نشرت جريدة “القدس العربي”، يوم 10 أبريل 2025، مقالا تحت عنوان: “الجزائر ومأزق الصحراء: هل انتهى استثمارها السياسي؟”، تطرق كاتبه إلى ثلاثة تطورات مهمة حصلت خلال الأسبوع الأول من شهر أبريل تعزز مسلسل الانتكاسات الدبلوماسية لنظام الحليف الجزائري، سواء في تدبير ملف قضيتنا الصحراوية، أو في تكريس صورة الجزائر كدولة محورية في محيطها الإقليمي خصوصا في علاقاتها مع دول منطقة الساحل جنوب الصحراء، أو في إدارة قطيعتها الدبلوماسية مع الرباط؛ ذلك أنها كلما صعدت تجاه جارها الغربي إلا و تزداد عزلتها الإفريقية و العربية و الدولية، نظرا للتحالفات القوية للنظام المخزني .
فالتطور الأول – كما جاء في مقال “القدس العربي”- يتمثل في إقدام الجيش الوطني الجزائري، في 31 مارس الماضي، على إسقاط طائرة مسيرة تابع لسلاح الجو للجيش المالي، وما تلاه من تطورات و تصعيد من طرف سلطات مالي، نتج عنها بيان مجلس تحالف دول الساحل الثلاث (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو) التي اعتبرت إسقاط الجزائر للطائرة المسيرة المالية عملا عدائيا تجاه بلدانهم، واستدعت سفراءها في الجزائر، وأصدرت بيانات رسمية تتهم الجزائر بدعم الإرهاب والجماعات الارهابية.
الجزائر تورطت مع دولة مالي باعترافها بإسقاط المُسيَّرة من خلال إصدارها للبيان الذي تقول فيه بأن إسقاط الطائرة تم بعد أن دخلت الأراضي الجزائرية بحوالي كيلومترين، و الحال أن المعطيات التقنية و صور الاقمار الاصطناعية فندت هذه المزاعم، و زادت في الطين بلة عندما ردت بالمثل على تصعيد الدول الثلاث، وكرست بذلك واقع توتر شامل مع حدودها الجنوبية، الذي انضاف على توترها المزمن مع الجار الغربي، ناهيك على وجود قوات “حفتر” في حدودها الشرقية.
و حسب “جريدة القدس العربي”، فالتطور الثاني وهو تواتر تصريحات من وزراء خارجية كل من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أياما قبل إحاطة المبعوث الأممي لقضية الصحراء الغربية،”ستيفان دي ميستورا”، تؤكد على المنتظم الدولي يتجه نحو الإجماع حول مقترح المحتل المغربي للحكم الذاتي كحل وحيد لقضية الصحراء الغربية؛ و بالتالي يطرح السؤال حول الاوراق المتبقية لقيادتنا الصحراوية من اجل المناورة دون حصول هذا الإجماع و الرجوع إلى الاستفتاء لتقرير مصير الشعب االصحراوي.
المثير في هذا التطور –حسب الجريدة- هو التواطؤ على طابع الاستعجال في حل نزاع الصحراء الغربية، و هذا أمر يدعو إلى الاستغراب خصوصا وأن القضية ظلت لسنوات ضمن الملفات غير المستعجلة للامم المتحدة، حيث أن وزير الخارجية الإسباني، تحدث بلغة مباشرة وصريحة بأن هذا “الملف لا يمكن أن ينتظر إلى ما لا نهاية من الزمن، فقط لأن الأمر يتعلق بإرضاء الذين يرفعون شعارات فارغة”، ووزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو”، الذي استقبل وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” بواشنطن، كان الجميع ينتظر أن يُبدد الالتباس حول موقف الإدارة الأمريكية من الصحراء الغربية، فلم يكتف فقط بتجديد اعتراف واشنطن بـ “سيادة” المغرب على الصحراء، بل دعا الأطراف وبشكل فوري إلى الانخراط في إيجاد حل للنزاع على قاعدة المقترح المغربي، بينما جدد وزير الخارجية الفرنسي موقف بلاده من الصحراء الغربية، وذلك في تزامن مع زيارته للجزائر من أجل تسوية التوتر بين البلدين.
التطور الثالث –حسب كاتب المقال- هو زيارة وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي” للجزائر والتي حظيت باحتفاء كبير، ولقاءات بعدد مهم من المسؤولين الجزائريين، بما في ذلك الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون”، دون أن يتم الكشف عن سياق الزيارة، وضمن أي أجندة جاءت، وأي أفق للتعاون بين البلدين؛ لاسيما في هذه اللحظة التي تواجه فيها إيران تحديات متعاظمة، سواء من جهة فقدانها لحليف استراتيجي في سوريا، أو حصول تراجع استراتيجي لأحد محاورها في لبنان، أو خضوعها لضغط أمريكي وأوروبي فيما يخص برنامجها النووي، الذي رشح من هذه الزيارة مجرد عناوين عريضة تخص قضية غزة ومشروعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، بينما بقيت القضايا الأخرى بعيدة عن الإعلام.
قد تبدو هذه التطورات ظاهريا متباعدة، لكنها في الجوهر مترابطة، وتكشف عن تعاظم التحديات التي تعيشها الجزائر، و التي تؤتر بشكل مباشر على تطورات قضيتنا الصحراوية، لاسيما في تدبير العلاقة مع جنوبها، فقد تكشفت اليوم الأزمة مع دول تحالف الساحل، وكشفت عن أبعاد جديدة للخلاف الجزائري/الروسي، لاسيما بعد انعقاد قمة رباعية جمعت روسيا بدول تحالف الساحل الثلاث (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو) في الثالث من أبريل الجاري بموسكو، وتعهد وزير الخارجية الروسي في هذا الاجتماع بتقديم الدعم المتعلق بالأمن والدفاع إلى هذه الدول؛ ذلك أن روسيا لا تنظر لهذه الدول فقط باعتبارها دولا خرجت من الهيمنة الفرنسية، و أقامت تحالفا مع روسيا، و لكنها تنظر إليها باعتبارها مشروع بنية أمنية جديدة في المنطقة، ترتكز على استقلال القرار السيادي، وعلى خدمة المصالح الوطنية ومناهضة الأجندات “الفرنسية” الاستعمارية.
يلتقي التطور الأول مع التطور الثاني، المتعلق بتصريحات وزراء الخارجية الفرنسي والإسباني والأمريكي بدعم “المقترح المغربي” بوصفه إطارا للتفاوض والتوصل لتسوية للنزاع، في ثلاث نقاط أساسية؛ الأولى، وهو تباعد وجهات النظر بين موسكو والجزائر حول إشكالات المنطقة لاسيما قضية دول الساحل جنوب الصحراء، بل و حتى في ملف الصحراء الغربية بعد وصول العلاقات المغربية الروسية إلى مستويات متقدمة…. و الثاني، وهو نهاية مشروع الأنبوب النيجيري الجزائري، بحكم الأزمة مع النيجر، التي يفترض أن هذا الأنبوب سيمر مباشرة من أراضيها ليصل نيجيريا بالجزائر مما يعني خسارة الجزائر مليارات الدولارات في دراسة جدوى هذا المشروع والدراسات التقنية التمهيدية دون نتيجة… ويتعلق الثالث، بتراجع المزاعم التي ترى في أن واشنطن تدعم خيار تقسيم الصحراء، إذ تأكد بالملموس، بأن تصريحات وزراء الخارجية الأمريكي والفرنسي والإسباني، تصب كلها في رغبة دولية فورية لإنهاء ملف النزاع، وفقا للمقترح المغربي، وقلق شديد من استمرار الملف من غير حل.
ما يؤكد ذلك، أن الجزائر شعرت هذه المرة بالخطر، وأصدرت بيانا مرتبكا في مواجهة الموقف الأمريكي، و تأسفت فيه على تحيزه إلى المغرب، واستغربت أن يصدر هذا الموقف من عضو دائم بمجلس الأمن، معتبرة أن أي انحياز للمغرب بهذا الشأن لا يخدم تسوية النزاع…. و بذلك تكون الجزائر قد أدركت هذه المرة أن الموقف الدولي تحول بشكل كامل، وأنها فقدت الحليف الاستراتيجي (روسيا) الذي يقيم التوازن في مثل هذه التحديات، ولذلك، اتجهت إلى التخويف بإيران، وتوثيق العلاقة معها، لتقوية ملفها التفاوضي مع واشنطن والدول الغربية، لاسيما وأن طهران تتطلع إلى تقوية نفوذها في إفريقيا، بعد أن اكتسبت مواقع مهمة بدعم جزائري في تونس وليبيا.
عن طاقم “الصحراءويكيليكس”
(مقتبس من مقال بجريدة “القدس العربي”)
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك