الرباط تتجاهل قرار المحكمة الأوروبية بعقد شراكات مع الصين و روسيا، و الجزائر تتخاصم مع بريتوريا بسبب “بريكس”
بـقـلـم:بن بطوش
حين كنت في أروقة الجامعات أبحث في التاريخ بلهفة الطالب الباحث المحب لاستجلاء ما حدث في الماضي، صادفت وثيقة عبارة عن مراسلة تعود للحرب العالمية الثانية، لا أعلم كيف نجت من تلك المحرقة العظيمة و لم يستطع أحد أن يشرح لي كيف وصلت إلى أرشيف الجامعة، و هي عبارة عن وصف من ضابط ألماني لما وقع في مدينته دردسن الألمانية، يخبر فيها القيادة المركزية ببرلين أن المدينة – و رغم استسلامها- ضل جيش الحلفاء يسحق أزقتها و شوارعها و كنائسها و مستشفياتها و ملاجئها و أسواقها و حدائقها…، بمئات الأطنان من القنابل التي تنزل كالمطر من السماء…، لمدة سبعة أيام بالليل و النهار، حتى أصبحت المدينة كومة ركام لا تصلح لشيء، و في نهاية المراسلة كتب: “…لقد تم سحقنا”.
تذكرت تلك الوثيقة و شجاعة الضابط الألماني و هو يعترف بالهزيمة و يصف بشاعة جرم المنتصر، عندما سمعت خطاب “خالد مشعل” و الذي قدمه الإعلام القومجي كقائد لحركة “حماس” في الخارج، رغم أن الجميع يعلم بأن الرجل هو قائد الحركة الحمساوية كاملة في الوقت الحالي، بعد المصير المجهول لـ “يحيا السنوار”،…. “مشعل” وصف الدمار الذي حصل في غزة بالخسائر الطفيفة، و وصف خسائر إسرائيل بالإستراتيجية و الموجعة للكيان الغاصب، لكنه تفادى تشخيص الوضع الميداني عبر وصفه بالأرقام، حيث تجاوز عدد الشهداء في غزة 42 ألف، و عدد النازحين مليوني فلسطيني، و نسي أن يذكر التقرير الأممي الذي يقول بأن غزة أصبحت بدون بنية تحتية و لا تصلح للعيش، و نسي أيضا أن يخبرنا بأن جيش الاحتلال العبري رفع رايته في “مارون الراس”، أحد أهم معاقل “حزب الله” جنوب لبنان و من المنتظر أن يسلموا تلك الأرض للدروز حتى يعلنوا قيام دولتهم التي ستكون امتدادا لإسرائيل، و أن الحكومة اللبنانية أعلنت استشهاد أزيد من 1400 مواطن كضحايا للغارات الإسرائيلية على جنوب البلاد، و أن عدد النازحين من الجنوب إلى بيروت و الضواحي فاق 1.2 مليون مواطن لبناني، و أن الوضع الاقتصادي في لبنان كارثي، و قد يصبح معقدا في جانبه الإنساني؛ لأن معظم النازحين يبيتون في العراء و فصل الشتاء على الأبواب.
خطاب “خالد مشعل” لم يكن مضللا فقط، بل فيه الكثير من الجفاء و الكثير من الاستصغار لخسار الغزاويين و جراحهم و أوجاعهم، و هو ذات المنطق الذي يتبناه “الهنتاتة” في البيت الأصفر الملعون، فهم يستصغرون الفقد الذي تصاب به الأسر داخل المخيمات، و يعظمون الانتصارات الوهمية، ذلك أن ما تم الترويج له من نصر لم يصمد أكثر من 24 ساعة، بعد قرار المحكمة الأوربية و الذي أعقبه موجة استنكار أوروبية تبرأت فيها جل الحكومات الأوروبية من الحكم، بشكل محرج جدا لنا كرأي عام صحراوي تبنى الحكم و آمن به، ثم قرر النزول إلى المنصات على مواقع التواصل للترافع عنه، ليتبين لنا بعد يوم واحد أنه اضغاث أحلام، خصوصا و أن البرلمان الأوروبي رفض في اليوم الموالي من صدور الحكم مناقشته في جلساته الدورية التي جرت من يوم 07 إلى يوم 10 من أكتوبر 2024، و الأكثر من ذلك، قامت جهات مجهولة داخل الاتحاد الأوروبي بإحالة الهيئة المسؤولة عن الحكم إلى التقاعد بعد مرور 48 ساعة فقط عن صدور الحكم، و ذلك بقرار إداري و لا يتعلق الأمر بانتهاء خدمتهم، بل هي عملية عزل ستتسرب وثائقها عما قريب…، و المرجح حسب المصادر أن الإتحاد الأوروبي ينوي إعادة فتح الملف من جديد للقيام بما أسماه “تصحيح الحكم”، بعد تغيير القضاة.
السبب وراء هذا التغيير كان دهاء النظام المخزني؛ لأنه في نفس يوم صدور الحكم، قام سفير الرباط في دولة الصين باستدعاء أكبر وكالة إخبارية في بكين، و أجرى حوارا صحفيا دعا فيه الصينيين لعقد شراكات أكبر مع حكومة بلده، و قال كلاما أخاف أوروبا، حيث أكد أن الرباط تنوي منح الشركات الصينية صفة الشركات الوطنية المغربية، بمعنى أنها ستصبح شركات لها اعتماد وطني كامل و تحظى بالأولوية في الصفقات و يحمل منتجها وسوم الجنسية المغربية و ليس فقط وسوم بلد المنشأ و سيغزو بتلك الشركات الأسواق الأوروبية مستغلا اتفاق التبادل الحر…، كما أعلن بعد يوم واحد من حكم المحكمة الأوروبية عن توقيع اتفاقية للصيد البحري مع موسكو، و أن الأساطيل الروسية ستصطاد في مياه الصحراء الغربية، و هو الأمر الذي أزعج حكومة الكناري، و جعل رئيس حكومتها، “فرناندو كلافيخو”، يهرول إلى الرباط لتأكيد دعم الكناريين للرباط في ملف الصحراء الغربية، و أيضا للتظلم؛ لأن الأساطيل الروسية غالبا ما تقدم لهم البحرية الروسية الحماية بوضع غواصة نووية في أعمق نقطة في المحيط الأطلسي، و هو الأمر الذي يخيف الإسبان و يرعبهم، لأنهم يخشون وقوع صدام مروع بين الغواصة و الأسطول الإسباني في كناريا.
” كلافيخو ” كان محبطا و هو يسمع وزير الخارجية المغربي، “ناصر بوريطة”، الذي أحصى في مداخلته أمام الصحفيين على الأوروبيين أخطائهم، و حاول رئيس حكومة الكناري أن يبدي تعاطفه مع الرباط من خلال تجديد المساندة و الدعم، لكن الوزير المغربي كان يتحدث بلسان الواثق و هو يخبر الأوروبيين بأن لا أحد يجب أن يقدم للمغرب الدروس.
خسائر الدولة الصحراوية مرتبطة أفقيا و عموديا و وجدانيا و هيكليا بخسائر الحليف الجزائري، ذلك أن ملف “بريكس” هو الآخر، و بسبب سوء إدارته من طرف حاشية الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون”، أصبح مصدر إزعاج للقضية الصحراوية وسببا أساسيا في كل الانتكاسات التي أصابتها في السنوات الأخيرة، حيث عاتب قصر المرادية حكومة بريتوريا بشدة لدرجة وصف موقفها بالمتخاذل؛ إذ أن الجزائر عابت على دولة جنوب إفريقيا موقفها السلبي من دعم ترشيح الجزائر، انطلاقا من موقعها الذي يخول لها استخدام “الفيتو” لقبول باقي الدول بعضوية الحليف، لكن بريتوريا لم تستخدم حقها النقدي و بالتالي تم رفض الملف الجزائري،…. و جنوب إفريقيا تبرر عدم استخدام هذا الحق بالمصلحة العامة لدول التحالف، و ترى أن الجزائر إذا ما انضمت إلى التكتل باقتصاد غير مرن و غير قوي فسيشكل ثقب أسودا داخل جسم مجموعة “بريكس”، و سيتسبب في عرقلة تقدمها.
عتاب الجزائر لبريتوريا تحول إلى خصام صامت، و دفع بالجزائر إلى إتهام جنوب إفريقيا بتوريطها في الوديعة التي ساهم بها في بنك “بريكس” و في بنوك جنوب إفريقية، البالغة حوالي ملياري دولار أمريكي، و هو ما جعل الحكومة الجنوب إفريقية تبتز الحليف الجزائري عبر إرسال وفد عن الحزب الحاكم إلى الرباط للقاء وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” و الثناء على العلاقات التاريخية، حيث قاد هذا الوفد عضو باللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الإفريقي، “أوبيدبابيلا”، الذي ينادي دوما بقطع العلاقات مع الجزائر و فتح صفحة جديدة مع الرباط، و دعا الرجل أمام وسائل الإعلام الدولية إلى تقوية الشراكات الاقتصادية بين الدولتين و أثنى على ما أسماه الروابط التاريخية بين المغرب و جنوب إفريقيا.
إبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك