“ماكرون ” يضع شروطا لـ “تبون” في مقابل إحجام فرنسا عن دعوة مجلس الأمن للتحقيق في نتائج الانتخابات الجزائرية عكس ما فعلته مع “مادورو”
بـقـلـم:بن بطوش
قبل الخوض في تفاصيل هذا المقال ، لابد لي أيها القارئ الكريم أن أسرد عليك حادثا دبلوماسيا حزينا تعرض له وزير مصري في دولة البحرين، ذلك أن وزير التجارة المصري حل ضيفا على نظيره البحريني الذي عقد ندوة و استدعى لها كبار رجال الأعمال و كبار سياسيي البلاد، و ممثلي المؤسسات الاقتصادية و المالية…، و أثناء كلمة الوزير المصري الذي تأثر بالكرم و حسن ضيافة أهل البحرين، و شدّه الحماس في مجاملة وزير التجارة و حكومة البحرين التي تستضيفه، فهاجم الشيعة و وصفهم بنعوت مهينة و سيئة…، و تمنى زوالهم حتى تتقدم الأمة العربية، لكن الوزير المصري لم يكن يعلم أن جل من يوجد في تلك القاعة هم من الشيعة، و أن أزيد من 80% من الشعب البحريني هم من منتسبي الأنثى عشرية…، حاول الوزير البحريني التدخل لإصلاح الموقف، لكن المشاركين انتفضوا غضبا و ثاروا في وجه الوزير المصري و أبرحوه ضربا بعدما استلوا عقالهم، و جلدوه و لكموه و أوقعوه أرضا ثم رفسوه بأقدامهم…، و بعد أن كان الوزير المصري يبحث عن صفقات تجارية لبلاده مع دولة البحرين، أصبح يبحث عن مستشفى سنّي داخل البحرين ليداوي كدمات وجهه… !!
دوما ما نُصر و نُؤكد على أن أكبر أزماتنا في الوطن العربي، هي بسبب ضعف الكوادر؛ إذ لا يعقل أن يكون المسؤول وزيرا للتجار في دولة من حجم مصر، و يجهل أن الشيعة تسيطر على مفاصل الحياة في دولة البحرين، و لا يعقل أيضا أن يتودد الوزير المصري للبحرينيين عبر شتم خصومهم أو قذف منافسيهم أو من يخالفهم المعتقد، خصوصا و أن ما جاء لأجله لا يتضمن إرضاء الوزير البحريني شخصيا…، بقدر ما غايته كانت عقد صفقة بمبدأ و منطق رابح – رابح، بعيدا عن أي صراعات إيديولوجية أو عقدية تغرق الأمة العربية…، و بعد هذا الحادث أصبحت مصر مطالبة بالاعتذارإلى الهيئة الشيعية في البحرين.
هذه العقيدة وجب التخلص منها، لأنها تؤكد و تثبت محدودية الاستراتيجيين العرب و خططهم الرديئة التي تنهار مع أول اختبارأمام دولة من دول العالم الأول…، حيث استغل الرئيس الفرنسي فرصة الخطأ الشنيع في إعلان نتائج الانتخابات داخل الجزائر، و أرسل مستشارته المقربة، “آن كلير لوجوندر”، إلى قصر المرادية، و لم يرسل وزيرا أو دبلوماسيا ليظهر أن الأمر جلل و يقلقه شخصيا، و بالتزامن مع زيارتها، شنت وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية بقيادة “فرانس24” حملة مسعورة ضد النظام الجزائري، و وصفت الانتخابات بالمخترقة و النتائج بالمشكوك في صحتها، و دفع الإليزيه بالسفير الفرنسي السابق في الجزائر “كزافيي هدرينكور” ليقول في برنامج points de vue بأن نتائج الانتخابات الجزائرية غير مهمة؛ لأن العالم كله يعرف بأن العسكر هم من يضعون الرئيس، و أن التصويت يكون شكليا و لا يتم حساب الأصوات بل يتم الإعلان باستخدام التقديرات… !!
الحملة الفرنسية أغضبت قصر المرادية و دفعته للرد عبر مقال نشرته “وكالة الأنباء الجزائرية” تحت عنوان: “الجزائر لم تعد محميتكم”، و تم وصف قناة “فرانس24” بالقمامة و نعتت فرنسا بالدولة التي تغرق في الديون، قبل أن يظهر الرئيس الجزائري المعاد انتخابه لولاية ثانية و هو يصافح مستشارة الرئيس الفرنسي، و يستقبلها دون أن يتم وضع العلم الفرنسي، في إشارة إلى أن العلاقات ليست ودية و ليست على ما يرام، و الاكتفاء بالعلم الجزائري و بعض الورود على المائدة…، لكن المشاهد التي نقلها الإعلام الفرنسي أظهرت الرئيس “تبون” و هو جالس لا يتحدث و ينصت لـ “آن كلير لوجوندر” كما ينصت التلميذ المشاغب لمربيته القاسية.
صور و مشاهد الإعلام الفرنسي أظهرت أن مبعوثة الرئيس الفرنسي حملت رسالة تهديد و ابتزاز، و هو ما تم تأكيده لاحقا في مقالات نشرتها الجرائد الفرنسية و في مقدمتها “لوفيغارو”، و التي قالت أن الرئيس الفرنسي أبلغ نظيره الجزائري، أنهو بمعية المجموعة الأوروبية قلقون بخصوص سيناريو الانتخابات المضطرب، و نكسة الديمقراطية في دولة مثل الجزائر التي لا تنفك تحرز تقدما بنصف خطوة حتى تتراجع مئات الأميال إلى الوراء، و بأن فرنسا تدعم فوز الرئيس “عبد المجيد تبون” و أنها لن تتعامل مع نتائج الانتخابات في الجزائر بالدعوة إلى اجتماع عاجل في مجلس الأمن، للتحقيق في الخروقات و التجاوزات التي قامت بها السلطة الجزائرية لمنح الرئيس الجزائري “تبون” نصرا مريحا.
الإعلام الفرنسي لم ينشر طلبات باريس مقابل التغافل عن التجاوزات الانتخابية، بل دفعت بعدد من الخبراء و الشخصيات السياسية الفرنسية للخروج عبر منصات غير رسمية في وسال التوصل الاجتماعي، من أجل التأكيد على أن فرنسا سبقت روسيا و أمريكا و إيطاليا لاستثمار الزلة الجزائرية و تحصيل المنافع، و قالوا بإجماع يؤكد أنهم يتحصلون على المعلومات من مصدر واحد، الا و هو جهازDGSE ، أن الرئيس “ماكرون” طلب من الرئيس الجزائري عبر رسالة حملتها المستشارة “آن كلير لوجوندر”، بأن يعيد السفير الجزائري إلى باريس دون شروط، و أن يُسرّع تفعيل العقود الموقعة بين الحكومة الجزائرية و الشركات الفرنسية، و التي تم تعليقها بعد الاعتراف الفرنسي بسلطة الرباط على الصحراء الغربية، و أيضا بأن يتوقف عن المطالبة بتراجع فرنسا عن هذا الاعتراف الذي تم توثيقه بالجمعية العامة للأمم المتحدة و بمجلس الأمن، و أخيرا الكف عن المطالب التاريخية في الخزانات و المتاحف و الأرشيف الفرنسي.
استجابة النظام الجزائري كانت سريعة، و بعد يوم واحد من زيارة المستشارة الفرنسية “آن كلير لوجوندر” عاد السفير الجزائري إلى باريس، و نشرت عدة حسابات جزائرية أخبار عن وجود السفير الجزائر في مقر إقامته بباريس، رغم أن الجزائر لم تعلن عن عودته رسميا في انتظار إيجاد قصاصة دبلوماسية تحفظ لقصر المرادية ماء الوجه، و قد يتم نهج الأسلوب الدي أعيد به السفير الجزائري إلى مدريد دون إعلان ذلك بشكل رسمي…، و كما قال أحد النشطاء الجزائريين، في انتظار أن تكشف الجزائر خيوط المؤامرة المغربية لتزوير الانتخابات في الجزائر و مساعدة “تبون” على البقاء في السلطة لخمس سنوات قادمة.
زلة الحليف الجزائري كان من السهل تجاوزها و تفويت الفرصة على فرنسا الخبيثة، و عوض منح رجل مضطرب السلوك تسيير و تنظيم الانتخابات الرئاسية في الجزائر، كان من الأفضل منحها لخبير أكاديمي يمتلك فريقا من الخبراء، يمكنهم إعلان النتائج بحسابات عملية و علمية يتم فيها ضبط النسب المأوية و الأرقام بشكل منطقي و مقنع…، لأن المصيبة لا تتوقف عند ما فعلته فرنسا أو ما سنراه في الأيام المقبلة من تنازلات جزائرية أمام السفيرة الأمريكية أو السفير الروسي…، بل أن المواطن الجزائر فقد الأمل في سياسيي بلاده، تأكد بأن الرئيس الجزائري لا يمتلك للمواطن ضرا و لا نفعا، و أن الرجل يوضع فوق الكرسي ليزيد من تقوية سلطة الجيش…، فقط.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك