كواليس ما حدث في مجلس الأمن قبل صدور القرار الكارثة 2797… و المحاولات الجزائرية الفاشلة لتعديله في اللحظات الأخيرة
بـقـلـم : بن بطوش
و بينما الجميع منشغل بالمعارك الدبلوماسية في مجلس الأمن، لم ينتبه أحد إلى ما فعلته باريس بالحليف و هي تسمح لليمين المتطرف، بقيادة “مارين لوبين”، لتمرير قانون في الجمعية الوطنية الفرنسية يدين اتفاقية الهجرة التي كان الإليزيه قد وقعها مع القادة الجزائريين سنة 1968، و يطالب بإلغائها، و التي تمنح الأسبقية في الهجرة للجزائريين و بموجبها كان مواطنو “مكة الثوار” يحصلون على بطاقة الإقامة بشكل سهل و لمدة عشر سنوات، مع بند سري في الاتفاقية يمنح الطلبة و العمال و المستثمرين الجزائريين الجنسية الفرنسية من الدرجة الثانية، بمجرد مرور فقط أربع سنوات من إقامتهم في فرنسا… و هذا الامتياز كان يجعل المهاجرين الجزائريين يستفيدون من تسهيلات تساوي بينهم و بين المواطنين الفرنسيين في منحة البطالة و التغطية الصحية و حقوق التملك و الزواج و ممارسات بعض الأنشطة، و كأنهم مواطنون فرنسيون حقيقيون كالتصويت خلال الانتخابات البلدية و حتى الرئاسية… !!
ما حدث في الجمعية الوطنية الفرنسية لا يمكن اعتباره مجرد جدال سياسي بين الفرق الحزبية بالبرلمان الفرنسي، بل هو تحول جدري في الموقف الفرنسي الرسمي تجاه الشعب الجزائري؛ لأن باريس كانت دائما ما تفرق بين الشعب الجزائري و النظام الجزائري، و هذه المرة تريد باريس معاقبة النظام بتهييج الشعب و منحه الشعور بأن نظام بلاده يتصرف عكس طموح المواطنين و لا يهتم لمصالحهم، و يفضل عليهم مصالح و أجندات شعوب أخرى…، و هذه ليست خلاصة صحفية لموقعنا الحر، بل هي تصريحات رسمية لقادة سياسيين فرنسيين ممن اعتبروا أن الوقت قد حان لمعاقبة الجزائر، ثم معاملة قصر المرادية كنظام يحارب المصالح الفرنسية و يعاديها.
لهذا فما يعيشه الحليف الجزائري على المستوى الدولي لا نجد له من وصف غير أنه فعلا في عزلة حقيقية و انكماش واضح لسمعته، و يفسر جانبا مهما مما جرى لقضيتنا الصحراوية في مجلس الأمن و كيف تمكن المحتل المغربي من تمرير التوصيات التي تتناسب و أهدافه، دون أن يتمكن قصر المرادية من إقناع دولة واحدة كي تعارض القرار… و المثير للدهشة و التساؤل، أن الجزائر نفسها لم تجرؤ على التصويت ضد القرار حتى لا يغضب حامل القلم (أمريكا)، الذي وضع التوصيات على مقاس رغبة الرباط و لتدمير و تفكيك و إحراق كل الطرق التي تؤدي إلى الإستفتاء كسبيل وحيد لتقرير المصير بالصيغة الصحراوية – جزائرية، و حتى روسيا، معقل الإشتراكية و قبلة الشيوعية و اليسارية، و الركن الشديد الذي ألفنا أن نرى الحليف الجزائري يلجأ إليه كلما ضاقت بقضيتنا سبل النجاة في مجلس الأمن، إلا أنه هذه المرة و كالمرات السابقة، لم تجتهد موسكو في إحداث التعديلات، و سمحت بتمرير تلك التوصيات التي سيحاول النظام المخزني فرضها رغم الرفض الصحراوي لها، و لكن هذه المرة في إطار الفصل السابع في أكتوبر المقبل،… و قد لا يحتاج إلى هذا الإجراء إذا ما تهورت واشنطن و صنفت تنظيمنا السياسي كمنظمة إرهابية؛…. حينها لن يكون هناك حتى الحكم الذاتي.
ما جرى في نيويورك بين الكريملن و قصر المرادية بالغرف المظلمة، تشرحه التسريبات التي جاءت مباشرة بعد تصويت مجلس الأمن، و التي نشرتها حسابات مجهولة على تطبيق التليغرام، ثم عادت تلك الحسابات لتختفي بعد ساعات من بثها للسموم، حيث كشفت بأن الحليف الجزائري عقد عدة لقاءات مع الصين و روسيا، و أنه خلال اللقاء مع الروس وضع النظام الجزائري بين يدي موسكو شيكا على بياض كرشوة، تحت ذريعة مساعدة جزائرية من أجل إعادة إعمار و بناء القرى و المدن الحدودية الروسية التي أتت عليها الحرب مع أوكرانيا، بالإضافة إلى وعد بالرفع من حجم الصفقات العسكرية مع الكريملن بنسبة 50%، لكن الأخير رد بأن الأمر لا يتعلق بالمال أو بشراء تحالفات، بل بتسويات و توافقات تحدث بين القوى الكبرى حول القضايا المشتركة، و أن ملف الصحراء الغربية أفتى فيه الخمس الكبار أصحاب القرار، بقيادة واشنطن حاملة القلم، بوجوب حصول الشعب الصحراوي على الحكم الذاتي، و أن أي تغيير في هذا الأمر يجب أن يأتي من واشنطن، و أن السبيل الوحيد المتبقي و المتوفر أمام الحليف الجزائري و قيادتنا، هو أن إقناع حامل القلم بتغيير فقرات المسودة، أو إقناع صقور البيت الأبيض بممارسة نوع من التماطل في القبول بالحلول المتفق بشأنها بين الخمسة الكبار زائد الأمين العام و مبعوثه الشخصي، و بالتالي يتأجل الحسم بطريقة أو بأخرى، في انتظار انتهاء عهدة الرئيس “ترامب” أو حدوث معجزة.
بعد تداول هذا التسريب…، أعلن المتتبعون الدوليون لسياسة “ترامب” أنهم أصبح لديهم شيء يشرح و يفكك لغز الخرجة الإعلامية للرئيس الأمريكي التي لم تكن مبرمجة قبيل التصويت بمجلس الأمن، و التي كانت ردا على ما دار في الكواليس بين موسكو و الجزائر، حيث كان قد قال فيها أنه يمكنه الترشح لانتخابات سنة 2028 كنائب للرئيس، و أنه في حال تنازل الرئيس عن منصبه أو في حال وفاته أو حصول مانع يسمح له بمباشرة مهامه الرئاسية، فإنه سيكون الرئيس الأمريكي الشرعي و بالتالي ستكون أمريكا على موعد مع ولاية رئاسية جديدة للرئيس “ترامب”، حيث بدا كلامه و كأنه مخطط تم إعداده من الآن للانتخابات المقبلة، و الذي سيفوز بها سيكون مجرد أرنب سباق… !!
و بالتالي فالرئيس الأمريكي “ترامب” بهذه الخرجة الإعلامية و كأنه يبلغ الروس و النظام الجزائري بأنه يعلم ما يهمسون به في الغرف المظلمة، و أنه مستمر في حكم أمريكا حتى من خلف الكواليس لأربع سنوات أخرى و إلى حدود سنة 2032، و أن المراهنة على إنفاق و إهدار الوقت و انتظار انتهاء عهدته للعودة إلى نقطة الصفر…، ستكون مضيعة للأجيال و الجهد، و أن ما يحاول النظام الجزائري إهداءه لخصوم واشنطن من مال و امتيازات، ستتحصل عليه أمريكا من الجزائر أضعافا مضاعفة دون أن تتنازل لها عن شيء.
يضيف التسريب أن الجواب جعل الحليف يفقد الأمل في “الفيتو” الروسي، و هو ما ظهر جليا على ملامح سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة “عمار بن جامع”، و أيضا أكده وزير الخارجية المغربي الذي صرح في حوار عبر القناة الرسمية الثانية “دوزيم”، بأن الدبلوماسية المغربية لم تتحرك إلى أن تحصلت على جواب صريح من روسيا بأنها لن تستخدم حق النقض، و أن الرباط لم تكن قد تحصلت على النصاب لحسم معركة التصويت، و لم تكن ترغب في مباشرة أي مفاوضات مع الأعضاء إذا تأكدت بأن موسكو ستنقض القرار، و أن كل ما كان بحوزتها قبل خمسة أيام من الحسم هو ستة أصوات، و انه بتدخل مباشر من ملك المغرب – يضيف “بوريطة” – تمكنت الدبلوماسية المغربية من الحصول على تسعة أصوات، فيما الصوتين الباقيين تم تحصيلهما بسهولة.
و هذا الكلام يؤكد أن المعارك داخل مجلس الأمن ليست كما روج لها الإعلام الرسمي الجزائري الذي اتهم الإمارات العربية بجمع الأصوات للرباط، بل أن العلاقات القوية و الضاربة في العمق – منذ قرون- لأعلى هرم في السلطة بالمغرب مع “من يحكمون العالم”، هي من حسم التصويت في مجلس الأمن لصالح النظام المخزني و تسبب لقضيتنا الصحراوية في الكارثة….
و بالتالي هنا نفتح قوس للحديث عن التأثير و الهيبة و المواقف الدولية التي سبق أن أشار لها وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، حين رفضت موسكو عضوية الجزائر في “البريكس”، إذ أن النظام المخزني له تأثير قوي على المستوى الدولي و يمكنه أن يرجح كفة بلاده في أي معركة دبلوماسية و يحظى بثقة الكبار، و حتى حين أصدرت إسبانيا و فرنسا و أمريكا و بريطانيا مؤيدة للرباط في النزاع على الصحراء الغربية، فإن ذلك كان بتأثير مباشر من ملك المغرب و الذي له وزن دولي كبير، عطفا على ما جاء في بيان الخارجية الروسية التي بررت امتناع سفيرها عن التصويت بأن العملية كانت سريعة و لم تمنح الدول مساحة زمنية لإحداث تغييرات جدرية في مشروع القرار…، فهل كان الرئيس “عبد المجيد تبون” أو “شنقريحة” ليقدرا على تغيير رأي القيادات العالمية لو أن احدهما أو كلاهما تدخلا بشكل شخصي… !!.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك