بـقـلـم : بن بطوش
بعد وقوع الضربات الإسرائيلية على الدوحة، استفسر قائد الجيش القطري من قائد القوات الأمريكية في قاعدة العيديد بالوكرة، و سأله عن سبب فشل الرادارات في رصد الهجوم، فأجابه – دون دبلوماسية و من غير تكلف- : “نحن هنا مكلفون بحمايتكم من دول الخليج و إيران و الجماعات المسلحة و ليس من إسرائيل”…، الحوار لم تنقله قناة “الجزيرة” التي تفاعلت مع العدوان بطريقة غريبة و مضحكة، و اهتزت بسببها مصداقيتها الدولية، حيث اكتفت بنشر قصاصات إخبارية منقولة عن وكالة “رويترز”، رغم أن القصف وقع في نفس الشارع حيث مقر القناة، التي عوّدتنا على وضع مراسليها في عين الحدث، حيث لم يُسمح بنشر إجابة القائد العسكري الأمريكي في الإعلام العربي، الذي يرى أن ردّه مهين جدا لدولة أنفقت قبل أشهر أزيد من 10 مليارات دولار لبناء أربعة قواعد أمريكية غاية في الحداثة و التطور، و أهدت الرئيس الأمريكي واحدة من أغلى و أفخم الطائرات الرئاسية،… كل هذا كي تجني الإخفاق مرتين؛ مرة ضد الصواريخ الإيرانية و مرة ضد الطائرات الإسرائيلية… !!
الأمير القطري أحس بالإهانة، وربط الاتصال بمجلس التعاون الخليجي و طلب على استعجال تفعيل قوات “ذرع الجزيرة” التي فشلت في السيطرة على احتجاجات البحرين…، و طلبه هذا ليس للهجوم على إسرائيل بل فقط للانتشار داخل قطر و حماية مقرات سكن قادة حركة “حماس”… لكن مجلس التعاون رد على القيادة القطرية بعدم اكتمال النصاب و أن ثمة دول، و ليست دولة واحدة، لوحوا بالفيتو ضد استعمال قطر لقوات “ذرع الجزيرة” داخل ترابها، بدعوى أن هذا قد يدفع باتجاه تصعيد التوتر، و قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة، و أن تلك الدول الخليجية يحق لها منع وقوع ذلك…،مثلما استعملت قطر الفيتو لمنع القوات نفسها من الانتشار في السعودية لرد هجمات الحوثيين و ردع التهديدات الإيرانية، قبل أن تجبر الرياض على التطبيع مع الدولة الصفوية.
اليوم تغرف قطر من نهر سياستها المتدخلة و المتلاعبة بأمن الدول العربية، لأن طائرات الـ f16 و الـ f15 و الـ f35 التي قصفت الوفد المفاوض، مرت عبر أجواء سوريا التي استثمرت قطر كل شيء لتخريبها و تحويلها إلى دولة فاشلة، و مرت عبر أجواء العراق التي جيّشت قطر إعلامها و اشترت المئات من سيارات “طويوطا” اليابانية لمنحها لإرهابيي “داعش” و تمكينهم من المرونة في التحرك و التقدم تمهيدا لتقسيم بلاد الرافدين،… اليوم العراق و سوريا بدون مؤسسات و لا جيوش حقيقية، و النتيجة أن إسرائيل وجدت السبيل يسيرا لضرب ضيوف قطر و هم في عقر دار الأمير الأنيق.
لم يكن هذا المدخل تشفيا في ما يقع لقطر، فما عاذ الله أن نكون من الجاهلين، و لكن هي الدروس و العبر، و مواسم الحصاد بعد زراعة الشقاق و النفاق لا تكون إلا كما رأيناها، و حين قال الرئيس “ترامب” أنه تفاجأ بالهجوم الإسرائيلي على قطر ثم أخذ وزرائه و مستشاريه للعشاء في أفخم فنادقه، فهو كرجل سياسي قدم تصريحا بالصيغة التي سيتقبلها القطريون،… و حين أجاب الجنرال الأمريكي في قاعدة العيديد أنه غير مكلف بحماية قطر و وفد “حماس” المفاوض من الهجمات الإسرائيلية، فهو أجاب كعسكري يرفض أن يعترف بعجز ترسانته عن رصد تلك الطائرات التي غيّرت إسرائيل من تقنياتها و جعلتها مستحيلة الرصد…، و هو نفس السبب الذي يجعل الحليف الجزائري لا يتجرأ على الدخول في حرب مباشرة مع العدو المغربي، لأنه يجهل طبيعة التسليح المغربي منذ وصول الرئيس”ترامب” إلى الحكم، و الرباط تعقد صفقات جزئها الأعظم سري للغاية.
و هذا الكلام ليس اجتهادا من موقعنا الحر، بل هو نكتار تصريحات المبعوث الأممي المكلف بنزاع الصحراء الغربية، “ستيفان ديميستورا”، و التي خص بها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدوليةISPI، حيث صرح بأن الجارين (الجزائر و المغرب) كانا على بعد شرارة واحدة من الاشتباك، لكن الحرب لم تقع، و هو ما أشرنا إليه قبل أشهر و قلنا أن التقارير الاستخباراتية الفرنسية التي كان قد حصل عليها كبير الجيش الجزائري “السعيد شنقريحة” حين زار باريس و مُنِح خوذة المحارب الفرنسي…، كانت تؤكد أن الرباط لها تسليح يسمح لها بحسم الحرب مع الجيش الجزائري في أقل من أسبوع، و أن لها قدرات هجومية تتجاوز الدفاعات الجزائرية، و أن المضادات الأرضية و بطاريات S-300 الجزائرية التي كانت تخرج من الخدمة عند انطلاق تمارين “الأسد الإفريقي”…، تؤكد أن الولايات المتحدة مكنت الرباط من تكنولوجيا لا يتوفر عليها غير النادي الضيق لحلفاء أمريكا.
“ديميستورا” كشف عن بعض الحقائق حين قال أن مهمته لم تكن حل ملف الصحراء الغربية و الدفع باتجاه تنظيم الاستفتاء و تقرير المصير، بقدر ما أنه كان يعمل لمنع وقوع الصدام العسكري “بين طرفي النزاع الحقيقيين” (الرباط و الجزائر)، و قال أن الصراع هو في الأصل بين دولتي المغرب و الجزائر إضافة إلى جبهة البوليساريو، التي وصفها بـ “المجموعة”، و هذا التصريح في هذه الظرفية و قبيل جلسة أكتوبر، يؤكد أن الرجل يريد أن يبلغ الأمم المتحدة و مجلس الأمن و الرأي العام الدولي…، بأن القيادة الصحراوية مجرد أداة و ليست حركة ثورية – تحررية.
و الأخطر في هذا التصريح أنه رأي استشاري يعبر عن ما سيرفعه المبعوث في تقريره المقبل إلى مجلس الأمن، و كأنه يريد أن يبلغنا بأن القضية الصحراوية لم تعد صراع بين تنظيمنا السياسي “جبهة البوليساريو” و المحتل المغربي، بل هي قضية خلاف حدودي بين أطماع جزائرية توسعية لإيجاد منفذ إلى المحيط الأطلسي، و بين تشبث مغربي لاسترجاع ما يعتبره حقوقا تاريخية في المنطقة.
تصريحات المبعوث الأممي تشير إلى أن الصف الأمامي لدول العالم، مقتنع بأن الصحراء الغربية لا مستقبل لها إلا تحت “السيادة المغربية” المزعومة، خصوصا بعد أن أعلنت دول مثل أمريكا و بريطانيا و فرنسا عن استثمارات ضخمة في مدن الصحراء المحتلة و مياهها الإقليمية، و مراهنة أوروبا على المشروع الفرعوني لإيصال الغاز الإفريقي إلى دول القارة العجوز، مع تراجع الحصة الجزائرية إلى 22 % سنة 2025، بعدما كانت سنة 2022 تبلغ تحقق 37%، مما يعني أن أوروبا أصبحت تتجه للتخلي عن الغاز الجزائري الذي يحوله قصر المرادية في كل مرة إلى ورقة ابتزاز و ضغط، فيما الغاز الأمريكي الباهض الثمن قد يتوقف بعد نهاية حكم الرئيس “ترامب”.
لهذا فخروج المبعوث الأممي في هذا التوقيت لإجراء حوار يوضح فيه وجهات نظره من الملف، و هو الرجل المعروف بقلة تصريحاته و ضبابية مواقفه، يؤكد أن مجلس الأمن يستعد للخروج بموقف حاسم في الملف، و أن الجلسة القادمة قد تكشف عن قرارات نهائية و إجبارية و إلزامية لجميع الأطراف، و قد نسمع عن إدانة للحليف الجزائري في حال أنه لم يدفع باتجاه القبول بما سيفتي به دول مجلس الأمن، أو لنقل بما ستقضي به أمريكا و حلفاء الرباط.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك