرة، و عند طلبه لها لن يحصل عليها إلا بشروط تعجيزية.
مشروع الجزائر لطرد المغاربة سبق و أن تطرقنا له في مقالات سابقة لكن الجزائر كانت تبحث عن الذريعة لتنفيذ ذلك دون التعرض للتنديد الدولي و قد مهدت لقرارها الحالي بالإعلان قبل أسابيع عن اعتقال ثلاثة جواسيس مغاربة، و صمت الرباط على قرار فرض التأشيرة، تراه لا حدث، و لا يستدعي ردة فعل، حتى أنها و لم تنشر أي تعليق مباشر أو غير مباشر، لأن منطق الرباط يقول حسب الخبراء بأن الجزائر دولة ذات سيادة، و أن قراراتها السيادية تخصها و لا حق لأحد في التعليق عليها أو انتقادها، و هذا ما يزعج النظام الجزائري الذي يظن أو يبني قراراته ضد الرباط على أساس الأثر الاجتماعي و النتائج السلبية التي سيتكبدها المغرب، ظنا بأن دفع حوالي 300 ألف مغربي للخروج من الجزائر و العودة إلى بلدهم، سيتسبب في إغراق الرباط بالمشاكل الاجتماعية و سيفاقم الاحتقان و سيتسبب في ثورة شعبية، و سيوفر على الجزائريين 300 ألف حصة غذائية و سيقلل من الطوابير في المدن الجزائرية، و سيكون له أثر إيجابي على المواطن الجزائري الذي سيجد وفرة أكثر في المواد الغذائية، بينما ستزيد نسبة العجز في الأسواق المغربية… !!؟
و في الواقع أن هذا التخطيط يكشف ضعف الكوادر و يفضح الغياب المخيف للاستراتيجيين الجزائريين، لأن هؤلاء الذين سيتم طردهم أغلبهم سيلتحق بدولة ليبيا لأنها في حاجة إلى اليد العاملة لإعادة الإعمار، كما أن المغرب لن يعوزه رجوع هذا العدد من جاليته بالخارج، فهو يستقبل سنويا أزيد من 15 مليون سائح، و يعود إليه كل صيف خمسة ملايين مغترب عبر القارات الخمس للعالم، و من المنتظر أن يستقبل ملايين الوافدين عند تنظيمه للبطولات الدولية بدءا من كأس إفريقيا و وصولا إلى كأس العالم…، و لم يسبق أن سمعنا أن لدى الرباط عجزا في الأسواق، بل يتم تصدير فائض الإنتاج إلى الأسواق الإفريقية عبر المعبر الملعون، حيث يتم تحويله من طرف التجار الجزائريين إلى الأسواق الجزائرية…، بينما في دولة الحليف لا يزال المواطن الجزائري مطالب بتضييع الساعات الطوال في طوابير طويلة للحصول على المواد الغذائية الأولية، كما أن القيادة الجزائرية تفكر في استقبال ملايين السياح في السنة، و هي اليوم تحاول التخلص من بضعة آلاف من المغاربة لتوفير القوت للجزائريين، و سبق للإعلام الجزائري أن اتهم التونسيين بتهريب المواد الأولية و تم تشديد التفتيش في المعابر، و وضع قانون جنائي بعقوبات ثقيلة لمعاقبة المهربين التونسيين، و تم إرسال عدد من التجار التونسيين في الجزائر إلى السجون.
إبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك